القاضيات اليمنيات يثبتن جدارتهن رغم النظرة القاصرة .. ويطالبن بحقوق مشروعة

شارك المقال

امل وحيش – نسوان فويس

معارضة مجتمعية

عندما دخلت القاضية اليمنية إلى ساحة القضاء صُدم الجميع ، بل و اعترض الكثير على أن تكون قضيتهم منظورة بين يدي امرأة فذلك معيب برأيهم ، بل و إهانة في حقهم أن تفصل في قضيتهم امرأة.

و لكن بعد مدة من الزمن أصبح الكثير يتمنى أن تحكم في قضيته امرأة كونها تتجرد من المراوغة و تبذل قصارى جهدها للبت في القضية دون مماطلة حتى ينال الجاني جزاءه و يأخذ كل ذي حقٍ حقه.

 القاضية روضة العريقي رئيسة منتدى قاضيات اليمن  و قاض جنائي بدرجة عضو استئناف ، حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون الخاص من جامعة المنار في تونس ، ترى أن المجتمع كان غير متقبل لفكرة أن امرأة  ( مكلف ) ستحكم في قضيته : ” المجتمع مش متقبلين الفكرة بأن المرأة بتحكمنا وهي مكلف ومن هذه المفاهيم الخاطئة بحكم التفكير القبلي والذكوري ” ، و لكنها تؤكد بأن البدايات تكون صعبة قائلة : ” كانت فترة وجيزة بعدين الناس بدأوا يستوعبوا و يقدروا الفارق بين حرص المرأة لتولي القضاء ، و يقارنوا حضورها مع حضور القاضي ، لأن المرأة أكثر جدية في الالتزام بالدوام و لديها الخوف الإيجابي من تحمل المسؤولية و من استشعارها و بالتالي كان انجازهن و حضورهن متميز و بدأ الناس يوثقوا بالقاضية أكثر و بإنجازها للعمل بشكل أيسر”.

من جانبها القاضية تهاني محمد علي الولي قاضية في محكمة جنوب شرق الأمانة بدرجة عضو استئناف ، تعمل في مجال القضاء منذ 12 عاما في قسم الأحوال الشخصية.

أكدت أنه في البداية كان تقبل وجود القاضيات صعب جداً بحكم البيئة القبلية التي تعارض خروج المرأة لسوق العمل قائلة : ” في البداية كان تقبلنا صعب بحكم أننا نعيش في مجتمع قبلي لا يحبذ خروج المرأة للعمل ، كان فيه بعضهم يقول كيف ادخل أترافع بين يدي امرأة ! لا يمكن ” و لكنها تؤكد أن النظرة الآن تحولت و أصبحت النظرة إيجابية للقاضية حيث أنهم اعتادوا الأمر والسبب الأهم هو أن القاضية أثبتت جدارتها : ” الآن عرفوا من هن القاضيات ، أثبتن جدارتهن ، أثبتن فعلاً أنهن قادرات على العمل في السلك القضائي بكل أمانة و مصداقية ” .

مهام محصورة

تعتبر اليمن من الدول السباقة في السماح بدخول المرأة في مجل القضاء و كان ذلك في مطلع السبعينات في عام 1974

في الشطر الجنوبي ولكن كانت معظم القضايا التي كانت تتولاها القاضيات اليمنيات محصورة في نطاق ضيق في الأحوال الشخصية وقضايا الأسرة و قلم التوثيق و الوزارات و غيرها حتى بعد إعلان الوحدة ظلت القاضية محصورة في هذه الزوايا القضائية فقط ، بل حرمت بموجب القانون و القبيلة من أن تلتحق بمعهد القضاء العالي و

هو الجهة الوحيدة التي تتيح منح صفة القاضي.

و لكن جاءت اللحظة التي تعود المرأة لانتزاع حقها في أن تكون قاضية تحكم بين الناس حيث أصدر قرار سياسي في العام 2006 و قد جاء بناءً على ضغوطات بحسب القاضية روضة العريقي ، وبالفعل سُمح للمرأة أن تلتحق بالمعهد العالي للقصاء و كانت أول دفعة  ملتحقة بالمعهد تتواجد فيها المرأة في العام 2006-2007  و تخرجت في العام 2009 و في مارس 2010 باشرن العمل في مجال القضاء. مع ذلك ما يزال هناك قصور في منح المرأة القاضية حقوقها من قبل الرجل خاصة و أنها أثبتت قدرتها بالخبرة والكفاءة.

