زهور ناصر-نسوان فويس
في قلب اليمن، حيث تتلاقى التحديات البيئية مع إرادة التغيير، تبرز المرأة اليمنية كقوة دافعة نحو الاستدامة.
وفي ظل الظروف الصعبة التي يشهدها المجتمع، من نزاعات مستمرة إلى تدهور بيئي، تأتي النساء بمبادرات مبتكرة تعكس التزامهن العميق بحماية الطبيعة وتعزيز النظافة.
ومن الزراعة المستدامة إلى حملات التوعية البيئية، تلعب المرأة دورًا محوريًا في إعادة بناء مجتمعاتهن وتحقيق التوازن بين التنمية والبيئة.
إن قصص نجاحهن تمثل أملًا جديدًا يعزز من قدرة المجتمعات على مواجهة التحديات الراهنة.
تؤكد رئيسة منظمة جودن للتنمية والسلام زينب المخلافي، على الدور الحيوي الذي تلعبه النساء في تعزيز الزراعة المستدامة، حيث تساهم النساء بشكل فعال من خلال المشاركة في المدارس الحقلية وتبني أساليب مبتكرة مثل الإدارة المتكاملة للآفات. ومع تزايد مسؤولياتهن في إنتاج المحاصيل، خاصة بعد هجرة الرجال، قامت النساء بإنشاء حدائق منزلية وتربية المواشي، مما يعزز الأمن الغذائي المحلي.”
كما توضح المدير التنفيذي لمؤسسة كيان للسلام والتنمية مها عون أن أبرز التحديات التي تواجه المبادرات البيئية النسائية في اليمن نقص التمويل، غالبًا ما تعاني المشاريع النسائية من قلة التمويل والدعم المالي، مما يحد من قدرتها على التوسع أو الاستدامة.
القيود الثقافية والاجتماعية قد تواجه النساء مقاومة اجتماعية أو ثقافية تعيق مشاركتهن في الأنشطة البيئية، خاصة في المجتمعات التقليدية.
وقلة التوعية (نقص المعلومات والمعرفة) حول قضايا البيئة وأهمية المشاركة النسائية قد يؤثر سلبًا على نجاح المبادرات.
تسلط المخلافي الضوء على المبادرات المحلية المتواضعة التي تدعم جهود النساء في حماية البيئة، والتي غالبًا ما تنطلق من منظمات غير حكومية.
حيث تسهم النساء في تحسين الظروف البيئية من خلال زيادة زراعة الأشجار والحدائق المنزلية، والحفاظ على المراعي، وتقليل استهلاك الطاقة والماء، بالإضافة إلى اعتماد طرق زراعية حديثة مثل البيوت المحمية والزراعة المائية.
وتبرز المخلافي أيضًا التعاون المثمر بين النساء والرجال في جميع الأنشطة البيئية، بما في ذلك التخطيط للتكيف مع تغير المناخ وإدارة المواد الكيميائية والنفايات والحفاظ على التنوع البيولوجي.
التحديات والمعوقات:
المخلافي أن النساء يواجهن تحديات عديدة، منها التعرض للعنف الناتج عن التغيرات المناخية، وفقدان الأراضي والموارد الزراعية، وأعباء الحصول على المياه،
بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي الذي تعاني منه 31.9% من النساء. كما أن التغيرات المناخية تؤثر سلبًا على صحتهم.
مضيفة المخلافي أن تعزيز دور النساء في هذه المجالات ليس فقط ضرورة ملحة، بل هو خطوة أساسية نحو تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة.
من جهتها، ترى عون أن النساء يواجهن تحديات كبيرة في الوصول إلى الأراضي والمياه والموارد الضرورية لمشاريعهن. وأشارت إلى أن تغير المناخ وتأثيراته تزيد من الضغوط على المجتمعات المحلية، مما يعيق تنفيذ المبادرات البيئية. كما أن نقص التدريب والمهارات في التقنيات البيئية المستدامة يحد من فعالية هذه المبادرات.
وأوضحت أن معالجة هذه التحديات تتطلب جهودًا متكاملة تشمل الدعم الحكومي، التوعية المجتمعية، وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق النجاح في هذا المجال.
في المقابل، تشير الناشطة في مجال البيئة والتغييرات المناخية أمينة أبو طالب إن النساء في اليمن، سواء في الأرياف أو المدن، يواجهن تحديات كبيرة تؤثر على حياتهن بشكل عميق.
في الأرياف، تتحمل النساء مسؤوليات زراعية كبيرة، حيث يعتمد عليهن زراعة المحاصيل ونقل المياه من الآبار، وتفاقم هذه المسؤوليات بسبب قلة مصادر المياه وجفاف الآبار، بالإضافة إلى سيطرة بعض القبائل على موارد المياه، مما يجعل جلب الماء مهمة شاقة.
