أمل وحيش _ نسوان فويس
ارتفاع ملحوظ في درجة الحرارة على مستوى العالم هذا العام 2024 ، ما أثر كثيراً في التغيرات المناخية عالمياً، وتعد اليمن من البلدان المتضررة من هذا التغير المناخي، إلا أن الارتفاع الشديد في درجة الحرارة في بلد يعاني الفقر والجوع وانعدام الخدمات الأساسية وأبرزها الكهرباء لاشك يزيد من معاناة اليمنيين صحياً ونفسياً، خاصة النساء والأطفال وكبار السن.
منصة نسوان فويس رصدت جانباً من هذه المعاناة للنساء من محافظات مختلفة وكيف يؤثر الحر على صحتهن وأطفالهن جسدياً ونفسياً.
هروب
من المعروف أن محافظة عدن هي من أشد المدن اليمنية ارتفاعاً في درجة الحرارة، إلا أن المواطنين يشكون من ارتفاع غير مسبوق هذا العام بالتزامن مع انقطاع مستمر في التيار الكهربائي والذي يزيد من المعاناة في فصل الصيف، نتيجة للضغط الكبير على محولات الكهرباء والتي لا تزال عدن تعاني منها منذ سنوات ولا وجود لحلول مناسبة تقوم بها الجهات المعنية للتخفيف من معاناة المواطنين وهو ما جعل البعض يغادر عدن إلى محافظات باردة نسبياً هروباً من حرارة الصيف.
أم ( يوسف) اسم مستعار غادرت عدن بصحبة طفليها وجنينها إلى قريتها في محافظة إب هاربة من حرارة الصيف التي تقول إنها لا تحتمل خاصة وأنها حامل بطفلها الثاني وهو ما كان يدخلها في نوبة ضيق وبكاء مستمر، حتى أن طفلها الذي يبلغ خمس سنوات يعاني من تحسس مزمن وهذا التحسس حسب قولها زاد بسبب الحر الشديد، بينما طفلتها التي بعمر العامين تعاني من تقرحات جلدية في كامل جسدها وهو ما يجعلها تعاني من أرق وتكاد لا تستطيع النوم، وتؤكد أن الكهرباء انقطعت ليومين متتاليين وهو ما حرمهم النوم وجعلها مستيقظة للتبريد على أطفالها تارة بغسلهم بالماء البارد وتارة أخرى باستخدام كرتوناً تهف به على أطفالها محاولة تخفيف معاناتهم، وهذه المعاناة والبكاء المستمر للأطفال هو ما جعل زوجها يتخذ قراراً بإرسالهم إلى القرية خوفاً على صحتهم.
أشبه بخروج الروح
“نفسي تكون احسها بتخرج من كثر الضغط والحمى والتقرحات بالجسم، ويهبط الضغط والسكرعندي”
معاناة مريضات السكر من الحر الشديد مضاعفة فهذه ( أ.ذ) إحدى القاطنات مدينة عدن والتي تشكو ارتفاع درجة الحرارة في ظل انقطاع مستمر للكهرباء الذي تتمنى من المسؤولين أن يعيروها اهتماماً للتخفيف من معاناة الناس والمرضى فانقطاع الكهرباء لساعات قد تصل إلى 18 ساعة يعني انقطاع الأكسجين وتدهور في الحالة الصحية للمرضى بما فيهم مرضى السكر حسب قولها.
وتضيف :” والله أحيانا باقي النفس تخرج من كثر الحر” وعن سبب بقائها في هذا الحر الشديد تقول (أ.ذ) بأنها لا تستطيع الخروج من عدن فجميع أهلها يعيشون هناك ولا مكان آخر يستطيعون الذهاب إليه لذا فهم يتحملون هذا الحر ويتمنون كغيرهم ألا تنقطع الكهرباء في عدن أو إيجاد بدائل تساهم في تخفيف معاناة الناس .
لا يختلف الوضع كثيراً في صنعاء والمناطق الشمالية فساكني هذه المناطق بما فيها المناطق المعروفة ببرودتها يشكون ارتفاعاً غير مسبوق في درجة الحرارة وهو ما زاد من معاناة الكثيرين وإصابتهم بالعديد من الأمراض ، فارتفاع درجة الحرارة في بيت يعاني سكانه من الرطوبة بصنعاء يجلب الكثير من الأمراض منها التقرحات والحكة المستمرة كما هو حال ( أم هالة) اسم مستعار التي تشكو التهابات بالجيوب الأنفية وضيق بالتنفس وتقرحات تقول إنها لم تحدث لها من قبل سوا هذا العام خاصة وأنها تسكن هي وزوجها في غرفة واحدة تكاد تنعدم فيها التهوية، ولكن من الحلول التي تقوم بها للتخفيف عنها هو الخروج والمشي مسافات طويلة عندما تخف أشعة الشمس وهذا بقولها يساهم في التخفيف عنها نفسياً.
