أقفاص مؤجلة.. حكايات معلقة بين زواج وطلاق

شارك المقال


سهير عبد الجبار – نسوان فويس

منذ عام ونصف، تعيش هيفاء في بيت أهلها، بعدما اتفقت مع زوجها على أن زواجهما لم يعد صالحًا وأن الطلاق هو الحل الأمثل. لكنه، ورغم هذا الاتفاق، لم يوثّق الطلاق ولم ينفّذه فعليًا، ليتركها معلّقة بين وعود أهل زوجها ومماطلة القضاء، وبين ضغط أهلها وخوفهم على حقوقها.

زوجها المغترب يرسل المال تارة ويقطعه تارات، وما يرسله لا يكفي حتى لتغطية الأساسيات لبناتهما الصغيرات. وعندما تطالبه بالنفقة، يتهرّب بحجة أنه بلا عمل. وإن اشتكت إلى أهله، يتدخل والده ليطمئنها بأن المشكلة ستحل قريبًا، لكن لا شيء يتغير. أما زوجها، فيرد ببرود: “افعلي ما شئتِ، أو ارمي بناتكِ في الشارع”.

هيفاء وزوجها اتفقا على الطلاق، لكنه لم يطلقها بالفعل ويعاملها معاملة المطلقات، مع أنه لم يرمِ يمين الطلاق ويعطيها ورقتها ونفقة بناتها كما جاء في الشرع.

أهل هيفاء، بدلًا من أن يكونوا سندًا لها، يرفضون أن تلجأ إلى القضاء خوفًا من ضياع حقوقها، كما لا يسمحون لها باستئجار غرفة قريبة منهم كي تستقر مع بناتها. وهكذا تبقى هيفاء بلا حل، تحت رحمة رجل لم يعد يريدها لكنه يرفض تطليقها، وعائلة تخشى المواجهة، وقضاء يبدو غير ملتفت لمأساتها.

انتزاع الحقوق

 

الحقوقية شيماء معاذ القرشي والمستشار القانوني مجدي الفقيه ينصحان هيفاء باللجوء إلى اتحاد نساء اليمن وأن توكّل محاميًا ينوب عنها في الحضور للمحكمة. تستطيع هيفاء أن ترفع قضية نفقة وقضية هجر، وطلب الطلاق يعود لهيفاء وحدها، ولا يحق لأحد أن يعترض عليه طالما أنها المتضررة الوحيدة من ذلك.

هيفاء ليست الوحيدة، بل هي واحدة من عشرات اليمنيات المعلّقات اللاتي لم يحصلن على الطلاق أو الحياة الزوجية المستقرة.

أسماء الصلاحي، مستشارة العلاقات الأسرية، تقول لـ”نسوان فويس”: إن ما تتعرض له هيفاء وغيرها من النساء هو خذلان الأهل، الذين يُفترض بهم إيجاد الحل بدلًا من الانتظار والصبر اللذين يولّدان الخنوع. هذا، على الرغم من إصرار الأهل على تأجيل البت في قضيتها، والنتيجة سنوات عمر مهدرة وحقوق زوجة وأطفال غير محددة وغير مطالب بها.

في كثير من المجتمعات، تواجه المرأة عقبات عديدة عند مطالبتها بحقوقها الزوجية، حيث يُفرض عليها الصمت أو الانتظار على أمل أن يستيقظ ضمير الزوج، فيعيدها إلى منزل الزوجية أو يمنحها ورقة الطلاق دون نزاع أو جهد يُذكر. كما أن الإنفاق على الأبناء يُترك غالبًا لقراره الشخصي، دون التزام قانوني واضح. وفي حالات كثيرة، عندما تفقد الأسرة الأمل في تحمّله لمسؤوليته، تلجأ إلى إعادة الأطفال إليه، على أمل أن يضطر للالتزام برعايتهم والإنفاق عليهم.

عابدة المؤيد، مفكرة إسلامية وباحثة في قضايا الفقه، ترى أن الفتاوى الفقهية هي من سمحت للرجل بمماطلة الطلاق ويذرهن كالمعلّقة، حتى إذا طلبت الخلع اشترطوا عليها موافقة الزوج حتى على الإنفاق. لا يوجد عدل؛ فهي مطالبة بالحفاظ على أبنائه لكنه لا يلزم بالإنفاق على أطفاله الإنفاق الذي يكفيهم، بل إن الكثير يلجؤون إلى الاحتيال.

القضاء وتمييع القضايا

 

في كثير من الأحيان، يتم تمييع القضايا في أروقة المحاكم، حيث تُجزّأ القضية الواحدة إلى عدة قضايا منفصلة، مما يجعل النساء وعائلاتهن يترددن في اللجوء إلى القضاء.

تكمن المشكلة الحقيقية في خوف النساء من اللجوء للقضاء لمنعهن من قبل أهلهن، أو لعدم امتلاكهن الجرأة والمال للمبادرة بذلك. تقول الحقوقية شيماء: “إن القضاء جيد، وللأسف أن المجتمع زرع أفكارًا سوداوية ضده، ومهما تكون سوءته ليس بسوء الحياة التي تصل إليها حياة العديد من نساء اليمن.”

طلاق بلا أوراق

 

تمضي السنوات على كثير من النساء المهجورات دون حسم مصيرهن، في ظل تهاون أسرهن بحقوقهن، معتبرين أنه طالما المرأة تأكل وتشرب فلا حاجة لها بأكثر من ذلك. هذا التخاذل يمنح الأزواج فرصة لزيادة معاناتهن، بإبقائهن معلقات دون طلاق رسمي. أما المجتمع، فلا يزال يرى أن قرار الطلاق حق حصري للزوج وحده.

سعيدة الحاج، امرأة مهجورة منذ عشر سنوات، حلت على أهلها هي وأولادها منذ زمن بعيد، لا زوج يسأل ولا أهل يهتمون بمصيرها. وكونها أم لابنتين، فإن الطلاق قد يضر بمستقبل ابنتيها، فالناس تتخوف من الارتباط بالأسرة المفككة.

وبين حال هيفاء وحال سعيدة، يقف المجتمع عائقًا أمام حياة كريمة تليق بهن، متغافلين قول الله عز وجل: “

مقالات اخرى