ماجد زايد – نسوان فويس
ليست مجرد صوت طربي يصدح من عدن، بل هي مزيج نادر من الشغف والإصرار والصدق والتواضع.
شابة لا تنتظر أحدًا ليصنع لها الطريق، بل تمضي فيه بمفردها، لتحقق بذلك حضورها اللافت، إنها صورة بديعة عن مقولة شهيرة لـ فرانسواز ساغان حين قال: “المرأة التي لا تنتظر أحدًا لتصنع حياتها، تصبح أسطورة”، وهي اليوم تصنع أسطورتها.
كأنها فرجينيا وولف، بينما تفتتح السبيل لنساء أخريات، وفي كل مرة تقول ما تؤمن به دون أن تعتذر.
رنا السلامي فنانة يمنية شابة، استطاعت أن تشق طريقها في عالم الغناء رغم التحديات الاجتماعية والمجتمعية. صوتها يحمل نكهة عدنية واضحة، وحضورها الفني يعكس شخصية واثقة من اختياراتها ومتصالحة مع ذاتها.
في هذا الحوار، تفتح الفنانة رنا السلامي قلبها لـ”نسوان فويس”، وتتناول مسيرتها الفنية، وردود فعل المجتمع تجاهها.
الأسرة والبداية
تتحدث رنا عن بدايتها في عالم الغناء مطلع عام 2010، وسط اعتراضات أسرية، كونها تنتمي إلى بيئة محافظة تعتبر غناء المرأة أمرًا مرفوضًا.
تقول: “واجهت في البداية رفضًا شديدًا، لكن بعد إصراري ونجاحي بدأ أهلي يدركون موهبتي ووقفوا بجانبي، وكان شقيقي الفنان عماد السلامي من أكثر الداعمين لي”.
تأثرت في بدايتها بعدد من الفنانين مثل محمد سعد عبد الله، ونجاة الصغيرة، وأم كلثوم. لكنها اختارت لاحقًا اللون العدني والشرح البدوي، لأنه الأقرب لهوية المدينة التي تنتمي إليها.
المجتمع وحساسية المظهر
حينما تُغني وتكتب وتثور، لا لتُرضي الأعراف، بل لتكون موجودة، تمامًا كـ رقيّة حسن، “امرأة.. لا تضعها الأعراف في قفص”.
تدرك رنا حساسية الوسط الذي تعمل فيه، خاصة ما يتعلق بمظهر الفنانة وظهورها العام.
تؤكد أنها تحرص على احترام المجتمع والالتزام بحدود اللباس الذي يناسب شخصيتها دون أن يتعارض مع قناعاتها.
وتضيف: “هذا لبسي منذ طفولتي، وهو جزء من شخصيتي. جمهور عدن متفهم، وهناك الكثير من الفتيات مثلي لكنهن لا يظهرن للعلن. جمهوري يهتم بصوتي أولًا”.
وإن كانت أيقونة الفن تحتاج إلى أكثر من صوت جميل، فإن رنا السلامي تجسّد تلك الأيقونة، ودائمًا تصنع قدرها بيدها، لتغني، لتطمح، لتعبر عن الآخرين، لأنها تدرك بأن من يختار الصمت لن يغير شيئًا ولن يبقى طويلًا.
الفن والمجتمع والموقف الشخصي
كفتاة لا تعتذر عن كونها امرأة، ولا عن كونها قوية تعتلي المسارح بجرأة صادمة في حضورها الفني وقدرتها على الغناء، خياراتها الشخصية صنعت حولها جمهورًا يشبهها في حب الحياة والتطلع نحو الأفضل.
عُرفت رنا بأغاني الزفة والأعراس، وشاركت في عدة حفلات داخل اليمن وخارجه، منها حفلات في عدن وأبو ظبي وجدة. لكنها أيضًا قدّمت أغنية احتجاجية بعنوان “يا حكومة سهرنا الليالي” خلال احتجاج نسائي في عدن.
تقول: “الفن ليس فقط للربح، بل وسيلة للتعبير. لا أمارس السياسة، لكن أتحدث عن هموم الناس”.
