هدى حربي – نسوان فويس
في مشهد أدبي يتنامى فيه صوت المرأة اليمنية، تبرز تجربة الكاتبة الشابة أميرة شرهان التي أضاءت “أرق النجوم” في سمائها الإبداعية. رواية إنسانية بطابع وجداني، ولدت من رحم واقع مؤلم، لتُقدم للقارئ دعوة جريئة للبحث عن الذات ومواجهة الحياة بشجاعة. في مقابلة مع منصة نسوان فويس، كشفت أميرة شرهان عن تفاصيل رحلتها الأدبية، التحديات، والإلهام الذي يقف وراء سطورها.
إلهام فلسفي وإنساني
وصفت الكاتبة روايتها الأولى “أرق النجوم” بأنها “رواية إنسانية، تبحث عن حقيقتنا، وعمّا يؤرقنا، بطابع فلسفي ووجداني”. هذا الوصف يعكس عمق الرواية التي تسعى لخلق “زاوية صغيرة يجد فيها الإنسان نفسه، أمام واقعه ومخيلته”، حيث يكون القارئ حرًا في البحث عن ذاته بلا دليل.
لم تكن “أرق النجوم” مجرد نسج للخيال، بل استلهمت أحداثها من واقع أليم. تؤكد شرهان أن “واقع الإنسان تحت القصف: نبضه، رجاؤه، الضربات التي تلقاها من القريب والبعيد” كان هو الشرارة الملهمة.
هذا الارتباط بالواقع المعاش يمنح الرواية بعدًا إنسانيًا عميقًا، يجعلها صدى لأصوات الكثيرين الذين عانوا من ويلات الحرب.
المفاجأة تكمن في المدة الزمنية التي استغرقتها الرواية لترى النور، “لا تنصدموا، لكنها حقًا استغرقت عشر سنوات” تقول الكاتبة، ما يعكس المثابرة والإصرار على إتمام العمل وإخراجه بالشكل الذي يرضي طموحها.
الرسالة الأساسية التي أرادت الكاتبة إيصالها للقارئ هي دعوة للاستمرارية: “استمر في البحث عن ذاتك ومسارك، ولْنخُضْ لعبة الحياة بشجاعة. تذكّر أن أقدارنا ترسمنا دون أن ندرك، وحقيقتنا نصنعها رغم آلامنا.”
بدايات مبكرة وتحديات النشر
أميرة شرهان، ابنة مدينة صنعاء الجميلة، نشأت في كنف أم آمنت بأن العلم ليس مجرد نور وسلاح، بل هو الروح التي لا يحيا الإنسان بدونها. تلقت تعليمها في مدرسة عائشة أم المؤمنين للبنات، وتخرجت من جامعة صنعاء، حاملةً شهادة البكالوريوس من كلية اللغات، قسم اللغة الفرنسية.
يتجلى شغف أميرة في حبها للغات، والفن، والعمل الإذاعي، فقد عملت مُعدة ومقدمة لعدد من البرامج في إذاعة “شباب FM” التي احتضنت موهبتها. كما امتهنت التدريس والتربية والتدريب، ولا تزال تمارس عملها في مجال التعليم الذي وجدت فيه سعادتها وذاتها.
علاقة أميرة بالكتابة بدأت مبكرًا في عام 2013، حيث كانت أولى بداياتها مجموعة قصصية ما زالت تحتفظ بها دون نشر. لم تكن “أرق النجوم” المحاولة الأولى، فالكاتبة كانت ناشطة في الساحة الأدبية، إذ شاركت في جوائز أدبية عربية عديدة، ووصلت إلى القائمة الطويلة في بعضها، وهو ما اعتبرته “إنجازًا”.
كما أحرزت المرتبتين الثانية والأولى في مسابقات محلية للقصص القصيرة وأدب الطفل، مؤكدة أنها تحاول جاهدة في الاقتراب من حلمها.
وعن تحديات النشر تقول: “كوني فتاة” عانت من “شح في المعلومات”، ولم أكن أعرف من يمكنه مساعدتي أو كيفية نشر عملي الأدبي.
تضيف: “كنت قليلة الحركة ولا أعرف إلى أين أتجه، حتى تعرفت على مؤسسة صالون نون الثقافي، وهناك، كفتيات، دعمنا بعضنا كثيرًا، وكنا دليلًا لبعضنا، مما اختصر علينا الكثير من التشتت.” هذا الدعم المعنوي والمهني كان له دور كبير في مسيرتها.
دعم العائلة والأصدقاء
لم تكن أميرة وحيدة في رحلتها، فالدعم المعنوي كان حاضرًا بقوة. “أمي العزيزة كانت ظل روحي ورفيقة دربي حتى النهاية، وكانت أسرتي الواعية والمحبّة بيئة حاضنة ومشجعة لها.” تقول أميرة.
وتضيف أن “للصغار والكبار فيها دور كبير؛ فابنة أختي الصغيرة كانت شرارة إلهامي في قصص الأطفال، أما الشابة الرائعة، ابنة أختي الأخرى، فكانت معي خطوة بخطوة، سرنا معًا لتحقيق حلم مشترك نرسم فيه آمالنا.” كما كان لصالون نون الثقافي والأصدقاء “دورٌ كبير؛ كانوا الروح التي تغذي الموهبة باستمرار.”
وعن ردود الفعل الأولية من القرّاء والمقربين قالت: كانت “جميلة جدًا”، وقد غمروني “بفرحة لا توصف”، مما يشير إلى نجاح الرواية في الوصول إلى قلوب قرائها.
رسالة ودور
توجه أميرة نصيحة للشابات اللاتي لديهن شغف بالكتابة ولم يبدأن بعد: “لا تتخلي عن شغفكِ لحظة. تأكدي أن بذرة الكتابة زُرعت فيكِ لأنكِ خُلقتِ لها.
وأضافت: الأحلام تتحقق شيئًا فشيئًا، فقط علينا أن نؤمن أنها خُلقت لنا وتنتظرنا. لا تخذلي أحلامكِ المنتظرة، ولا تكلي لحظة عن السعي نحوها، مهما كانت المصاعب.”
وعن دور المرأة اليمنية في الأدب اليوم، تؤكد أميرة أن “المرأة اليمنية روح مناضلة، وتسعى بشجاعة لقول كلمتها. هناك الكثير من الإبداع، وصوتها بدأ يتبلور، لكن ما زلنا نطمح للمزيد من الحضور والتقدير”.
تؤمن أميرة بأن لكل إنسان رسالة اختاره الله لأدائها، وبأن رحمته تسخر له ولأجلها الدروب، وتزرع في قلبه محبتها دون أن يشعر. وهكذا يمضي الإنسان في دربه سعيدًا، لا يسأل متى يصل، ولا كيف ستكون الرحلة، لكنه موقن بأن هذا الجمال لن يقوده إلا إلى السعادة. وعلى هذا النهج سارت في طريق الكتابة حتى وصلت، مجسدة بذلك إيمانها العميق ورسالتها في الحياة.