أمل وحيش – نسوان فويس
كانت تربية الأبناء في الماضي مهمة شاقة، لكنها تسير ضمن أطر واضحة وقائمة على قيم أسرية ثابتة. أما اليوم، وفي ظل الإنترنت والانفتاح التكنولوجي المتسارع، أصبحت المهمة أكثر تعقيدًا.
لم تعد المخاطر محصورة في البيئة المحيطة، بل باتت تتدفق عبر شاشات صغيرة تفتح الأبواب على عوالم بلا حواجز.
هذا الواقع يضاعف الأعباء على الأسرة، لا سيما الأم التي تجد نفسها أمام مسؤولية كبيرة لحماية أبنائها من التأثيرات السلبية للإنترنت، مع توجيههم للاستفادة من مزاياه دون التعرض للضرر.
معاناة ومسؤولية
تقارن أم هاشم بين جيلها وجيل أبنائها، مستذكرةً الأيام التي كان فيها أقصى طموح الطفل هو مشاهدة برامج الأطفال التلفزيونية التي تحمل رسائل تربوية واضحة. أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا، حيث ترى أن التحديات التي يفرضها الإنترنت، خاصة على المراهقين، باتت “مرعبة”.
تبذل أم هاشم جهدًا كبيرًا لخلق توازن بين رغبات أبنائها في المشاهدة عبر الإنترنت، وبين واجباتهم الدراسية. “أحرص على تحميل المحتوى المناسب، لكن فضولهم يدفعهم دائمًا للمطالبة بفتح الإنترنت، وهو ما يقلقني بشدة، خصوصًا عندما أكون منشغلة عنهم”، تقول أم هاشم،
مضيفةً أنها تواجه صعوبة في منعهم تمامًا، خوفًا من لجوئهم إلى بدائل غير مراقبة.
من جهتها، تصف أم تركي الإنترنت بأنه “شر لا بد منه”، فهي تخشى على ابنها من محتواه وتأثيره على صحته، لكنها تفضّل السماح له بالاستخدام تحت إشرافها في المنزل، بدلاً من أن يلجأ إلى شبكات غير آمنة خارج المنزل.
أما (إ.م) والدة فتاة مراهقة (16 عامًا)، فتتحدث عن تجربة مؤلمة بعد أن اكتشفت تواصل ابنتها مع شباب عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. هذا الاكتشاف أثّر سلبًا على صحتها النفسية، و”قررت حرمانها من الهاتف ومنعها من صديقاتها اللواتي شجّعنها على التواصل مع الشباب، مؤكدة أن حماية ابنتها أولوية، حتى لو كان ذلك عبر قرارات صارمة”.
تأثيرات نفسية وسلوكية
تؤكد المرشدة والأخصائية النفسية سميرة عبد الله الذرة أن “الإنترنت سلاح فتاك في حال سوء استخدامه”، مشيرةً إلى أن القلق الأساسي يكمن في عدم قدرة الأمهات على السيطرة على استخدام أبنائهن، خاصة مع الساعات الطويلة التي يقضونها أمام الشاشات.
تلفت الأخصائية إلى أن الضغوط النفسية التي تواجهها الأم بسبب عدم قدرتها على ضبط المحتوى الذي يتابعه أبناؤها، وشعورها بالعجز أمام إصرارهم، قد تدفعها إلى دائرة العنف، سواء بالحرمان والرفض أو بالصراخ والضرب، ما يزيد المشكلة تعقيدًا.
وتوضح الأخصائية أن الاستخدام المفرط قد يؤدي إلى سلوكيات عدوانية نتيجة مشاهدة العنف، ويزيد من خطر “الإدمان الرقمي”. وتشدد على ضرورة وضع قوانين واضحة وصارمة داخل المنزل يلتزم بها الأبوان، بالإضافة إلى تقديم القدوة الحسنة. وتنصح الأمهات بتخصيص وقت للعب مع أبنائهن ومشاركتهم الأنشطة المختلفة، لتجنب انعزالهم أو بحثهم عن اهتمام خارج نطاق الأسرة.
وتختم الأخصائية نصائحها بالقول إن على الأهل إدراك أن أبناءهم أمانة بين أيديهم، داعية إلى التركيز على مواهبهم، والإنصات لهم، والتواصل الدائم معهم، كي لا يلجؤوا إلى الإنترنت بحثًا عمّن ينصت إليهم، وهو ما قد يعرّض شخصياتهم وكيانهم للأذى.
الأمن الرقمي
مع تزايد استخدام الإنترنت في اليمن، الذي بلغ 7.29 مليون شخص مطلع عام 2025، تؤكد الباحثة والمتخصصة في التحول الرقمي ندى خالد لمنصة “نسوان فويس” أن الوعي بالمخاطر أصبح ضرورة.
وتُحذر ندى من مخاطر محددة مثل مشاهدة المحتوى غير اللائق، والتعرض للتنمر أو الابتزاز، وإدمان الشاشات. كما تسلط الضوء على تطبيقات تبدو بريئة ولكنها عالية الخطورة على الأطفال مثل: تيك توك وسناب شات لاحتوائهما على محتوى غير مناسب، وصعوبة المراقبة الأبوية.
بالإضافة إلى الألعاب مثل (PUBG) التي تتيح محادثات مع غرباء، ما يزيد من خطر التنمر والاستدراج. وكذا تطبيقات يوتيوب وواتساب حيث قد تظهر مقاطع غير ملائمة عبر خوارزميات الاقتراح، أو يتم تبادل محتوى غير آمن في المجموعات غير المراقبة.
للحماية، تقترح ندى خالد عدة خطوات بسيطة وفعالة لا تتطلب خبرة تقنية، منها: تطبيق (Google Family Link) للتحكم في وقت الاستخدام، والموافقة على التطبيقات. وضبط إعدادات الخصوصية في كافة التطبيقات لحماية الطفل. إلى جانب بناء علاقة ثقة عبر مشاركة الأهل أبناءهم في استخدامهم للإنترنت، بدلاً من المراقبة الصارمة.
الحوار والتوعية سبيلنا للنجاة
تؤكد ندى أن الحماية لا تتطلب خبرة تقنية متقدمة من قبل الأمهات، بل تبدأ من الوعي والمشاركة.
أضف إلى أهمية تأمين الحسابات من الاختراق عن طريق تفعيل التحقق بخطوتين.
وتختم ندى حديثها بالقول:” الحماية الرقمية ليست فقط تقنية، بل هي علاقة تواصل وثقة تبنينها مع أبنائكِ كل يوم”.
تجد الأمهات أنفسهن أمام تحدٍ يومي في الموازنة بين تربية الأبناء وحمايتهم من مخاطر الإنترنت. وفي ظل هذا الانفتاح الرقمي الكبير، لا يكمن الحل في المنع، بل في التوعية، وتعزيز الحوار، وتوفير بيئة رقمية آمنة تقوم على الثقة والتوجيه المستمر.
ونتذكر دائما بأن الأبناء أمانة، وحمايتهم تتطلب جهدًا مشتركًا من الأهل والمجتمع، لضمان نشأتهم في بيئة صحية وآمنة، قادرة على استثمار التكنولوجيا بوعي بدلاً من أن تسيطر عليهم.
تم توليد الصور بواسطة Ai