نسبة ضئيلة

نسبة تواجد القاضيات اليمنيات في المحاكم قد لا تتجاوز 1% من عدد القضاة على مستوى الجمهورية بحسب القاضية تهاني الوليد وترى أن العدد قليل لكنه مؤشر إيجابي على وجود نساء في كل دفعة فمثلاً في عام 2015 الدفعة الخامسة عشرة كان فيها 5 قاضيات و83  قاض و في الدفعة التي تليها 3 قاضيات و التي تليها 3 قاضيات كذلك والتي تليها 7 قاضيات وهذا يعود بحسب الوليد إلى البيئة القبلية التي لا تستوعب دخول ابنتهم مجال القضاء  : ” الخلل ليس من السلطة العليا لأن باب القضاء مفتوح للجميع و إنما المجتمع نفسه لا يرضى بأن تخرج المرأة للعمل في السلك القضائي و الاختلاط و الاحتكاك بالرجال و تحمل مشقة المحاكم و متاعبها ” .

قضايا أحوال شخصية

عن القضايا الأكثر تواجدا في ساحة المحكمة بالنسبة لقاضية الأحوال الشخصية القاضية تهاني الوليد تقول : ” بما أني أعمل في قضايا الأحوال الشخصية فإن المرأة هي الطرف الأساس في النزاع ” ، و تشير أن معظم القضايا التي تفصل فيها تكون بين الزوجين و قضايا الميراث و حول وعي المرأة بالقانون تقول :” زمان لم يكن هناك وعي قانوني بحقوق المرأة فمن تزوجت ترضى بما معها سواءً كان الرجل سيء أو جيد فإنها مجبرة على التحمل و قد يحدث الطلاق في حال اتفق الطرفان و هذه حالات نادرة ” ، و حول لجوء المرأة للمحكمة و للقضاء تقول الوليد : ” من حقها اللجوء للمحكمة للمطالبة بفسخ ذلك العقد في حال كان هناك هجر لسنوات أو عدم نفقة ، لأنه ليس من حق الرجل أن يربط الزوجة بعقد الزواج ويتنصل عن حقوقها “

كما تؤكد أن الوضع اختلف الآن و أصبح هناك وعي قانوني لدى المرأة و أصبحت تعرف بأنها تستطيع أن تلجأ إلى القضاء للمطالبة بحقوقها أو المطالبة بفسخ العقد .

مطالبات

القاضية لم تأخذ حقوقها المشروعة و ماتزال محرومة من كثير من الحقوق التي حصرت على القضاة الذكور دون الإناث و منها تولي مناصب عليا  في قيادة السلطة القضائية رغم توفر الشروط و الخبرة ، و برأي القاضية روضة العريقي فإن الدستور قد أعطى مبدأ المساواة ما بين الذكور و الإناث ، كذلك قانون السلطة القضائية و لكن ينقصه التطبيق : ” كل القوانين تعطينا حق المساواة لكن الخلل ليس بالنص التشريعي الخلل في التطبيق الفعلي للقانون خاصة لقيادة السلطة القضائية عدم أخذهم  المعايير الموضوعية في قبول الطالبات في المعهد العالي للقضاء دخلت  المعايير الشخصية أكثر من المعايير الموضوعية ” .

و تضيف : ” معايير المساواة غير متوفرة في توزيع القاضيات و تمكينهم من المواقع القضائية ذات الأهمية ، كما نطالب و بشدة أن يكون لدينا ممثل و لو قاضية واحدة في المجلس الأعلى للقضاء باعتبار أن كلهم قضاة ذكور ولا يوجد مكان للمرأة ” .

تؤكد الشواهد أن الدستور اليمني من أفضل الدساتير في العالم ، إلا أنه ينقصه التطبيق العملي و كذلك يحتاج إلى تعديل بعض النصوص التي يرى الكثير أنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية و ليست منصفة للمرأة ، و هذا ما تدعمه القاضية تهاني الوليد و تطالب ببعض التعديلات على بعض النصوص التي تخص المرأة كما تطالب بتحسين بيئة القضاء و من أبرز النصوص التي تتمنى الوليد تعديلها هو قانون زواج القاصرات ، و كذلك نص قانون عضل الولي “الولي الشرعي” الذي يلغي حق تزويج المرأة نفسها بمن تختاره شريكا لها و يعتبر الولي هو  المسيطر على كافة جوانب حياة المرأة فنص قانون عضل الولي يحرم المرأة من حقها في الزواج ، ففي حال لجأت المرأة للقضاء لتزويجها فإن عضل الولي يمنع هذا الزواج بل قد يصل في بعض الحالات إلى القتل باعتبار ذلك عيباً و فضيحة . كما حصل في العام  2018 مع المجني عليها سميحة الأسدي حيث عمد أخوها إلى قتلها أمام القاضي في إحدى قاعات محكمة غرب الأمانة في صنعاء بتاريخ 9/4/2018 ، و جاءت جريمة قتلها بسبب رفعها  دعوى عضل ولي.

و ينص قانون عضل الولي في المادة 16 من قانون السلطة القضائية ” ولي عقد الزواج هو الأقرب فالأقرب على الترتيب : الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم الإخوة ثم أبناؤهم ثم الأعمام ثم أبناؤهم ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم كذلك ، ويُقدم من تكون قرابته لأب وأم ، و إذا تعدد من هم من درجة واحدة كانت الولاية لكل منهم ، و يصح عقد من سبق منهم مع رضاها به ، و يبطل عقد من تأخر، و إذا عقدوا لأكثر من شخص واحد في وقت ، و إذا أشكل ذلك ، بطل العقد ، إلا إذا ارتضت أحد هذه العقود  صح و بطل غيره “.”

كما شددت الوليد على ضرورة تأسيس محكمة متخصصة بقضايا الأسرة ، يتواجد فيها أفراد شرطة قضائية لتنفيذ أحكامها و قرارتها .

و من ضمن ما تتمناه الوليد توفير صندوق اجتماعي يعمل على مساعدة المرأة المدعية و يدعمها لحين الفصل في القضية والأهم من ذلك تتمنى أن يكون هناك إدارة قانونية تقدم الاستشارات للنساء بشكل عام و توضح لهن حقوقهن القانونية،  ، و تعمل على عقد ندوات عن الحياة الزوجية و حقوق الزوجة وغيرها من الأمور التي تهم المرأة .

منتدى القاضيات اليمنيات

منتدى القاضيات اليمنيات تأسس في يوليو 2018م  و الذي يعد أول منتدى في الشرق الأوسط متخصص بالشأن القضائي المتعلق بالقاضيات وهو الثالث على المستوى العربي بعد تونس والمغرب، و قد شُكل هذا المنتدى ليكون مظلة حماية للقاضيات للاحتماء تحت كيان نقابي يعبر عما تحتاجه القاضيات اليمنيات ، و من أهدافه تعزيز هيبة السطلة القضائية و الدفاع عن استقلال القضاء و صونا للحقوق و الحريات و المطالبة بحقوق و مصالح القاضيات و الدفاع عنها .

يتجاوز عدد أعضاء المنتدى حتى الآن 47 قاضية من أصل 150 من مختلف محافظات الجمهورية .

من ضمن التحديات التي تواجها القاضيات و خاصة منذ تأسيس منتدى القاضيات اليمنيات هي النظرة الذكورية التي ماتزال مسيطرة حتى بين أوساط الفئة المثقفة بحسب المنتدى .

بالإضافة إلى تحديات أخرى خاصة بعد نشوب الحرب في مارس 2015 التي زادت الوضع سوءاً ، و الانعدام الأمني و الانتهاكات المتكررة بسبب انتشار السلاح ، و حرمان أكثر من نصف القضاة من الرواتب بفترات متقطعة ، و التي انقطعت بصفة مستمرة منذ أواخر عام2019  حتى الآن ، و ما يتقاضاه القاضي لا يزيد عن 200 دولار شهريا بحسب المنتدى .

يهتم المنتدى بإقامة ورش العمل و الندوات و الدورات التدريبية التي تتعلق بقضايا المرأة و منها دورات تدريبية عن دور القضاء في الحد من العنف ضد المرأة ، و مشروع الحقوق القانونية و القضائية للسجينة ، و غيرها.

أول قاضية في الجزيرة العربية

حميدة زكريا هي أول هي قاضية تخرجت من كلية حقوق جامعة القاهرة عام 1971م و التحقت بسلك القضاء في عدن. وتوفيت في العام 2012.

القاضية حميدة زكريا فتحت المجال للنساء من بعدها للالتحاق بهذا المجال الذي يحتاج إلى تحدي وعزيمة لإثبات أن المرأة تستطيع أن تنافس بل و تتفوق على الرجل في كثير من مناحي الحياة .

 

مقالات اخرى