راوية العتواني.. ريشة صامدة تصنع الفن والأمل من قلب صنعاء

شارك المقال

أمل وحيش – نسوان فويس

في عالم الفن التشكيلي، حيث تتجسد الروح والمشاعر عبر الألوان، تُبرز الفنانة اليمنية راوية محمد العتواني قصة صمود وإلهام. من رحم التحديات التي فرضتها سنوات الحرب في اليمن، لم تتخذ راوية من فنها مجرد متنفس، بل جسراً لتوثيق الثقافة اليمنية الأصيلة، ونافذة تسلط الضوء على قضايا المرأة، التي تُعدّها قضيتها الأولى وهمّها الأكبر. هذا التقرير يُسلط الضوء على رحلة راوية الفنية ومشروعها الريادي “ديتيلز “، مُحللاً التحديات التي واجهتها وكيف تجاوزتها.

ملاذ ومرآة للواقع

تفتحت موهبة راوية في الرسم منذ طفولتها، إلا أن هذه الموهبة وجدت عمقها الحقيقي مع اندلاع الحرب في عام 2015. تحول الرسم بالنسبة لها إلى ملجأ ومتنفس وحيد، تعكس من خلاله جماليات الحياة المنسية وتنقل هموم وأوجاع الناس وثقافتهم. يظهر ذلك جلياً في أعمالها التشكيلية التي تُحاكي البيئة والتراث اليمني الأصيل، وتُركز بشكل خاص على قضايا المرأة.

ورغم تجربة راوية للعديد من الهوايات الأخرى كالتصوير والموسيقى، إلا أن الرسم وحده هو الذي ألفته روحها. تعتبر كل لوحة أو قطعة فنية تعمل عليها مزيجاً من المواقف والمشاعر التي عاشتها هي أو الآخرون، مما يدفعها للاحتفاظ بمعظم أعمالها، فكل منها تمثل حكاية ذات وقع خاص في حياتها.

 

 قصة نجاح من 200 ريال

تخصصت راوية في اللغة الفرنسية بجامعة صنعاء، لكن مسارها المهني انحرف نحو الفن الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من كيانها. على الرغم من غزارة إنتاجها الفني ومشاركتها في العديد من المعارض المحلية والدولية، إلا أن الفن التشكيلي في اليمن لا يُعد مصدراً مستداماً للدخل يُمكن الرسام من عيش حياة كريمة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد منذ عام 2015. هذا الواقع دفع راوية للتفكير في مشروع خاص يُسهم في تأمين قوت يومها وعائلتها.

بعد بحث طويل عن وظيفة، وبمساعدة صديقة مقربة، قررت راوية تأسيس مشروعها الصغير “ديتيلز” (Details) في عام 2018. الاسم يعكس شغفها بـ”التفاصيل الدقيقة” وحبها لتجربة مختلف الفنون. بدأ المشروع عبر الإنترنت كاستجابة للضغوط النفسية والمادية.

تحكي راوية عن البداية: “بعد تفكير عميق، وبسبب اليأس من الأوضاع الصعبة، وبعد بحث طويل عن وظيفة، لجأت إلى صديقتي المقربة روان التي كانت دائمًا إلى جانبي، وساعدتني في التفكير بمشروع خاص. رغم أن البداية كانت صعبة، خاصة أننا كنا نحتاج إلى آلة طباعة ومهارات خاصة، قررنا شراء دبابيس فارغة وبدأت الرسم عليها يدويًا”. كان رأس مال البداية رمزياً جداً: 200 ريال فقط لشراء بعض الدبابيس. هذا التواضع في البداية قوبل بدعم وتشجيع كبيرين من الأصدقاء والعائلة، مما حفزها على الاستمرار.

تحديات مستمرة وطموح للتوسع

بعد عام من انطلاق “ديتيلز “، فكرت راوية في توسيع عملها بمساعدة صديقتها روان، التي أسهمت بشكل كبير في تصميم هوية المشروع ودعمه. رغم العمل المنهك والمُتعب، كان إيمان عائلة راوية والأصدقاء بالفكرة سنداً كبيراً لها.

تتمثل أبرز التحديات التي واجهتها راوية في صعوبة الحصول على رأس المال الكبير لشراء المواد الخام، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في الأسعار. هذا الواقع دفعها لرفع جزئي لأسعار منتجاتها، وهو ما قد لا يتقبله البعض، إلا أن العمل الفني اليدوي يستحق التقدير نظراً للجهد الكبير المبذول فيه.

لا يزال مشروع راوية قائماً على مجهود فردي بالكامل، وهو أحد أبرز التحديات التي تعيشها، حيث لا تكاد تستطيع تلبية جميع طلبات العملاء. تأمل راوية أن يأتي اليوم الذي يتوسع فيه مشروعها ليضم فريق عمل خاصاً بها، مما يُمكنها من تلبية كمية أكبر من الطلبات.

تواجه راوية تحديات جديدة مع زيادة عدد المشاريع التي تعتمد على الطباعة، والتي تُعد أرخص وأسهل من الرسم اليدوي. ومع ذلك، تظل راوية مُصرّة على تقديم عمل فني فريد يختلف عن المنتجات التقليدية، مُعلقة: “أسعار العمل اليدوي أعلى لأنه أكثر تعبًا، لكنني أقدم منتجًا فنيًا يعبّر عن روحي”. حالياً، يُعد الرسم على القماش الأكثر طلباً في “ديتيلز “، ويأخذ منها وقتاً أطول وتفاصيل أدق. تصف راوية عملية الرسم على قطعة واحدة بأنها “تأخذ مني الكثير من الوقت، حيث تتطلب القطعة من 3 إلى 4 أيام لتجهيزها، ثم الرسم عليها، وبعدها تنشيفها وكيها وترتيبها”.

 

أمنيات ورسالة إلهام

أمنية راوية الأكبر هي أن ينمو مشروعها ليصبح متجراً متكاملاً للهدايا الفنية، وأن يزيد عدد العملاء المهتمين بفنها. تُدرك أن تحقيق ذلك مرهون بتحسن الوضع المادي العام للناس وبالتالي تحسن قدرتهم الشرائية.

توجه راوية رسالة قوية وملهمة لكل من يرغب في بدء مشروع خاص: “أهم شيء تكون مؤمنة باللي تقدمه. يجب ألا تستسلموا أبدًا. أنا كنت أسمع الكثير من الأشخاص يستهزئون بي عندما بدأ مشروعي بـ 200 ريال، لكنني الآن أرى كيف نجح هذا المشروع وأصبح مصدر رزق لي ولعائلتي. البداية كانت صغيرة، لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة”.

نموذج للإصرار في زمن الأزمات

تُبرز قصة راوية العتواني أن الفنانين التشكيليين في اليمن يواجهون تحديات جمة، لكنها استطاعت أن تثبت وجودها متحديةً كل الظروف الصعبة.

تُعد راوية مثالاً حقيقياً للإصرار والتفاني في العمل، وتُثبت أن الإيمان بالموهبة والجهد المستمر يمكن أن يفتح أبواب النجاح حتى في أحلك الظروف وأكثرها قسوة. قصتها ليست مجرد حكاية فنانة، بل هي درس في ريادة الأعمال والصمود أمام المحن.

مقالات اخرى