ناهد بلعلا – نسوان فويس
“طُعِنت وأنا في قمة السعادة” بهذه الكلمات المثقلة بالغصة تُلخص مريم (26 عاماً) تجربتها مع الزواج السري والطلاق المفاجئ، لتُسلط الضوء على تداعيات هذه الظاهرة المتزايدة في اليمن.
تروي مريم كيف تقدم لخطبتها رجل خمسيني “محترم ومعروف في المجتمع” رغبةً في الستر وتكوين أسرة، قبلت مريم به رغم فارق السن، وسارت الأمور بشكل طبيعي حتى “الليلة المشؤومة، ليلة الدخلة”.
تكمل مريم حديثها المأساوي: بعد أن أتم لها ما يريد، وبمجرد أن غفت في نوم سعيد، أيقظها صوت هاتف زوجها. صوت مرتفع ومتردد، تغيرت معه ملامح وجه زوجها الذي كان يتصبب عرقاً رغم برودة الغرفة، ويكتفي بالرد بكلمات مقتضبة: “تمام… تمام… حاضر… حاضر”، ثم أغلق الجوال.
نهاية حلم في لحظات
“بعد أن أنهى المكالمة، نظر إليّ نظرة قاتلة، نظرة حادة وغاضبة وقال لي: أنتِ طالق”، تحكي مريم بصوتها المبحوح “شعور غريب، ألم مرعب، نبضات قلبي تكاد تكسر أضلعي من الألم وكأنه خنجر مغروز في قلبي.. قلت كلمة واحدة باكية: لماذا؟”
يرد الزوج ببرود قاسٍ: “ابني الأكبر اتصل بي الآن وأخبرني أن زوجتي الأولى علمت بموضوع الزواج وطلبت مني أن أطلقكِ، وتجنباً للمشاكل أنهيت الأمر معكِ.” ثم غادر الغرفة، تاركاً خلفه ناراً تحرق جوف مريم، وشعوراً موجعاً، وتجربة قاسية كرهتها في الزواج والرجال والعالم. “دمرني ولا ذنب لي…” تختتم مريم حديثها.
أم مريم هي الأخرى تتحدث عن صدمة ابنتها قائلة: “لقد كانت الصدمة كبيرة ومزلزلة، وغلطتنا أننا قبلنا بالزواج من رجل يخفي زواجه عن زوجته الأولى.”
أميرة دون أمير
قصة مريم ليست الوحيدة، أميرة هي الأخرى تعرضت لذات القصة. تصف الرجل الذي تزوجها بأنه “شخصية ضعيفة ويدعي الرجولة.” لم تكن تتوقع منه الخذلان وخيبة الأمل: “لقد عشت معه أسبوعاً فقط، للأمانة كان أجمل أسبوع في حياتي كلها، أحسستُ بالأمان وأنه شخص شجاع ذو قلب كبير، عطوف، حنون… لكن فجأة سقط القناع وبان.”
في أول محنة وقعا فيها، فبمجرد أن عرفت زوجته الأولى بالأمر، ادعت المرض وقلبت البيت رأساً على عقب، وحرضت بناته وأولاده عليه. قبل أن يطلب منها الجلوس في بيت أهلها ليومين حتى تهدأ الأمور. لكن بعد ساعة واحدة من وصولها للبيت، اتصل بها ليقول: “لم يعد لنا نصيب ببعض وأنه لن يستطيع الاستمرار في الزواج!!”
دوافع مادية وخلافات عائلية
يؤكد المأذون هاشم الحامد أن “العيب ليس في الزواج ولكن في الشخص نفسه والأسرة تتحمل عبئاً كبيراً في ذلك.”
ويضيف: “مع أن الزواج صحيح شرعاً وإن لم يكن معلناً فهو جائز شرعاً.”
ويوضح أن أي سلبيات تظهر عقب الزواج بالسر فإن العيب يكمن في الأشخاص أنفسهم وفي أهل الزوجة بشكل أكثر، فهم الذين قبلوا أن تتزوج ابنتهم في السر ودون علم الزوجة الأولى.
