احزاب سلامة – نسوان فويس
في كهف الحياة المظلم ودهاليز القدر القاتلة، في عَتمة الجهل الحياة المتسربة من ثقب الفراغ القاتل والعادات الصارمة، يصرخ التعليم ويردّد بصوت شاحب إنه الأساس الذي يُضيء كل سواد حالك، ويجعل المرء يحلق في سماء المعرفة.
العلم هو الشيء المفروض والحتمي على كل إنسان على وجه الأرض، ولكن المرأة في أماكن عدة سُلبت هذا الحق، وحرمت من حقها في تأسيس حياة ثقافية معرفية مبنية على أسس ومبادئ ثابتة.
لطالما كانت وما زالت قضية تعليم المرأة قضية حصرية في جميع البلدان، حيث تُحرم المرأة من حقها في العلم، ومن حقها في الدعم من أجل السيطرة على خوفها من الحياة، ولكن للأسف نجد المتحجرين في كل عصر يقفون في وجه نهضتها، وها نحن في مجتمع يضع تحت اسم الفتاة المتعلمة كثيرا من الخطوط الحمراء البائسة التي تسقطها من سيء إلى أسوأ، فحين كانت الفتاة نبضا من الحماس للخوض في ساحات العلم، نشأت عادات وتقاليد كالسهم يغرس في قلوب كثير منهن.
نحن في واقع تحوك فيه الفتاة حلمها، فيُمزق بين يدي بعض الأهالي. تنشأ إحداهن وهي تمتلك كثيرا من المواهب، ولكن جبلا صلبا يُوضع في طريقها، وتنصدم بكثير من الكلمات والأقوال المختزلة من الجهل “المرأة مالها إلا الزواج أو القبر”، “تعليمكِ سبب تشويه سمعتنا”. كثير من الأعذار التي تدك حلم الفتاة ويتسرب مع عداد العمر الفاني.
وهناك كثير من العوائق الأخرى كالزواج المبكر. تُزوّج الطفلة في عمر الزهور وتُطهى أحلامها على نار الواقع. قد تسأل إحداهن: ما أحلامك؟ وبدلاً من رفع راية حلمها وصوت أمالها، تهمس لك خوفًا وذعرًا من عائلتها، فقد كسروا ثقتها بنفسها، وجعلوها تختار الزواج هربًا من حطام حلمها وحقها في التعليم.
المرأة لم تُخلق لتقبع في جحيم الجهل. من حقها التعليم وتأسيس مستقبل مزهر، من حقها الإنتاج، فهي أم وصانعة الأجيال، فكيف تتزوج وهي لا تعلم ماذا تعني الأمومة؟!، بل كيف تنتج جيلا بنّاء يدعم دينه ووطنه وواقعة. ليس العيب في تعليم الأنثى، ولكن العيب في بعض العقول المنحدرة في قبو الجهل والظلام.
سألتُ إحدى الصديقات وهي أم لسبعة أطفال: لماذا تبدو عليكِ معالم الحزن والخيبة؟ كان جوابها أن حقها الشرعي في التعليم الذي سُلب منها هو سبب حسرتها، وتقول أخرى: إنها لطالما حلمت بالحصول على الشهادة، ولكن العوائق منعتها، وجعلتها تنظر إلى زميلاتها المتعلّمات بكل حسرة وحزن، وهناك من قالت: إن التعليم كان حلمها الوحيد، ولكنها حرمت منه وظل الحزن يرافقها طوال العمر.
كثير من الحالات والأحلام المدفونة تحت راية التعليم معيب للمرأة وسبب تمردها. تجد كثيرا من الفتيات مقيّدات بالأغلال، فيهربن إلى الزواج والإنجاب والموت على قيد الحياة. تجد كثيرات يمتن في صحراء العزلة والهروب من رواية النجاحات التي طمحن في الحصول عليها، وكل ذلك من أجل إرضاء العادات المشؤومة. نحن لا ننكر عاداتنا، ولكن العادات التي تُوضع لتدمير العلم وسلب المرأة حقها يجوز لنا تجاوزها هُناك كثير من المنازل المُغلقة على الأجساد والمحلقات فيها كثيرات من الطامحات، ولكن عدم توعية الأهل وتوضيح هذه القضية لهم يجعلهم يدفنون فتاة تلو الأخرى.
كم حلما دُفن؟ كم أملا انكسر؟ وكم طموحا هُدم؟ وكل ذلك بسبب جشع الجهل المستعمر على العقول.
ترى الفتاة بعد أن يخبروها أن التعليم لا منفعة فيه تنشأ على الحلم بفستان زفاف، وتنسى أن الاستقرار الأول لأسرة مثالية ومتماسكة هي التعليم، لا أقول للفتاة: اتركي الزواج واذهبي لتعليم، ولكن أقول لها تعلّمي، ثم تزوجي ليصبح لديكِ بيت مستقر وعائلة متكاملة. يمنعون المرأة من التعليم، ثم يبحثون عن زوجة مثقفة!
المرأة درع حصين والعلم ما يحصّنها، وكل عائق يقف في وجه تعليمها ليس إلا جهلا يرتدي ثوب العادات والتقاليد. هُناك كثير من الفتيات يكتمن كثيرا من الأحلام بسبب الواقع المرّ المترصد لهن والواقف في حناجرهن والمانع لهن من الحق الأسمى والأجمل. يجب أن يُزرع الوعي في عقول الأهالي حتى تنهض الفتاة وتحمل أحلامها وتحلق بها في كل سماء.
ومن النتائج المؤلمة التي تحصل للمرأة حين يُسلب منها حقها في التعليم هو الفراغ الذي ينتج من خلاله تعرٍّ فكري ومرض نفسي وعدد من حالات الاكتئاب المزمنة.
أن تصنع امرأة مُتعلمة يعني أنك صنعت أمّة مُحصّنة.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة اخبار الجندر اليمنيه الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية .