سونيا المريسي.. أكثر من 30 عامًا من النجومية في مجال الإعلام 

شارك المقال

 أمل وحيش – نسوان فويس

لكل منا بداية كان من الصعب أن تكون، لولا وجود العزيمة وقوة الإرادة التي يمتلكها صاحبها، هذه البداية لم تكن لتكتمل أو تصل بنا لما نصبو إليه لو لم يتخللها صعوبات وعراقيل ومتغيرات، تصنع من الصعب والمستحيل شيئًا ممكنًا، خاصة إن كان الأمر يتعلق بتواجد المرأة في ميدان العمل وتحديدًا العمل الإعلامي، ولكن تبقى العبرة في مواصلة المسير، وإثبات الذات، والتمكن وبجدارة من أداء المهمة بكل إبداع واقتدار.

منصة (نسوان فويس) وبمناسبة حملتها لشهر سبتمبر التي تهدف إلى تمكين الإعلاميات اليمنيات من المناصب العليا في المؤسسات الإعلامية اختارت قصة إحدى النجمات اللامعات في الوسط الإعلامي تستحق أن تُروى كونها من الإعلاميات اللواتي لهن بصمة قوية ومؤثرة في المجتمع، من خلال البرامج التي قدمتها على مدى أكثر من ثلاثة عقود إنها الإعلامية القديرة (سونيا فضل المريسي).

بطاقة تعريفية

وُلدت (سونيا المريسي ) بمحافظة عدن ونشأت فيها، وكانت طفولتها متنقلة ما بين اليمن والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، التي بدأت أولى مراحلها التعليمية فيها، و وعاشت فيها لمدة خمسة أعوام، ولظروف أسرية عادت إلى اليمن وأكملت تعليمها حتى أنهت الثانوية.

تتمتع (المريسي) منذ طفولتها بمواهب عدة جعلت منها شخصية مختلفة عن كثير من أقرانها، وما أظهر تلك المواهب للعلن هو انضمامها أيام المدرسة لفرق الطلائع بعدن التي مكنتها من ممارسة العديد من الهوايات واكتساب الكثير من المهارات، كرياضة الجمباز، والرقص الشعبي، والغناء، والرسم. وكثيرًا ما كانت (المريسي) تشارك مع زملائها في إعداد مجلة الصف المدرسية وهي من الأنشطة البارزة التي كانت تهتم بها المدارس حينها وأسهمت بشكل كبير في تنمية مهارات الطلاب في مجالات عدة منها الكتابة والتعبير، وهو ما أثرى الذائقة المعرفية وزاد من الشغف للتطوير والتعلم والمعرفة لدى سونيا منذ الصغر، تقول (المريسي) لمنصة (نسوان فويس) واصفة هذه الفترة من حياتها: “كانت من أهم المراحل التي تمكنا فيها من اكتشاف أنفسنا و إمكاناتنا”. 

في تلك الفترة تنبأ لها أحد المعلمين بأنها ستصبح مذيعة يومًا ما وكان ذلك في حصص القراءة والتعبير التي غالبًا ما تظهر موهبة الطالب في الإلقاء وقدرته على التعبير بشكل جميل، هذا التنبؤ لم تأخذه (المريسي) في الحسبان أو تتعلق به لأنها لم تكن تفكر بدخول مجال الإعلام أو أن تكون مذيعة، خاصة وأنه لم يكن هناك كلية خاصة بالإعلام في ذلك الوقت، بل بعد تخرجها من الثانوية كانت تعيش الحيرة في ماهية التخصص الجامعي الذي ستختاره.

بوابة الدخول 

قبل دخولها الجامعة كانت ( المريسي)  قد اكتسبت خبرة في مجال التجميل من والدتها التي كانت تمتلك صالونًا للتجميل في صنعاء (دنيا الجميلات)، وهو ما دفعها للعمل ما يقارب العام في الصالون بعد تخرجها من الثانوية، حتى شاء القدر أن تلتقي بإحدى الإعلاميات اللاتي كن يعملن في تلفزيون عدن وبعد حوار طويل اقترحت عليها أن تتقدم لاختبار المذيعين، ولكنها كانت مترددة وخائفة من أن تلج بنفسها في هذا المجال الذي لم تفكر فيه قط “ترددت كثيرًا وشعرت بالخوف إذ لم افكر أبدًا أنني سأخوض في هذا المجال أبدًا” ،وبعد حوارات ذاتية لم تطل بسبب تدخل والدتها التي شجعتها بأن تخوض التجربة تقدمت (المريسي) لاختبار المذيعين ووقفت أمام لجنة كبيرة تضم عددًا كبيرًا من كبار الإعلاميين كان أبرزهم الأستاذ ( ناصر عبد الحبيب)  والأستاذ

(جميل مهدي) والدكتور (مبارك خليفه) أستاذ اللغة العربية بجامعة عدن، بعدها قررت أن تلتحق بكلية الآداب والتربية قسم إنجليزي، وبدأت مرحلة التعليم الجامعي، وأثناء دراستها فوجئت بإدارة تلفزيون عدن ترسل في طلبها وتبلغها بأنه تم قبولها وقد حان انضمامها إلى فريق العمل وكان ذلك في مايو 1990 وكانت الفرحة فرحتان تزامنًا مع إعلان الوحدة اليمنية.