ويشير الحامد إلى أن هذا النوع من الزيجات تظهر فيه عدة سلبيات، غالباً ما يكون الغرض منها مادياً، حيث تكون إدارة المال لدى الزوجة الأولى ولديه أولاد كبار في السن، فيكون الطلاق من الزوجة الثانية هو الحل الأسهل.
ويضيف أن بعض الرجال قد يلجؤون لهكذا زيجات بغرض التمتع لفترات قصيرة، ويكون العذر للطلاق هو انكشاف السر للزوجة الثانية.
وعن أسباب قبول الأسر بزواج السر، قال الحامد إن هذا القبول يعود إلى الإغراء بالمال والمهر الكبير بمبالغ لا تقدر بعض الأسر على رفضها، خصوصاً في الوضع الاقتصادي والمعيشي الراهن.
صدمة نفسية وصورة مجتمعية سلبية
توضح استشارية الصحة النفسية والعلاقات الأسرية زهرة محمد أبرز المشكلات التي تواجه المرأة المطلقة، وكيفية مواجهتها، خاصة عند قبول المرأة الزواج من رجل دون علم الزوجة الأولى.
تقول: “ترتكب الأسرة والفتاة معاً خطأ كبيراً جداً بقبولها الزواج من رجل سوف يخفي زواجه عن زوجته الأولى، ومن الطبيعي وجود رد فعل من الزوجة الأولى عند علمها، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الطلاق.”
وتضيف: “وهذا سوف يسبب أضراراً نفسية كبيرة للزوجة الثانية: صدمة، خيبة الأمل، فقدان الثقة بالنفس، والاكتئاب. قد يؤدي ذلك أيضاً إلى خلق شخصية ذات عزلة اجتماعية وانطوائية. في بعض الحالات، قد يؤدي إلى مشاكل أسرية مستمرة ومتطورة، وتوتر مستمر، وضغوط مادية بسبب الاحتياجات الأسرية المتزايدة.”
وتتابع زهرة: “في بعض الأحيان، هذا الأمر يدمر المرأة وخاصة عندما يكون الطلاق بشكل سريع جداً، في يوم أو أيام قليلة أو حتى أسابيع. فنحن في مجتمع تواجه فيه المرأة المطلقة في مجتمعاتنا العربية تحديات صعبة بسبب الصورة السلبية عن المطلقات. لماذا تتحول المطلقة إلى علامة استفهام؟ تُثير الكثير من علامات الاستفهام!!”
“تتعرض المرأة للكثير من التساؤلات حول أسباب طلاقها، ويعد سؤال ‘لماذا تم الطلاق؟ وما الذي أدى بكم إلى هذا؟’ من أبرز الأسئلة التي تجد المرأة نفسها محاطة بها، ومطالبة بالإجابة عليها، وأسئلة أخرى تجعلها تتقوقع على نفسها وتخشى من مواجهة العالم الخارجي؛ لأن لقب مطلقة يعني حاجتها للرد على التساؤلات، وذكر الأسباب التي أدت للطلاق.”
تحديات بلد مزقته الحرب
لا توجد إحصائيات رسمية حديثة وموثوقة حول عدد الزيجات والطلاق في اليمن، البلد الذي يرزح تحت وطأة الحرب وتداعياتها، تتفاقم هذه المآسي في ظل غياب شبه كلي لمراكز دعم النساء ضحايا هذه الزيجات.
يضاف إلى ذلك التحدي الكبير المتمثل في الدور الغائب للجهات الدينية والمؤسسات التشريعية، حيث لا توجد توعية كافية بمخاطر الزواج السري وتداعياته الاجتماعية الوخيمة، كما تفتقر البلاد إلى قوانين واضحة وصارمة تُجرم إخفاء الزواج وتضمن عنصر الإشهار كحماية أساسية لحقوق المرأة.
إن هذا الفراغ القانوني والمجتمعي يُضاعف من معاناة النساء، ويُسهم في استمرار هذه الدوائر المؤلمة من الخذلان والألم.
وبين حال مريم وحال أميرة، تتكشف مآسٍ اجتماعية ونفسية عميقة، تُلقي الضوء على تعقيدات الزيجات السرية وتداعياتها المدمرة على حياة النساء في اليمن.
مصدر الصورة: Ai