كما تؤكد أنها تلقت تهديدات وتنمرًا عبر الإنترنت، لكنها لم تتعرض لمحاولة اعتداء مباشر. وتشير إلى أن التهديدات تأتي من حسابات وهمية، ولم تلجأ لأي جهة رسمية، مكتفية بالقول: “حسبي الله ونعم الوكيل”.
من خشبة المسرح إلى الشارع
لم تتردد في الانضمام إلى المظاهرات النسائية الأخيرة في عدن المطالبة بتحسين الخدمات الأساسية. وعن دوافعها للنزول إلى الشارع، توضح رنا: “أنا جزء من هؤلاء الناس، وأعاني مثلهم تمامًا. في بيتي كبار سن وأطفال، وجميعنا نعيش نفس المعاناة اليومية، لذا كان من الطبيعي أن أكون معهم في الشارع.”
وبسؤالها عما إذا كانت تعتبر نفسها فنانة ملتزمة سياسيًا أو اجتماعيًا، تؤكد السلامي على قربها من مجتمعها قائلة: “أنا فنانة قريبة من المجتمع، والفن بالنسبة لي وسيلة قوية لإيصال الرسائل. لا أمارس السياسة بمعناها التقليدي، لكنني أتحدث عن معاناة الناس من خلال أغنياتي بأسلوب لطيف ومؤثر.”
وفي ردها على وصف المظاهرات بـ”المسيسة” وما إذا كان الفن يجب أن ينفصل عن السياسة، ترى رنا أن “الفن يوصل صوت الناس، وأعتقد أنه لا يجب أن ينفصل تمامًا عن الواقع المعاش.
وتؤكد السياسة ليست مجالي، لكن الفن في جوهره هو موقف ورسالة.” وهذا يعكس إيمانها العميق بأن الفن له دور محوري في التعبير عن قضايا المجتمع وهمومه، حتى لو لم يكن ذلك بصبغة سياسية مباشرة.
تفاوت الطموح بين لونين
على الرغم من تميزها بـاللون الغنائي العدني الأصيل، لم تكتفِ السلامي بحدود لهجة واحدة، بل خاضت تجارب فنية ناجحة في اللهجتين الصنعانية والخليجية، سعيًا لإثراء مسيرتها وتوسيع قاعدة جمهورها. وتعمل حاليًا على مشروع موسيقي جديد “ميدلي” يجمع أكثر من طابع بتوزيعات حديثة، مما يعكس شغفها بتجربة كل جديد.
وفيما يتعلق بالراب، تُعبر السلامي عن موقف واضح بالقول: “لا يناسبني. الطرب هو الأقرب لقلبي”، مؤكدةً على ولائها لجذورها الطربية.
وبعيدًا عن عالم الفن، تطمح رنا السلامي مستقبلاً إلى تأسيس سلسلة مطاعم، ما يظهر اهتمامها بريادة الأعمال ورغبتها في بناء مشاريع متنوعة. كما تُشدد على أهمية الدعم المؤسسي للفنانين اليمنيين، خاصة الرواد منهم، إيمانًا منها بالدور المحوري لهذا الدعم في صون الفن وتطويره.
وتُشكل حماية صوتها هاجسًا رئيسيًا للفنانة الشابة، حيث ترى أن فقدان صوتها هو أكثر ما تخشاه، كونه ليس مجرد موهبة فنية، بل مصدر رزقها الأساسي ودافعها للاستمرار في مسيرتها الفنية والحياتية.
رسالة خاصة
للفتيات اليمنيات الطامحات إلى دخول مجال الفن، تقول رنا: “اظهروا مواهبكم وكونوا أقوياء. الفن مسؤولية وشغف، ويستحق الجهد”.
تُمثل رنا السلامي نموذجًا مختلفًا لفنانة يمنية شابة تحاول أن توازن بين هويتها الفنية والتحديات المجتمعية.
اختارت أن تكون قريبة من الناس، وتقدّم فنًا يعبر عنهم، دون أن تنفصل عن جذورها أو تتنازل عن قناعاتها.
مسيرتها حتى الآن تحمل الكثير من الرسائل، وتطرح أسئلة مفتوحة حول مستقبل الفن النسائي في اليمن.