تقبل

المرأة اليمنية متواجدة منذ بداية ظهور العمل الإعلامي في اليمن، وإن كان ظهورها ليس بتلك الكثرة إلا أنها كانت حاضرة وبقوة، ولم يكن هناك اعتراض أو رفض لوجودها فقد كانت من المؤسسات الأوائل للإعلام اليمني بما فيه الإذاعة والتلفزيون في صنعاء وعدن في بدايته وهذا ما تؤكده لنا (المريسي) التي تقول بأنها لاقت دعمًا وتشجيعًا ومؤازرة من قبل أسرتها وأسرة التلفزيون وزملائها في الجامعة أيضًا، كما تشير إلى أن المجتمع لم يكن أبدًا نابذًا أو رافضًا لوجود المرأة في الإعلام، وقد تقبل ذلك رغم أنه مجتمع محافظ إلا أنه يتسم بالانفتاح على كل جديد طالما لا يتعارض مع العادات والتقاليد.

في بدايتها شابة طموحة نشأت وترعرعت في بيئة تعزز من قدرات الفتيات، وبحكم خبرتها وهوايتها المتعددة استطاعت أن تخلق لها شخصية إعلامية تميزت بها دونًا عن غيرها، وبجهود جماعية قامت بها هي وزميلات لها ممن بدأن معًا رحلة العمل التلفزيوني قمن بضخ العديد من الأفكار الجديدة التي تعتبرها (المريسي) جرعات نجحت في تغيير الشكل السائد في الإعلام وحظيت (المريسي) بجمهور عريض يتابعها من كل أنحاء الجمهورية فكانت مع الناس منذ البداية كما كان اسم أحد برامجها.

صعوبات مهنية

صعوبات كثيرة يواجهها المرء كلما أقدم على عمل شيء ما في حياته، وكلما خطى خطوة نحو الأمام في مجال عمله، ولا شك أن نجمتنا واجهت بعض الصعوبات خاصة وأن العراقيل في الحقل الإعلامي كثيرة كونه مجال مليء بالمتغيرات والاختلافات، إلا أنها كانت محظوظة أكثر من غيرها كونها جاءت في فترة زمنية كان فيها تقبل مجتمعي لطبيعة عملها الإعلامي لذلك لم تجد صعوبة كبيرة في الانطلاق نحو مستقبل مهني كان ينتظرها “أنا من جيل التسعينات بمعنى أن مجتمعاتنا كانت قد اعتادت على وجود المرأة ودورها الفاعل والهام”. 

معادلة صعبة

كأي امرأة مجتهدة ومليئة بالطموح، وتعشق عملها، هي أيضًا كانت زوجة وأم وقد عملت جاهدة كي توفق بين بيتها وعملها واستطاعت أن تدير وقتها بما يتوافق مع طبيعة عملها، ومع أسرتها التي هي من أهم أولوياتها وما كان ذلك ليحدث لولا تكاتف من حولها: “مسألة تنظيم الوقت ما بين البيت والعمل يتعلق بكيفية إدارة واستثمار الوقت لتجنب أي قصور هنا أو هناك، وهذا لا شك يتطلب وقتًا وجهدًا واصرارًا على تحقيق هذه المعادلة وكذلك دعم من حولك”.

تجربتها مع السرطان


لا شك أن الحياة لا تخلو من المنغصات التي تعكر صفوها في يوم من الأيام، ويبقى أشد تلك المنغصات هو حين تخذلك صحتك وتشعر للحظة بأن المرض يسحب منك روحك تدريجيًا ولكن المرض يبقى بداية حياة لدى البعض كونه يعلمهم دروسًا كثيرة أهمها أن الداء لا بد له من دواء، وبأن الحياة لا تتوقف، بل تستمر بالعزيمة وقوة الرضا والصبر، كما فعلت (المريسي) عندما أصيبت بسرطان القولون في العام 2012 وكانت تلك من أصعب المراحل التي مرت بها، ولكنها استطاعت تجاوزها بقوة إيمانها بالله وبكرمه، وبدعم من حولها من أهل وأصدقاء وأطباء استطاعت تجاوز تلك المحنة وعادت لتبث السعادة والمحبة لها ولمن حولها من جديد.

” تجاوزتها بفضل من الله سبحانه وتعالى الذي أحاطني بفريق طبي ممتاز ودعم أسري جعلني أتجاوز هذه المحنة بسلام بالإضافة إلى حالة الرضا التي سكنت روحي”.

