زهور السعيدي – نسوان فويس
عندما نغوص في عوالم الأنمي ونتأمل قصص المانجا، تبرز أمامنا رسامة يمنية محترفة أبدعت في هذا المجال من الفن، إنها خلود المحرقي. رسوماتها تتجاوز الحدود وتلامس القلوب، ورغم الإبداع والمهارة التي تتمتع بها، إلا أن صيتها لم يصل إلى ما يستحقه.
في هذا اللقاء، نكتشف معها سر إبداعها والتحديات التي واجهتها، وكيف استطاعت أن تترك بصمتها في عالم الفن والرسم والخيال.
رحلة من الطفولة إلى الشغف
في البداية، تقول الرسامة خلود خالد المحرقي، وهي في العقد الثاني من عمرها، إن ما دفعها لاختيار رسم المانجا والأنمي كأسلوب فني يتعلق بطفولتها: “بداية الأمر متعلق بطفولتي حينما كنت أرى أنمي الليدي أوسكار وأخي العزيز مع أمي، لأنها مهتمة بمشاهدة هذه الأعمال. هذه الأنيميات لنفس المؤلفة، أحببت أسلوبها وتعمقت بهذا الفن ورأيت الأعمال الأصلية لها كمانجا، فألهمتني. اسمها ريوكو إيكيدا وهي من أقدم المانجاكا في اليابان، وكونها عاشت فترة في فرنسا ودرست علم النفس يظهر هذا في أعمالها بشكل جميل وعميق، ولاقت رواجاً أيام التسعينيات والتي فيما بعد تحولت أعمالها لأنمي كما كنا نشاهده.”
تضيف خلود: “الأمر الثاني هو أنني أحب الكتابة والتأليف بنفس درجة حبي للرسم، وفن المانجا يجمع الاثنين. رغم أنه ليس سهلاً ويحتاج مهارات إخراجية وتأليف من الصفر سواء من خلال بناء شكل الشخصيات بما يتناسب مع دورها في القصة. أو كتابة احترافية للسيناريو لتظهر المشاهد من زوايا معينة تفيد وتعزز الصورة بالمشاعر التي نريد إيصالها، وحبكة جيدة تجعل القصة جميلة.”
وتستطرد المحرقي، المولودة في العاصمة صنعاء لأبوين قدما من تهامة غربي اليمن: “لم يوقفني كل ذلك لأني أحب التعبير عن عالمي الداخلي، وتعلمت كل هذا ذاتياً من الصفر. بعدها انتقلت لباقي أنواع الفن لفهم جوهر الفكرة حينما أريد التعبير عنها.”
تأثير المانجا على الثقافة الشعبية
في مجتمعنا اليمني، لا بد أن تكون لهذه الرسومات تأثير على الثقافة الشعبية.
تقول خلود: “طالما تساءلت في طفولتي عمّن يصنع هذا النوع من الأعمال، وبحكم أننا كنا نراها على قنوات عربية وبدبلجة عربية، كنت ألاحظ الاختلاف في العادات. وحينما بحثت وراء الأمر عرفت أنها تخص الثقافة اليابانية وتمنيت حينها أن يكون لنا أنمي جميل كهذه الأعمال يتناسب مع ما عشناه ومع ثقافتنا الشعبية”.
وتواصل: مع هذا، من خلال رؤيتي للأعمال اليابانية أدركت نقطة مهمة أن العمل الفني مهما كان لو فكرته عميقة سيؤثر على باقي الثقافات المختلفة، وهذا ما نجحت به اليابان كون بعض الأعمال تلامس الإنسانية وتغوص لعمق الذات البشرية بكل اختلافاتها.
وتضيف: من هنا بدأت أركز على الفكرة ولا يهم كيف سنعرضها. مع هذا لازلت أحلم بإنتاج أنمي أو قصة مانجا تشبهنا وتحكي عن هويتنا وقصصنا التي نعيشها لتكون أقرب لنا ويكون تأثيرها أعمق في الوجود الإنساني ونقول للعالم كنا ذات يوم هنا ونترك أثراً جميلاً يدل على وجودنا.
