ذمار – صقر أبو حسن
في قصة ملهمة تعكس قدرة المرأة اليمنية على تحويل التحديات إلى فرص، توجت الشابة إكرام الطيبي مسارها في التدريب على صناعة الريزن والكونكريت، وتحف الهدايا، بإطلاق مشروعها الخاص “إكرام آرت”. وتسوق إكرام لمنتجاتها الفنية المبتكرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتُثبت أن الإبداع يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة في ظل الظروف الصعبة.
رحلة استثنائية من القرية إلى ريادة الأعمال
لم يكن طريق إكرام مفروشًا بالورود. كالفتاة الأكبر بين ست شقيقات، دفعتها الظروف الحياتية في محافظة ذمار للبحث عن مجال مهني جديد. اكتشفت شغفها بالصدفة قبل نحو عامين، عندما حظيت بفرصة تدريب مكثف لمدة عشرة أيام في إحدى المنظمات المدنية بمدينة ذمار، وذلك في صناعة “الريزن” – مادة راتنجية سائلة تستخدم في الفنون والديكور – تزامنًا مع سنتها الأخيرة في دراسة دبلوم القبالة.
“تعرفت أثناء التدريب على الأساسيات والباقي تعلمته من الإنترنت”، تقول إكرام مبتسمة، مضيفةً أنها تمكنت بفضل تعاون شقيقاتها من التوفيق بين دراستها وعملها، لتبلغ مرحلة التمكن التي أهلتها لتدريب فتيات أخريات في هذا المجال الواعد.
التزام مزدوج.. التخصص الطبي و”إكرام آرت”
ما يميز قصة إكرام هو عدم تخليها عن تخصصها الأصلي. فهي تعمل حاليًا في الفترة المسائية بأحد المراكز الطبية في ذمار، لتمارس ما درسته في القبالة، بينما تُكرس بقية وقتها لتنفيذ طلبات متجرها الإلكتروني “إكرام آرت”.
تروي إكرام كيف أن “حظها الوافر” دفعها للخروج من قريتها لحضور دورة طبية قصيرة لفتيات ريفيات، لتكتشف بعدها إمكانية دراسة دبلوم القبالة لمدة ثلاث سنوات. “لم أجد نفسي هناك” قالت، مضيفة: “اتصلت بأمي وكلمتها فقالت: سجلي بالذي يعجبك، وأنا لكِ.”
والدتها كانت السند الحقيقي لها، حيث قامت ببيع ذهبها لدعم إكرام في تسجيل الدبلوم. “مررت بكثير من العقبات، لكن الحمد لله أتقدم، لا أرجع للخلف، وأسرتي هي الداعم والمشجع الأساسي لي، فقد كان والدي يدعمني طوال فترة دراستي من خلال عمله في الزراعة.” هذا الدعم الأسري دفع الأسرة للانتقال والاستقرار في المدينة، جاعلين الدراسة أولوية للجميع.
إبداع مستوحى من الجمال وتحديات النمو
تنتمي إكرام إلى منطقة عتمة ذات الطبيعة الخلابة، وقد ألهمها تنوعها الجمالي في تفاصيل إبداعاتها الفنية. تتذكر بحماس بداياتها: “أول أعمالي اشتغلت في الميداليات والحروف والسلاسل، كنت أنام وهن بيدي من حبي للعمل مثل الأطفال عندما يفرحون بلعبتهم.”
مشاعر الفرحة بتسلم أول طلبية، ورضا العملاء، شكّلت دافعًا كبيرًا لإكرام، التي تقول: “يسعدني حين أرى نتائج أعمالي وأرى فرحة ورضا العملاء بطلبياتهم، ويسعدني أنه فتح لي أبوابًا عديدة وتعرفت على أشخاص وصديقات، يسعدني أيضاً حين أتميز بشغلي، يسعدني أني لم أترك في حياتي أي فراغ، ملأت حياتي بالشغف والعمل.”
ترى إكرام أن الاستمرارية وعدم الاستسلام للمعوقات هما مفتاح النجاح. ويُعد نجاحها الأعظم الآن هو عملها كمدربة للفتيات في المساحة الآمنة للنساء والفتيات التابعة لاتحاد نساء اليمن بمحافظة ذمار، حيث تساعدهن على فتح مشاريعهن الصغيرة في صناعة الريزن والكونكريت. هذه المشاريع، رغم صغر حجمها، أصبحت سلاحًا تتسلح به الفتيات لمواجهة ظروف الحياة القاسية، وفتحت لهن آفاقًا جديدة وفرصًا مدرة للدخل تحافظ على خصوصيتهن وتعكس إبداعهن.
دعم الحرف اليدوية.. ضرورة لمواجهة التحديات
لقد ساهمت هذه المشاريع الصغيرة في تحسين الوضع المعيشي للعديد من الأسر، وخلق فرص عمل لمئات الفتيات في مجالات جديدة وحديثة ما زال السوق المحلي متعطشًا لها. ورغم حداثتها، لاقت هذه المنتجات إقبالًا جيدًا، خاصة في ذمار، حيث تشكل إضافة جديدة للسوق المحلي.
وأسهمت مؤسسات ومنظمات مدنية، كالمساحة الآمنة للنساء والفتيات، في توفير فرص التدريب والدعم، مما حول النساء إلى شريكات فاعلات في التنمية المحلية، من خلال دعم الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي للأعمال الفنية اليدوية.
لكن، يعيق اتساع مشروع إكرام وغيرها من المشاريع المشابهة عدة تحديات، منها ارتفاع أسعار المواد الأولية مما يضاعف التكاليف، وعدم وعي بعض الزبائن بجمالية وقيمة هذه التحف اليدوية. كما أن صناعة القطع الفنية من الريزن والكونكريت تحمل مخاطرة سمية بعض المكونات الأساسية. ورغم كل ذلك، تؤكد إكرام: “أحببت أن أعتمد على نفسي وأردت أن أعيش الحياة التي أستحقها.”