أما ( حياة ) فتقول إن الجو في القرية منذ الصباح وحتى قبل مغيب الشمس لا يطاق من شدة الحرارة التي تكاد تخترق الأجساد، وهو ما يجعلها تعاني من هبوط ودوخة مستمرة خاصة وأنها تذهب في الصباح الباكر لجمع الأشجار اليابسة لاستخدامها حطباً للتنور كل ذلك وهي تكتوي بلهيب الشمس ولا تصل البيت إلا بعد أن ترى الموت أمامها حسب قولها.
أما (أم عبدالله) التي غادرت صنعاء عشية عيد الأضحى إلى مدينة الحديدة بعد تفكير طويل وخوف من العودة إليها في ظل موجة الحر الشديد الذي يعانيه سكان المدينة، حيث تقول إن ما جعلها تغادر المدينة قبل شهرين هو هروبها من الحر، ولكنها تعود إليها مضطرة في وقت تعد درجة الحرارة فيها هي الأعلى، بسبب ابنتها وأطفالها الذين يفتقدونها، إضافة إلى أن زوجة أبنها هناك على وشك الولادة ولا ترغب أن تتركها في هذا الظرف وإن كانت تعاني من كتمة مستمرة بسبب الحر، وتتمنى لو أن أبنائها كلهم في صنعاء في مثل الوضع الذي تقول بأنه لا يطاق في ظل انعدام المكيفات في كثير من البيوت نتيجة لانعدام التيار الكهربائي الحكومي ، والاعتماد على الكهرباء التجارية ما جعل البعض يستغني عنها بسبب عجزهم عن سداد تكاليف الفواتير باهظة الثمن.
تأثير صحي
صحياً ترى الدكتورة ( أسماء أحمد الحنحنة) أخصائية باطنة – وأمراض الجهاز الهضمي والكبد والمناظير
بأن تعرض المرأة لفترات طويلة لأشعة الشمس يمكن أن يؤدي إلى ضربة شمس وإجهاد حراري ما يسبب بارتفاع حرارة الجسم وبالتالي الإصابة بالدوخة، التعب، والإغماء. أضف إلى أن التعرق الشديد لدى النساء قد يتسبب بالتهابات الجلد والطفح الحراري، وفقدان السوائل بسرعة يؤدي إلى الجفاف، مما يؤثر على الصحة العامة وقدرة الأمهات على الرضاعة الطبيعية.
كما تؤكد أن الأطفال أكثر حساسية للحرارة ويمكن أن يتعرضوا للجفاف بسرعة، مما يظهر في صورة نقص البول، جفاف الفم، وعدم النشاط، وأنهم معرضون للطفح الجلدي نتيجة لقلة تطور نظام التعرق لديهم.
تأثير نفسي
ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يزيد من مستويات التوتر والقلق، خاصة لدى الأمهات اللواتي يعانين من مشاكل صحية، بحسب الدكتورة (أسماء) بل قد يتسبب بصعوبة في النوم ليلاً وهو ما يؤثر على الصحة النفسية والجسدية على المدى الطويل، بينما يصبح الأطفال أكثر عصبية وانزعاجًا في الأجواء الحارة.
وفيما يتعلق بمريضات القلب والسكر تشير الدكتورة (أسماء) إلى أنه من الممكن أن يعمل ارتفاع درجة الحرارة على زيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل القلب لدى النساء اللواتي يعانين من أمراض قلبية، وبالنسبة لمريض السكر قد تؤدي الحرارة إلى تغيرات في مستويات السكر في الدم، مما يجعل إدارة المرض أكثر صعوبة.
حلول للتخفيف
ترى الدكتورة ( أسماء) أن من أبرز الحلول للحد من الإصابة بالأمراض الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة هو البقاء في الظل واستخدام المراوح والمكيفات خاصة في المناطق المرتفعة الحرارة على مدار العام.
وتشدد على ضرورة الترطيب المستمر للجسم، وشرب كميات كافية من الماء والسوائل لتجنب الجفاف
كما تنصح بتجنب المشروبات السكرية والكافيين. وتنوه إلى ضرورة ارتداء ملابس خفيفة وفضفاضة وذات ألوان فاتحة لتقليل الاحتباس الحراري. أضف إلى أهمية الراحة في أماكن باردة وتجنب الإجهاد والنشاط البدني المفرط، والتغذية السليمة التي تحتوي على فواكه وخضروات غنية بالماء والفيتامينات، والأهم هو مراجعة الطبيب بانتظام خاصة النساء المصابات بأمراض القلب والسكري لضمان استقرار الحالة الصحية وتجنب المضاعفات.
اتباع النصائح الموردة من قبل الدكتورة (أسماء) تساهم في التقليل من التأثيرات السلبية لارتفاع درجات الحرارة والحفاظ على صحة الأم والطفل.
وتظل المرأة اليمنية تواجه العديد من التحديات المجتمعية ومؤخراُ المناخية بكل صلابة وصبر من أجل الحفاظ على أطفالها وأسرتها بمأمن قدر المستطاع. في انتظار أن يستقر وضع التيار الكهربائي في المناطق الساحلية، والحلم الأكبر هو عودة الكهرباء الحكومية لكل مناطق اليمن لتخف وطأة المعاناة عن المواطنين الذين أنهكتهم الحرب منذ ما يزيد عن 9 سنوات.