كما أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر سلباً على إنتاجية المحاصيل، مما يزيد من صعوبة العمل الزراعي.
أما في المدن، فتواجه النساء مشاكل صحية ونفسية بسبب الظروف البيئية السيئة، حيث تساهم الحرارة المرتفعة في تفشي الأمراض وزيادة الضغوط النفسية.
وتعاني النساء النازحات من تحديات إضافية، مثل فقدان الأزواج بسبب النزاعات، مما يزيد من معاناتهن في المخيمات ويعرضهن لمخاطر مثل الفيضانات والأمراض الناتجة عن المياه الراكدة.
مضيفة رغم هذه التحديات، تلعب النساء دوراً حيوياً في تحقيق التنمية المستدامة. من خلال استخدام تقنيات الزراعة المستدامة، يمكنهن زيادة إنتاجية المحاصيل وتقليل استخدام المواد الكيميائية الضارة.
بالإضافة إلى ذلك، يساهمن في جهود إعادة التدوير، حيث ينقلن المعرفة حول استخدام المواد الطبيعية وتقليل النفايات، مثل استخدام الفخار للحفاظ على المواد الغذائية.
النساء والبيئة في تعز
توضح الناشطة المجتمعية داليا محمد أن تعز تواجه تحديات بيئية جسيمة نتيجة التغيرات المناخية، حيث تعاني من ظواهر مثل السيول وارتفاع درجات الحرارة.
وأشارت إلى أن جفاف العديد من الآبار يؤثر بشكل كبير على الزراعة والصحة العامة، بالإضافة إلى تفاقم مشاكل التلوث الناتج عن مقالب القمامة في حي الضباب، مما يساهم في انتشار الأمراض الجلدية.
مضيفة أن الحرب ساهمت في تدمير المحاصيل الزراعية بسبب القنص واستخدام العبوات الناسفة، مما يزيد من معاناة السكان في هذه المنطقة، حيث تواجه النساء في المجتمع الريفي، خاصة في غرب تعز، ظروفًا صعبة تتطلب منهن تحدي العوائق اليومية.
وعلى الرغم من نقص البذور والأسمدة وارتفاع أسعار الديزل، يواصلن العمل بجد في زراعة المحاصيل، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر الناتجة عن الألغام المزروعة في الأراضي.
وفي خطوة مبتكرة، تسعى هؤلاء النساء إلى إنشاء مشاتل لزراعة المواد الأساسية احتياطيًا للمواسم المقبلة، كما يعتمدن على مخلفات الحيوانات كأسمدة، رغم تضرر الثروة الحيوانية في المنطقة. وتسعى هؤلاء النساء على مقاومة التحديات والمحافظة على استدامة الزراعة، مما يجعل من تجربتهن نموذجًا ملهمًا للإصرار والتحدي في مواجهة الأزمات البيئية والاقتصادية.
مضيفة بإن المبادرات النسائية تظل محدودة، حيث تتركز الأنشطة بشكل رئيسي على الزراعة. لكن هناك جهودًا ملحوظة من قبل الحكومات والمنظمات الدولية مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية ومنظمة الفاو، التي تقدم الدعم للمجتمع الزراعي. ويعد التعاون بين أفراد المجتمع أمرًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة، حيث يسهم العمل الجماعي في تطوير مصادر دخل الأسر.
دور المرأة في حماية البيئة والتنمية المستدامة
فالعلاقة بين المرأة والبيئة تتسم بارتباط وثيق وتأثير أكبر مقارنة بالرجل، وذلك لعدة أسباب. فالمرأة، بصفتها أمًا، تسعى دائمًا لتوفير الأمن الغذائي لها ولأطفالها، خاصة خلال فترات الحمل والرضاعة
كما أن التغيرات المناخية لها تأثيرات اجتماعية عميقة، حيث تشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن النساء سيتأثرن بشكل أكبر بتداعيات التغير المناخي، مثل التهجير.
وفي عام 2018، قدرت الأمم المتحدة أن 80% من النازحين بسبب التغير المناخي كن من النساء، في ظل غياب نظم الحماية الاجتماعية.
تواجه المرأة اليمنية تحديات بيئية واجتماعية كبيرة، لكنها تلعب أيضًا دورًا حيويًا في حماية البيئة وتعزيز المبادرات المستدامة.
من خلال إدارتها للموارد الطبيعية وتنفيذ مشاريع زراعية مبتكرة، تسهم النساء في تحسين الظروف البيئية والاقتصادية في مجتمعاتهن.
إن تمكين المرأة من خلال التعليم والتدريب يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق استدامة أكبر، مما يعود بالنفع على المجتمع ككل.
لذا، يعد دعم المبادرات النسائية أمرًا ضروريًا لتحقيق التنمية المستدامة في اليمن، مما يستدعي تكاتف الجهود من الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المحلي لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.