إكرام فرج – نسوان فويس
في خضم التحديات الراهنة التي تُلقي بظلالها على اليمن، تُواجه المرأة الحضرمية معركة شاقة لإثبات حضورها في مجالات لطالما كانت حكراً على الرجال. فرغم التقدم النسبي في تمكين النساء سياسياً وقانونياً ببعض مناطق البلاد، لا يزال الطريق طويلاً في حضرموت.
فمع أن بوادر التحول الإيجابي بدأت تتجلى، إلا أن حجم التحديات لا يزال كبيراً، ويستلزم جهوداً حقيقية لتعزيز دور المرأة في فضاءات القرار العام. هذا التقرير يُحلل واقع مشاركة المرأة الحضرمية، ويُسلط الضوء على أبرز التحديات، ويُقدم رؤى لمستقبل التمكين.
حضور شكلي ومحدودية التأثير
تُعاني مشاركة المرأة في الحياة السياسية بحضرموت من طابع شكلي ومحدود، على الرغم من فاعليتها التاريخية في مراحل سابقة.
تُشير الناشطة السياسية مدينة عدلان إلى أن تراجع أدوار المرأة في العمل الحزبي وصنع القرار يعود بشكل أساسي إلى تفكك الأحزاب السياسية وغياب القيادات الميدانية. هذا الواقع أدى إلى تراجع تمثيل النساء وحصرهن في أدوار رمزية تفتقر للتأثير الحقيقي على مجريات الأحداث والقرارات.
في عام 2021، احتلت اليمن المرتبة 155 من 156 في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، مما يعطي صورة عن الفوارق الهائلة بين الجنسين.
ولا تزال المرأة اليمنية ممثلة تمثيلا ناقصا بشكل ملحوظ في المناصب العامة والمنتخبة، حيث تشغل فقط 4.1 في المائة من المناصب الإدارية وصنع القرار ولديها الحد الأدنى من الأدوار القيادية في اتفاقيات السلام الوطنية والمحلية. وفقا لتقارير هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وبحسب البنك الدولي تمثل النساء 49.62% من إجمالي عدد السكان في اليمن ومع ذلك فإن مشاركة النساء في مراكز صنع القرار ما تزال ضئيلة جداً.
من جانبه، يرى الناشط السياسي حسن خالد وجود نوع من الحضور النسائي في بعض المؤسسات والمبادرات، ولكنه يُشدد على أنه لا يزال غير كافٍ.
يُرجِع خالد هذا القصور إلى غياب الإرادة الحقيقية من قبل السلطات والقوى المركزية لتمكين المرأة. كما يُعقّد عدم وجود بيانات رسمية دقيقة من عملية التقييم الموضوعي لحجم المشاركة النسائية الفعلي، مما يجعل أي تحليل كمي يعتمد على التقديرات والاجتهادات.
تحديات متعددة تُعيق الاندماج الكامل
توضح المحامية أفنان البطاطي أن مشاركة النساء في هذا المجال تنقسم بين العمل القضائي والمحاماة من جهة، والعمل الحقوقي من جهة أخرى، وغالبًا ما تقتصر مشاركتهن في القضاء على قضايا الأحوال الشخصية والمدنية وسط غياب تام في الملفات الجنائية، بفعل تصورات مجتمعية خاطئة حول قدرة المرأة على اصدار أحكام صارمة أو التعامل مع قضايا جنائية معقدة.
وتتوزع التحديات التي تواجه النساء في حضرموت عبر عوائق مجتمعية، أمنية، ومؤسسية، تُعيق اندماجهن الكامل في المجالين السياسي والحقوقي. تُجمع عدلان والبطاطي على أن أبرز هذه التحديات تتمثل في:
الخطاب الديني المتشدد والرفض المجتمعي، إذ يُساهم انتشار الخطاب الديني المتشدد، وتأثير البُنى الأسرية التقليدية، في تأصيل الرفض المجتمعي لفكرة الحراك النسائي في هذه المجالات. يُضاف إلى ذلك، خوف العديد من النساء من التصنيفات السياسية أو الأخلاقية السلبية لمجرد خوضهن العمل السياسي أو الانخراط مع منظمات حقوقية.
إلى جانب، احتكر الفرص وضعف الدعم المؤسسي، تُشير البطاطي إلى أن الخطاب الديني المتشدد يُعمّق مخاوف أخرى، مثل قلة فرص التوظيف والتأهيل، وضعف الوعي القانوني والحقوقي. كما يُعد احتكر الجيل القديم للفرص عاملاً رئيسياً يُعيق تجدد النخب النسائية، ويدفع بالكثير من الشابات إلى العزوف عن الميدان. يُضاف إلى ذلك، ضعف الدعم المؤسسي لتمكين المرأة قانونياً، وغياب التمثيل الحقيقي للنساء في مواقع صنع القرار القانوني والنقابي.
