كان نفسي أكمل تعليمي..! فجأة أخبروني بأن عرسي بعد يومين
هي محور الحياة إن لم نكن مخطئين وهي أحد أبرز أعمدة الأسرة التي بدون قوتها وصبرها لاشك أنها ستنهار.
ما يزال وضع المرأة اليمنية لا يقارن بأوضاع المرأة في العالم ككل ، فمعاناتها تتعدد وطموحاتها المكبوتة لا حصر لها. وفي الوقت الذي تهتم فيه المنظمات بتطوير وتحسين وضع المرأة وتطالب بمناصرتها وانتزاع حقوقها ، ومساواتها بشقيقها الرجل ماتزال المرأة اليمنية تطالب بأبسط حقوقها.وإن كان وضع المرأة في الريف له خصوصيته ، فوضعها مختلف عن شقيقتها التي تقطن المدينة فالثانية تتوفر لها الكثير من السبل لتحقيق الكثير من الطموحات ، من تعليم ، وتطوير مهارات ، واكتشاف العالم من حولها .
بينما تقبع الكثير من النساء الريفيات خلف قضبان العمل الشاق ، والمسؤولية المتعددة ، فهي تقوم بعدة أدوار كونها الزوجة ، وربة البيت، والأم، ومربية الماشية ، وزارعة الحبوب ، والسيدة الاجتماعية التي لاتفوت مناسبة في قريتها إلا وكانت حاضرة لتؤدي واجبها.
تمثل المرأة اليمنية ما نسبته و49.63% من إجمالي عدد السكان بحسب آخر إحصائيات الأمم المتحدة للعام 2020 والذي قَدر عدد سكان اليمن ب30 مليون نسمة، أي ما يعني وجود 14.802 مليون أنثى وهذا رقم ليس بيسير فهو يساوي نصف عدد السكان .
الأمر الذي يزيد الأعباء على الرجال كمعيلين ، لكن هذا العبء ومنذ القدم لايشعر به الرجال في الريف اليمني لأن المرأة تقوم بأعمال أكثر من طاقتها بل قد لا يتحملها الرجل .فهي شريكة الرجل في زراعة الأرض منذ البذرة وحتى قطف الثمرة ، وهي من ترعى الماشية والأغنام وتتكفل بإطعامهم ، فمنذ الصباح الباكر تجدها تنشد الوادي الفسيح لتأخذ من خيرات الله من الأعلاف والقصب مايكفي وجبة يوم بل وأيام لماشيتها التي تعدها واحدة من أهل بيتها، كيف لا وهي من تمنح الأسرة قوت يومها من اللبن والسمن خاصة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد .
معاناة المرأة الريفية في اليمن سواء كانت أم أو أخت أو زوجة تزداد بسبب وضع الحرب الذي تعيشه البلد فقد تحملت الكثير من النساء أعباء إضافية ، ففي الوقت الذي كانت كثير من الأسر المالكة للأراضي والحقول تجلب من يقوم بالعديد من مهام الزراعة ، اضطرت أن تقوم المرأة بتلك المهام نظراً للتكاليف المضاعفة ، إما برضا منها وطيب خاطر ، أو بإجبار من الأهل أو الزوج .
معاناتها لاتقتصر على العمل فحسب ، فعلى مستوى التعليم هناك من لم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة بسبب طبيعة الأهل المتعصبين لكون البنت لايحق لها أن تتعلم وتختلط بالأولاد الأمر الذي حرم الكثير من النساء والفتيات حقهن في التعليم وإن كان هناك إقبال في الآونة الأخيرة ولكن بنسبة ضئيلة.
كما أنها تقوم بأعمال الرجل وتعدت الأمر لأن أصبحت الكثير من النساء هن المعيلات لأسرهن.
وهذا ماتحدثت عنه بعض النساء الريفيات في إحدى قرى ريف محافظة إب عن بعض معاناتهن.
كان نفسي أكمل تعليمي!
بحرقة تقولها ، وبألم بالغ بان على ملامحها امتزج بتنهيدة كأنها خرجت كقنبلة لو انفجرت لدمرت كل ماحولها.
تقول أم عبدالقادر “كان نفسي أكمل تعليمي بدل هذا الشقاء” وبتفاصيل كثيرة منها ماهو محزن ومنها ماهو طريف حدثتنا الكثير عن قصتها التي تشبه كثير من قصص النساء اليمنيات في الريف ، تزوجت أم عبدالقادر مبكراً من ابن عمها وتحملت أعباء أسرتها كونها شخصية قوية وتعمل بجد وإخلاص فإن الجميع يعول عليها ، فهي السند والكل بالكل في البيت ، ربة بيت ماهرة ، ومتحدثة جيدة مليئة بالمرح ، الكل يشيد بها وبشخصيتها المرحة ، وقوتها التي منحها الله لها .تطبخ لعشرات الأشخاص بوقت قياسي ، وتحمل فوق رأسها كمية كبيرة من الأعلاف ، وهي من تدير شؤون المنزل وتهتم بأطفالها وأطفال سليفاتها في البيت ، تعمل كخلية نحل لا تكل ولا تمل ،حتى أصيبت بمرض لم يستطع الأطباء تحديده ، وهاهي الآن تعيش على المهدئات بعد أن كانت شعلة تحيي البيت والأرض معاً ، ومع أنها لاتزال في بداية الأربعين إلا أنها أصبحت جدة .وتضيف أم عبدالقادر أن هذا الوقت مختلف فلم يعد أحد يتزوج بالغصب ، وأن التعليم متاح والمدارس والجامعات متاحة وخاصة في قريتها ووسائل النقل سهلة لمن ترغب في إكمال تعليمها الجامعي فكل شي متوفر ولاخوف على هذا الجيل من الفتيات إذا كن متربيات وأهلهن منحوهن الثقة وتضيف” مابش خوف عليهن عيدرسين وكل شي متوفر مش مثل أيامنا منعونا من كل شي وكانوا يقولوا لنا مابش بنات يدرسين ،وقت تتزوج المرة وعادها صغيره ، أيش باقي “المرة مالها إلابيت زوجها”..حسب قولها.
وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الأسرفي كثير من المناطق الريفية في اليمن التي تتفهم أهمية تعليم الفتاة ، ومشاورتها في قرار مهم كقرار الزواج وغيرها من الحقوق التي ينبغي عليهم منحها إياها، إلا أنه مايزال هناك بالمقابل الكثير من أولياء الأمور الذين يعتبرون كل شيء تقوم به ابنتهم عيب ،حتى رأيها بشريك حياتها يعد من المحرمات .
فجأة قالوا عرسي بعد يومين!
أم خالد امرأة ريفية تحفر في الصخر ، وتخرج الشيء من اللاشيء لأجل أبنائها ال11 ، تبلغ من العمر مايقارب 52 عاماً تزوجت أم خالد باتفاق بين أبيها وعمها والد زوجها ، وبينما هي في الغيل “عين ماء” تغسل ملابس أخوتها تُفاجئ بأمها تخبرها بأن عرسها بعد أيام، ولأنه لا قول ولا رأي للفتيات بموضوع الزواج بحكم العادات والتقاليد العتيقة أنداك فلم تستطع أن تتكلم ، مثلها مثل كثيرات سبقنها، تجهزت وزفت لرجل مسكين طيب القلب ، والجميع يتحدث عنه بالخير إلا أنه لا قوة له بالعمل ، حياءه الشديد وعزة نفسه تمنعه من أن يطلب أحد ، كان له راتب حارس من إحدى المزارع الكبيرة التابعة للدولة ، لكنها أغلقت وانقطع ذلك الدخل الذي كان يعني الكثير في الثمانينات ، رزقت أم خالد بسبعة من الأبناء وأربع من البنات ، كون أن الجهل بكثرة الإنجاب وعدم وجود وسائل تنظيم الإنجاب كان السبب في إنجابها عدد كبير من الأطفال ، حيث تقول أم خالد “لوكنت اليوم مستحيل أخلف هذا العدد ، لكن الجهل عمى”