كوكتيل برامج 

لا تخلو حياة (المريسي) المهنية من بعض المهاترات أو الاعتراضات على بعض أفكارها البرامجية التي كان بعض منها يُرفض بحجة عدم موافقته للعادات والتقاليد، في حين أنها كانت ترى أنها برامج نوعية ولا تمس العادات والتقاليد بسوء، واستطاعت بإيمانها بأفكارها أن تنفذ الكثير من البرامج المميزة والتي للكثير منها صدى حتى اليوم، وكان لها بصمتها على شاشة التلفزيون اليمني فكان الصباح يحلو ببرنامج (صباحات يمانية) وكانت الأقرب للناس من خلال برنامج (مع الناس) وكان للأمنية والحب مكان من خلال برنامج (أماني وأغاني) وللفن حضور في سهرة فنية ببرنامج (سهرة مع فنان) ولا شك أن طلبات المشاهدين مجابة في برنامج (ما يطلبه المشاهدون) وكم ضحكنا ولعبنا وتحدثنا بجد وكان الحب يلفنا جميعًا حين نتابع برنامج (ضحك ولعب وجد و حب) البرنامج الأكثر جذبًا للمشاهد اليمني آنداك لأن فكرته مختلفة وفقراته متنوعة، كذلك برنامج (دفء القلوب)، و(على مرأى ومسمع)، و(استوديو اليمن )، و( شبابيك99) و(وجهة نظر)، و(مجلة التلفزيون)، وكان للعيد نكهة أخرى حين تزورنا فيه (المريسي) في برنامج (زوار العيد)، ومن (نوافذ حرة) كانت تطل علينا لتسرد لنا قصة ذكريات في برنامج (ذاكرة مكان)، وبرامج أخرى قدمتها (المريسي) إلى جانب تقديمها لنشرات الأخبار والبرامج السياسية والاجتماعية المتنوعة، والبرامج المسابقاتية الرمضانية، من أهمها ( فكر واكسب)، (المضمار)، (مفتاح المدينة) وغيرها الكثير والتي تعتبرها (المريسي) جميعها مهمة لأنها بذلت فيها جهدًا كبيرًا مع فريق العمل المحب والمليء بالحماس الذي كان يرافقها وكل ذلك من أجل إخراج مادة تلفزيونية تسعد الجمهور وتليق وبهم .

رأي 

الإعلامية اليمنية لم تأخذ حقها بعد في الترقيات والمناصب ولا حتى التكريم بحسب رأي (المريسي) وترجع ذلك إلى عدم منافستها بقوة، وربما لأنها الأفضل حسب قولها.

وترى ( المريسي) بأنها كإعلامية يمنية لا ينقصها شيء هي وزميلاتها، فهن يمتلكن المهارة والأدوات الكافية للمنافسة، وإنما ما ينقصهن هو تقدير القيادات ومنحها المكانة التي تستحقها.

مناصب ودورات

خلال رحلة عملها في التلفزيون عُينت  (سونيا المريسي) في مناصب إدارية بناءً على كفاءتها وخبرتها الطويلة ومن أبرز هذه المناصب الإدارية هي عملها كمدير لإدارة التقارير والمتابعات الإخبارية، كما عُينت مديرًا لإدارة المذيعين، وحاليًا تعمل مستشارًا لوزير الإعلام لشؤون التلفزيون، ولم يتوقف طموحها عند ذلك فهي ما زالت تطمح للوصول لمنصب أعلى يمكنها من تغيير الصورة النمطية  للإعلام اليمني حسب قولها. 

تلقت (المريسي) العديد من الدورات التدريبية في مجال الإعلام أبرزها دورات تابعة  ل BBC

و دورات أخرى في مركز الجزيرة للتدريب والتأهيل، مع القناة الفرنسية، ودورات مشتركة مابين bbc و mbc، ودورات أخرى في مركز خليفة للتدريب والتأهيل، كما شاركت في تدريب العديد من طلاب الإعلام بجميع المستويات .

لهن بصمة

ذكرت لنا (المريسي) مجموعة من الأسماء النسائية  المساهمة بشكل فاعل في تأسيس الإعلام اليمني منذ نشأته واللاتي يستحقن الذكر في ضوء تسليط الضوء على تمكين الإعلاميات اليمنيات ومن  أبرزهن على سبيل المثال لا الحصر (أمل بلجون)، (فوزيه باسودان )، (أمة العليم السوسوة)، ( عائدة الشرجبي)، ( سميرة أحمد)، (إخلاص القرشي)، (هدى الضبة )، (زينب عبدالرحمن)، وكما أوردنا بمادة سابقة في المنصة فإن المؤسسة الأولى لكلية الاعلام كانت الدكتور (رؤوفة حسن) أستاذ الإعلام رحمها الله.

ما زالت بطلة قصتنا (سونيا المريسي) نجمة في سماء الإعلام اليمني، ومستمرة في العطاء بذات الشغف والحب، وستظل معطاءة ومخلصة لمجالها، حاملة طموحها معها في تغيير الإعلام اليمني إلى الأفضل وتمكين المرأة من الوصول لمناصب عليا في المؤسسات الإعلامية.

 

مقالات اخرى