بالإضافة إلى غياب شبكات الدعم والبيئة الآمنة، تشرح عدلان: تفتقر النساء إلى شبكات دعم مهنية ومجتمعية فعالة تُساندهن في مواجهة التهديدات أو الضغوط. وتزداد الصعوبات في العمل الحقوقي الميداني، حيث قد تتعرض الناشطات للتهديد المباشر والضغط المجتمعي في ظل بيئة لا توفر الحد الأدنى من الحماية. كما تُشكل صعوبة التوفيق بين الأدوار الأسرية والمهنية، والتشكيك المستمر في كفاءتهن وقدرتهن على الإنجاز، تحديات إضافية تُثقل كاهلهن.
رؤى لتعزيز التمكين الحقيقي:
لمواجهة هذا الواقع، يُصبح الحديث عن التمكين السياسي والحقوقي للنساء في حضرموت ضرورة ملحة تتطلب إرادة حقيقية وخططاً عملية.
يقترح حسن خالد عدداً من السياسات لتعزيز حضور النساء في مواقع صنع القرار، مثل: ضرورة تمكين أجيال جديدة من النساء من الممارسة العملية للسياسة، وتطوير الأدوات والمهارات التي تمتلكها النساء للعمل السياسي والحقوقي. بالإضافة إلى تغيير النظرة تجاه مشاركة المرأة السياسية بإعادة إبراز الدور التاريخي للمرأة، والنظر بحيادية لما يُسهم في خدمة المجتمع.
ويعتقد حسن أن دور المرأة في المستقبل القريب سيكون ذو تأثير كبير نظراً لإيجابية وجودها الحالي في عدد من مراكز صنع القرار بحضرموت.
من جانبها، تدعو البطاطي إلى تبني جملة من الإجراءات الإصلاحية لتمهيد الطريق أمام مشاركة نسوية فاعلة، تشمل: تطوير التشريعات واللوائح القانونية، لضمان تمثيل النساء في السلطة القضائية بمختلف درجاتها وتخصصاتها، كاستحقاق مبني على تكافؤ الفرص، وتمكين جيل جديد من النساء يمتلكن أدوات العصر في مؤسسات الدولة، إلى جانب تكثيف التدريب والتأهيل الميداني لربط التعليم بالواقع العملي، وترشيد الخطاب الديني بما يتماشى مع القيم الحقوقية ويدعم مكانة المرأة، بالإضافة إلى إشراك القيادات المجتمعية في جهود التوعية لتقليل حدة الرفض المجتمعي تجاه النساء العاملات في السياسة أو القانون.
وكذا توسيع نطاق دعم المنظمات الدولية في حضرموت على الصعيد المهني والمؤسسي، لدمج قضايا المرأة في أولويات العمل الحقوقي والإنساني، وبناء تحالفات نسوية محلية لخلق مساحات لتبادل الخبرات والدعم المشترك، ومراجعة السياسات الداخلية للمؤسسات لضمان تكافؤ الفرص الفعلي بين الجنسين.
صمود ملهم
على الرغم من جسامة هذه التحديات، إلا أن هناك نساء استطعن كسر الحصار المجتمعي وإثبات حضورهن في مواقع قيادية. تستحضر عدلان تجربة فاطمة بلحمر، عضوة مجلس النواب سابقاً، كنموذج نسوي صامد في وجه محاولات الإقصاء. ويُشير حسن خالد إلى أن الحضور النسائي اليوم في المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني بات أكثر وضوحاً، مدفوعاً بحاجات فرضتها ظروف الحرب.
التمكين النسائي ضرورة للاستقرار والتنمية
في ظل الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلاد، لم يعد تمكين المرأة ترفاً أو خياراً مؤجلاً، بل بات ضرورة ملحة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
إن مشاركة النساء في مواقع صنع القرار ليست مجرد مطلب حقوقي، بل ركيزة أساسية لبناء مجتمع عادل ومتوازن، يعكس تنوعه ويستثمر كامل طاقاته.
يُشكل صمود المرأة الحضرمية نموذجاً يُحتذى به، ويُبرز أن بإرادة صلبة وتضافر الجهود، يمكن تجاوز التحديات ورسم مستقبل أكثر إشراقاً للمرأة والمجتمع بأكمله.