وجدت أم خالد نفسها هي ربة الأسرة التي تلم باحتياجاتها ومتطلباتها ، والمسؤول الأول عن تلبية كثير من مستلزمات البيت ، حيث أن زوجها ووالده من أسرة فقيرة لا يستطيعون توفير كل المتطلبات ، من ملابس ومصاريف التعليم وغيرها ، فهم بالكاد يؤمنون الغذاء الأساسي الذي يقيهم الجوع .كانت تجيد الحياكة قبل الزواج ، وشغفها لتعلم مهارات جديدة جعلها تتعلم مهنة الخياطة ، وأتقنتها حتى أصبحت أشهر خياطة نسائية في قريتها والقرى المجاورة ..واستطاعت أن تؤمن لأبنائها الكثير مما يحلم به أطفال جيلهم ، كانت لاتحرمهم من شيء ، وفي ذات الأثناء كانت تنجز العديد من المهام الموكلة على عاتقها ،كإطعام المواشي ، وتجهيز الفطور، ثم تعمل في الحقل، وتعود لتحضير الغداء، وتقوم بتنظيف البيت ، وغسل الملابس ، ثم تعود لتجلس على ماكينة الخياطة حتى وقت متأخر من الليل لتوفر لأبنائها ما يحتاجونه ، واستمرت على هذا الحال لأكثر من 35 عاماً حتى تعبت وضعف نظرها ولم تعد تقوى على الخياطة ، واتجهن كثير من النساء نحو تصميم وخياطة موديلات جديدة من الفساتين ، الأمر الذي جعلها تترك هذه المهنة التي أعاشتها هي وأبنائها وزوجها.. وحتى بعمر ال52 ماتزال تكافح في الريف ، في الأرض التي تزرعها محصول الحبوب والبطاط بحسب المواسم كل ذلك لتؤمن قوت أفراد أسرتها الذين حالت الظروف بينهم وبين أن يكون لهم مصدر رزق ثابت ، فأبنائها السبعة لاحول لهم ولاقوة لم يتمكنوا من إكمال دراستهم الجامعية واكتفوا بالعمل مع الآخرين بالأجرة اليومية .وتظل هي العائل الأبرز وهي من حملت على كاهلها عبء كبير قد يكون سببه الظروف ، أو الأوضاع والجهل ، وربما الظلم للفتاة بمنعها من أبسط حقوقها وهو حق الموافقة أو الرفض في حال طلبت للزواج .. وفي ختام سماعنا لقصة أم خالد الطويلة والتي طلبت منا عدم ذكر اسم المنطقة مراعاة لمشاعر أفراد أسرتها .
أوصت الفتيات بأن يواصلن التعليم لأنه كما تقول هو الضمان لهن من تعب وعناء الشقاء في الريف .
مشقة جلب الماء
فاطمة شابه في عمر 19 عاماً أكملت تعليمها الثانوي بتشجيع من والدها ووالدتها الذين يعتبران التعليم هو الأساس ويكافحان من أجل أن تكمل هي وإخوانها تعليمهم كي لا يعيشون معاناتهم.
تحلم فاطمة بأن تكمل تعليمها الجامعي خاصة وأنها من أسرة متفهمة تهتم بالتعليم رغم الظروف لمعيشية السيئة التي يعيشونها .تقول فاطمة:إنها تعاني من نقل الماء من “البمبة” مسافة ما بينها وبين البيت لجلب الماء للبيت فهي لأكثر من مرة تذهب لذاك المكان حتى تؤمن الماء ليومين على الأقل ، وحول وجود مشروع ماء تقول إنه توقف بسبب ارتفاع أسعار الديزل وأنه إذا اجتمع أهل القرية واتفقوا بجمع مبالغ مالية لتوفير الديزل بالنادر يعود الماء للمنازل ولكنه في الآونة الأخيرة بدأ ينتظم وتدعو الله بأن يستمر ولاينقطع.
