لارا العليي – نسوان فويس
رحمة (20 عاما) من منطقة ريفية بمحافظة حجة الواقعة إلى الشمال الغربي من العاصمة صنعاء، وتبعد عنها حوالي 123 كيلو مترا. تزوّجت رحمة وهي في عمر الثانية عشر من شيخ في العقد السادس، بموجب ورقة وقّعها والدها حين زوّج ابنه بابنة هذا الشيخ، ويُسمّى هذا الزواج محلّيا “زواج البدل”، ويُسمى في الفقه الإسلامي “زواج الشغار”[1]. اعتقد الأب حينها أن ابنته ستتزوج حين تكبر أحد أبناء الشيخ أو أحفاده، لكنه وجد نفسه ملزما بتزويجها للشيخ نفسه. تركت رحمة ساحة اللعب مع أقرانها لتكون زوجة وأمّا لطفل، وهي لم تكمل الخامسة عشرة، ورغم تعرضها للضرب عدة مرات، كانت تعود لزوجها الشيخ حفاظا على زواج أخيها.
يوجد في مجتمع الريف اليمني كثير من هذه القصص، ومجتمع 5حجّة قبلي ريفي في الأغلب؛ وينتشر فيه “زواج البدل” لأسباب، منها الحفاظ على الميراث، ولغلاء المهور، فتُقايض الفتاة بأخرى مثلما حدث لرحمة، وقد كانت عادات وتقاليد سلبية كثيرة تراجعت في العقود الثلاثة الأخيرة بسبب تأثير التعليم، وتغيّرت مفاهيم وسلوكيات المجتم7ع غير الإيجابية بانتشار المدارس والتعليم، لكن 7في ظل ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية المتردية، عادت بعض تلك العادات للظهور بقوة، ومنها “زواج البدل”.
تشرح رحمة استقبالها خبر زواجها قائلة: “ناداني أخي بينما كنتُ ألعب، وأخبرني بأنني سأذهب للمدينة لشراء كثير من الملابس، ولزيارة أختي التي لم أرها منذ سنين، وحين عدت وجدتُهم يتحدثون عن زواجي من الشيخ. رفضتُ، صرختُ، بكيتُ، وطلبت مساعدة أمي وإخوتي، ولكن لا جدوى حتى مع محاولة تدخّل إخوتي. “كان والدي ملتزما بكلمته وبالورقة التي وقعها، بحسب ما تقضيه الأعراف الاجتماعية، وفعلا تزوجتُ”، تقول رحمة بحُرقة وحزن، وتضيف: “تركتُ المدرسة وأنا بالصف السابع. كنتُ أبكي أكثر كلما رأيتُ صديقاتي ذاهبات للمدرسة، وأنا أقوم بإعداد الطعام للشيخ وحسب”.
تعرّضتْ رحمة للتنمر من زوجها الشيخ، وللضرب عدة مرات، على حد قولها. وكانت في كل مرة تذهب حانقة لأهلها، تُجبر على العودة؛ لأن مصيرها مرتبط بزوجة أخيها التي تغادر هي أيضا مع أطفالها الثلاثة إلى منزل والدها، بحسب أعراف زواج البدل. “كنا في بعض الأوقات نلتقي أنا وزوجة أخي في الطريق؛ لأنه عندما أغادر يتّصل الشيخ (زوجي) بابنته لتأتي فورا. كنتُ أشفق على زوجة أخي وأولاده، وكنتُ أعود في كل مرّة من دون أي إنصاف؛ لأن والدي كان يرفض فكرة الطلاق مراعاة لزواج أخي”، وتضيف: “فكرتُ عدّة مرات بالانتحار، وقمتُ عدة مرات بأخذ كيس من السم الذي كان يستخدم لرش شجرة القات، ولكني كنتُ أخاف وأتراجع”.
رحمة ليست الوحيدة، فهناك فتيات كثيرات مثلها لم يبلغن العاشرة، ويُقايضن إما للحفاظ على إرث الأسرة، وإما لفقرهم، وإما بسبب غلاء المهور؛ إذ يصل في بعض الأرياف إلى ما يقارب ثلاثة م6878لايين ريال يمني (5000 دولار تقريبا)، ومؤخرا ظهرت الحرب بويلاتها لتضيف سببا آخر يدفع الآباء لتزويج أبنائهم، وهو اعتقادهم أن ذلك سيمنعهم من الذهاب للجبهة للمشاركة في الحرب التي تدور رحاها منذ أكثر من سبع سنوات.
ظاهرة “زواج البدل” ليس حولها إلا إحصاءات قليلة، ولا تتحدث عنها إلا قليل من التقارير، وتقتصر على تناولات بسيطة، وهي منشورة على بعض مواقع وقنوات فضائية، ومن المؤسف أنه لا يوجد قانون أو فتوى دينية تحرّمه أو تجرّمه.
وفي تطور للقضية لم تنصف المحكمة قضية الفتاة رحمة، لكن الوساطة القبلية نجحت في ذلك؛ إذ دفع إخوة رحمة مهر لزوجها الشيخ بغية الحفاظ على زواج أخيهم، وتجنبا لطلاقه كما يحدث في أغلب مثل هذه القضايا، وصارت رحمة التي لم تُكمل العشرين عاما مطلقة، ومثلها كثيرات، وبهذا فإن زواج البدل معاناة تضاف لقاموس الألم الذي تواجهه المرأة اليمنية.
- زواج البدل أو الشغار: زواج بدون مهر، وذلك بأن يزوج الرجل قريبته لآخر على أن يزوّجه الآخر قريبته.
(أُنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)