عمق رمزي وفلسفي
تقول الرسامة خلود: “عادًة أحب الشخصيات الحالمة والتي لها حضور قوي وتحمل عمقاً وأصالة متفردة تؤثر على كل من حولها بفلسفتها في الحياة وتحمل حلماً تسعى لتحقيقه، مثل شخصية: أوسكار من أنمي الليدي أوسكار، أليس في بلاد العجائب، إيميلي من أنمي فتاة الريح أو إيميلي، جودي آبوت من أنمي صاحب الظل الطويل، آن شيرلي من أنمي آن في المرتفعات الخضراء أو آن شيرلي”.
وتضيف: “هذا النوع من الشخصيات كانت تؤثر فيني جداً وعادة أستلهم أبطال قصصي منها.”
وتؤكد الرسامة خلود أنها تبتكر شخصيات المانجا والأنمي من خلال فهم فكرة القصة نفسها، ثم بناء الشخصيات حسب دورها وحضورها.
وتوضح: “إذا كانت الشخصية حادة الطباع أو مرنة، بريئة، ملهمة… إلخ. كل شيء يظهر بملامحها، أيضاً أراعي عمرها وجنسها والكاركتر الخاص بالشخصية، بما يتناسب مع شخصيتها والأهم نوع الفكرة التي ستوصلها. “
تواصل: “هذا الجانب أستعين فيه بعلم النفس وتحليل الشخصيات لأصممها، إضافة لاهتمامي الفطري بأنماط الشخصيات منذ طفولتي فلم أجد مشكلة بهذا الجانب. مع هذا أحاول أن تكون شخصياتي مستلهمة من مبادئي نفسها وثقافتي، خاصة إذا كانت الشخصيات جزءاً من المجتمع مثل شخصيات مانجا الحياة الطيبة؛ كانت الشخصيات ترتدي ملابس من نفس الثقافة كالحجاب والزي المدرسي.”
أبرز أعمالها
تستطرد خلود :”أما شخصية الطفلة آستر من فيلم آستر المميزة، فصممت الشخصية لتناسب الفكرة نفسها؛ فهي تحكي عن الفطرة السوية والتميز وتقبل الاختلاف. فاخترتها طفلة بملامح بريئة كونها تعبر عن الفكرة، وأيضاً شعرها البنفسجي وملابسها، كل شيء كان له دلالة رمزية. “
وتواصل: “اللون البنفسجي دائماً يرمز للاختلاف والأقليات، بينما ملابسها باللون الأخضر تأكيد على أن جميع الهويات بكل اختلافها جزء من الطبيعة. الزهرة في صدرها عبرت عن جوهرها المزهر في المحيط الجيد وذبولها في المحيط غير المتقبل. أما الشخصيات الرمادية فتعبر عن أشخاص بلا هوية ولا رأي ولا تميز، شخصيات خاوية من أي لون وتمشي مع القطيع وهكذا مع باقي الشخصيات الأخرى.”
سخرية وسرقة وخيبة أمل
واجهت الرسامة والمؤلفة خلود المحرقي العديد من التحديات في مسيرتها الفنية.