وحول عملها في الحقل ، تقول” العمل في الجربة نصرب أو نقلع بطاط أو نحش قضب (علف للماشية) تعب قوي ، لكن الحمدلله مامعانا إلا الصبر سهل أهم شي نوفر الطحين مايكفينا سنة ، وعلف وحشيش للبقر وا لغنم نيسبه ونخزنة لشهور وأحيان لسنة كاملة لما تكون الدنيا مابش مطر”
وتكمل فاطمة بأنها إن شاء الله ستغير من وضعها عندما تكمل الجامعة وتشتري لنفسها سيارة وبيت وتعيش بالمدينة بعيداً عن تعب القرية كما تقول.
ميراث ناقص !
معاناة المرأة الريفية لا تقتصر على العمل الشاق فحسب ، فهي تعاني من التمييز بين الذكور والإناث وحرمانهن من حقوقهن من ضمنها الميراث ، فكثير من الأسر الريفية تعمد إلى حرمان النساء من ميراثهن بحجة أن المال سيذهب لشخص غريب والقصد زوج البنت .. بينما يقوم البعض بتزويج ابنته بالإجبار من ابن عمها كي لايذهب الورث للغرباء كما يعتقدون.
تقول أم علي :كنت منتظرة أخوتي يقسموا بيننا أحصل لي من البيت غرفة اسكن بها لأني بعد عشرين سنة زواج ما اضمن زوجي بسبب سوء تعامله، لكن للأسف خرجونا من البيت صفر اليدين وجابوا لنا مبلغ تستحي تذكره ، لايرضي الله ولا رسوله بحسب ما أفادت لنسوان
تظل ظاهرة أكل ميراث الأنثى وحرمانها منه ظاهرة منتشرة في ريف اليمن ككل رغم أن حقها واضح ومذكور في القرءان الكريم إلا أن الأخوة يصرون على أنهم لن يمنحوا المرأة ورث ولن يشاركهم شخص غريب مال أبيهم ، بينما يحاول البعض تبرئة ذمته بالتسوية مع الأخت أو الوريثة أياً كانت بحيث يقنعها بشتى الطرق لترضى ببعض المال أو التسوية غير العادلة مقابل أن تسكت أو تتنازل وترضخ الكثير من النساء بحجة أن الناس سيتحدثون عنهن بأنهن شارعن أخوتهن وهذا عيب في عرف العديد من مناطق ريف اليمن.
حقوق المرأة اليمنية لم تؤخذ بعد ولانقصد الحقوق السياسية فهي مهمشة في هذا الجانب بشكل كبير ، لكننا نتحدث هنا عن حقها في التعليم الذي كفله لها القانون ، وحقها في قبول أو رفض الزواج الذي كفله لها الله تعالي، وحقها في الميراث الذي كتبه الله لها كي يكفيها السؤال ومد يد الحاجة للغير ،في الحياة الكريمة كإبنة وأخت وزوجة ، هذه الحقوق اليسيرة هي ما تنشده أي امرأة يمنية خاصة المرأة الريفية كونها مثالاً للتضحية والكفاح في شتى مجالات الحياة.
كفل القانون حقوق المرأة الريفية في التعليم والعمل والصحة والضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية وواقع التمثيل للمرأة بشكل عام في التنظيمات السياسية والاجتماعية والجمعيات التقليدية الرسمية وغير التقليدية. لكن هذا الحق لم يتم إعماله بعد نظراً للتركيبة المجتمعية المعقدة والتي تتوشح بالعادات والتقاليد التي جلها غير منطقية ولاتمت للإسلام ولا للعقل بأي صلة.
نأمل أن يتخلص المجتمع من النظرة القاصرة تجاه المرأة الريفية ، وأن يناصرها لانتزاع حقوقها المكفولة قانويناً ودينياً ، وكما أنها النواة الأولى في بناء المجتمع الريفي فإنها بتعليمها وأخذها حقوقها الطبيعية ستعمل على تطوير بيئتها التي خرجت منها ، وتساهم في بناء قدرات شبابها لكي ينهضوا بمنطقتهم أياً كانت .