وقالت في حديثها لـ “نسوان فويس”: “أول مشكلة تواجه أي شخص اختار هذا النوع من الأسلوب هو الاستهزاء بالأعمال وكأنها موجهة للأطفال، وعادة الحكم يأتي بناء على شكل أو أسلوب العمل وليس فكرته الجوهرية. رغم أن أعمالي بذاتها تستهدف فئة الشباب والمراهقين ولا تتناسب مع الأطفال ولن يستمتعوا بها، لأنها أفكار ذات عمق وبعد فلسفي، كثيرة الرموز وتحتاج فهماً لما خلف الفكرة والرسالة من العمل. “
وأضافت: “أيضاً مشكلة يعاني منها حتى الفنانون أنفسهم، حيث يرون الفن فقط رسماً متقناً ومحاكاة للواقع، وهذا بحد ذاته ظلم لهذا النوع من الأساليب الفنية التي تركز على نوع الفكرة وجوهرها بشكل رمزي أعمق من الأعمال التي قد تبدو متقنة أو شبيهة للواقع، لأن أساس هذا الأسلوب هو التجريد؛ أننا نجرد الشخصيات من واقعيتها ونرسمها حسب خيالنا وهنا تكتسب الشخصيات إمكانيات أكثر وأبعاداً لا حدود لها في التعبير ولا تتقيد بالواقع وهنا يكمن جمال هذا النوع من الفن والذي يندرج تحت فن المدرسة السريالية التجريدية.”
وأضافت المحرقي: “من التحديات والصعوبات أيضاً الأدوات أو التقنيات لا تكون بالجودة المطلوبة، فأضطر أن أستخدم أدوات إما تقليدية أو حسب ما هو متوفر. مع هذا لا تظهر الشخصيات كما أريدها عادة وفيها الكثير من العيوب لا يلاحظها إلا الذين تعمقوا بالمجال.”
وتوضح خلود أن من أكبر ما تعرضت له هو سرقة أعمالها قائلة: “أكثر من مرة تمت سرقة عمل لي، مع هذا لم أكن أبالي لأني صاحبة الفكرة وأستطيع رسمها في كل مرة بشكل أفضل. ولكن في مرة أتذكر وكانت آخر مرة أشارك بمعرض، حينما شاركت بمعرض عن الحرب في اليمن وعرضت بعض لوحاتي، رغم ذلك لم يعيدوهن لي وكانت أعمالاً أصلية. لا أعرف إذا كان إهمالاً منهم أو لامبالاة بأعمالي وتسخيفاً للأفكار، وهذا سبب لي إحباطاً من إعادة التجربة والمشاركة، إضافة أن نفسيتي انهارت لأن الأعمال تعتبر جزءاً مني كأي فنان.”
وتؤكد: “التحديات كثيرة تواجه هذا النوع من الأسلوب غير التقليدي، مع ذلك لم أستسلم ولا زلت أرسم بأسلوبي رغم السخرية، لأني أثق أن هناك من لا يزال يقدر الفكرة وجوهرها ويرى ما خلفها ولا يحكم بشكل سطحي لأني لا أرسم مجرد لوحات بصرية ذات ألوان زاهية، إنما تجارب مررت بها ومشاعر أحببت تجسيدها وإيصالها للآخر بشكل أنيق وبرسالة إنسانية تتجاوز البعد المادي الملموس وتلامس الروح نفسها.”
وعن أدواتها وتقنياتها، تضيف الرسامة والقاصة خلود خالد المحرقي لـ “نسوان فويس”: “أستخدم الأدوات التقليدية والعادية جداً، يكفي أن أمتلك قلماً وورقة لأنتج لوحة فنية ذات عمق فلسفي أو مانجا بمشاهد مؤثرة. لكن بحكم تطور الأدوات، أستخدم برنامج الإليستريتور في تصميم بعض الشخصيات كون التلوين أسهل به وأبسط برسم الخطوط الواضحة وحتى بالتحريك يكون أفضل.”
في خضم التحديات، تُعد رحلة خلود المحرقي دليلًا على أن الإبداع لا يمكن أن يُقيد. فمن خلال شغفها وإصرارها، تمكنت من تحويل الصعوبات إلى دافع لتطوير فنها. إن قصتها ليست مجرد حكاية فنانة، بل هي دعوة لتقدير الفن والفنانين، ونافذة تفتح الأمل في قلب مدينة تعاني، لتؤكد أن ريشة الإبداع قادرة على رسم مستقبل أجمل، حتى في أحلك الظروف.