منيرة أحمد الطيار _ نسوان فويس
في زوايا الأعراس اليمنية وبين أصوات الزغاريد وتصفيقات الحضور تتردد ألحان تقليدية تؤديها فنانات شعبيات ينشرن البهجة في المناسبات النسائية لكن خلف هذه الألحان، تكمن قصص نضال طويل مع القيود الاجتماعية التي تحرمهن من حقهن في تعلم الموسيقى أكاديميًا، وتفرض عليهن الاكتفاء بالتعلم الذاتي أو التلقي عن فنانات سبقنهن.
في ظل غياب المعاهد الموسيقية التي تستقبل النساء واضطرارهن إلى مواجهة نظرة المجتمع الرافضة لهذا المجال لم تجد الفنانات الشعبيات خيارًا سوى الاعتماد على أنفسهن في تعلم العزف والغناء. فمنهن من ورثت الفن عن والدتها أو إحدى قريباتها، ومنهن من لجأت إلى الإنترنت لتتعلم العزف على العود أو الأورج من خلال مقاطع الفيديو التعليمية. هذه الرحلة الفردية تجعل الاحتراف صعبًا، لكنها لم تمنع الكثيرات من الإبداع والاستمرار.
تعلم بالوراثة
غالبية المُغنيات ورثن المهنة عن أمهاتهن فمهديه عبد الله الحبابي دخلت مجال الفن منذ 9سنوات تعلمت من والدتها إذا كانت والدتها تغني طبل وهي برفقتها، بعد ذلك تعلمت عزف العود والطبل تقول الحبابي ” لم أتعلم في معهد بل كان لدي هواية وشغف وتعلمت في المنزل ذاتيا”.
مهديه ليست الوحيدة التي تعلمت ذاتيا، فالغالبية العظمى للفنانات الشعبيات في اليمن تعلمن العزف على آلة العود إما عن طريق بعض الأقارب لديهن أو عن طريق التعليم في المنزل من خلال اليوتيوب أو مرافقتهن لفنانات يجدن العزف على الآلات الموسيقية والتعلم منهن.
مصدر رزق
لا تهتم خلود- 27عاما- مغنية شعبية، بأن تحصد شهرة أو تطور نفسها بتعلّم النوتات والسلالم الموسيقية والآلات الجديدة، ما يهمها فقط أن تغني بالأعراس والمناسبات النسائية لتأمين مصدر رزقها تقول” في البداية كنت أذهب مع أمي وخواتي للأعراس من أجل معاونتها في دق الطبل والصحن، وبعدها فكرت في تعلم الأورج، بعد وفاة أمي وأختي اهتممت بتكوين فرقة، تعلمت العزف بالعود ليكون لي مصدر دخل، لأنني أحب الفن وأرغب بالتأهيل لكن أسرتنا تمنعني من التصوير أو حضور مناسبات غير نسائية.
غياب
فؤاد الشرجبي رئيس مؤسسة البيت اليمني للثقافة والفنون يرى أن الفن في اليمن لا يزال يعاني من غياب الاهتمام والتقدير الحقيقي من الدولة والمجتمع، ما ينعكس وبشكل أكبر على الراغبات في احتراف الغناء، وتتضاعف معاناتهن بسبب التمييز الجندري.
جرأة وتحدي
الفنانة نبات أحمد أول امرأة يمنية تعزف على آلة العود بدعم زوجها الفنان أحمد الابرش بجرأة متحدية العادات والتقاليد السائدة في مجتمع قبلي محافظ يرى أن دخول المرأة مجال الفن والموسيقى عيب وعار، إذ تعرضت للحبس ثلاثة أيام في المنزل هي وأختها من قبل والدها عندما علم أنهن أصبحن مغنيتين لكنهن أصررن على مواصلة السير في طريق الفن حتى رضخ والدهن الذي انتهى به المطاف بمقاطعة عائلته له.
لا جديد
على الرغم من محاولتهن الغنائية وتعلم الآلات الموسيقة إلا أن غالبية الفنانات الشعبيات لم يقمن بتطوير مهارتهن في اختراع الالحان وأغان جديدة بل بقين يرددن في الأعراس والمناسبات ويقدمن اللون الغنائي القديم التراثي من زفات وأغاني بغيه المقابل المادي وممارسة هوايتهن في الغناء.
تقول أنجيلا -مُغنية شعبية (33 عاماً) – نعتمد في الغالب على التراث الشعبي سواءٌ الكلمات أو الألحان، وكذلك بعض الأغاني الشعبية الجديدة.
هجرة الأصوات
لعدم وجود الدعم والكليات المتخصصة بالفن والموسيقى اضطرت الكثير من الأصوات والمواهب الفنية للهجرة خارج اليمن للبحث عن الدعم والتشجيع فاطمة مثنى فنانة يمنية انطلقت بصوتها العذب وسط تشجيع عائلتها واجهت صعوبات وتحديات من المجتمع لكن ذلك لم يثنيها وجعلها تنمي موهبتها علمياً بالدراسة في المعهد العالي للموسيقى بجمهورية مصر، تقول فاطمة لدي موهبة منذ صغري إلا أنني لم أجد كلية للفنون أو للموسيقى في اليمن لذا سافرت مصر كونها بلد داعمه للفن بأسس علمية.
الفنان سامي غالب يرى أن أبرز الصعوبات التي تواجه المغنيات اليمنيات الافتقار لكليات ومعاهد لدراسة الفن وصقل مواهبهن.
اقبال ضعيف
حتى مع وجود المعاهد الفنية والموسيقية في اليمن يكون الاقبال عليها ضعيفا بسبب النظرة المجتمعية للفن والموسيقى فرانيا بدر خريجة معهد جميل غانم للفنون قسم الموسيقى عام 2015-2016م تعمل معلمة عزف على البيانو داخل المعهد تقول لدي حوالي خمسة طلاب في قسم الموسيقى (تخصص بيانو) في جميع المستويات ولا يزال الإقبال على المعهد ضعيف.
يشرح الأستاذ عبد الله الدبعي مدير الدراسات الموسيقية ومدرس الموسيقة الشرقية والغربية في المركز الثقافي بصنعاء، بدايات الموسيقى في اليمن، والتي بدأت من منتصف الثمانينيات حيث تعلمت الفنانة نبات أحمد العزف على آلة العود وكانت تغني وتعزف في الاعراس والمناسبات والحفلات وأتت بعدها الفنانة جميلة سعد أواخر التسعينيات وبقية الفنانات يستخدمن العزف على الصحن والدف في الاعراس.
وعند ظهور آلة الاورج بنظام السلالم الشرقية بدأت بعض الفنانات تستخدم هذه الآلة للغناء في الأعراس والمناسبات، فبحسب الدبعي كانت معظم الفنانات يغنين على برامج تُعد قبل الحفلة وتقوم الفنانة بالغناء إما دبلجة أو برنامج تغني مع آلة الاورج.
مؤكداً أنه عندما افتتح المعهد التابع للمركز الثقافي بصنعاء مطلع العام 2019م، التحق العديد من هواة العزف شابات وشباب معظمهم من هواة العزف على آلة الكمان والعود والجيتار وقليلاً منهم من هواة الجيتار و الاورج وكان العنصر النسائي الأكثر ولديهن طموح للغناء والعزف في المناسبات وليس الحفلات والاعراس كابتسام عبد الله إحدى خريجات المعهد عازفة عود، وكمان، واروج وطربي “القنبوس”، شاركت ومثلت اليمن محلياً وخارجياً وقائدة الفرقة الوطنية الشبابية.
ويضيف: حاليا لدينا طالبات يتدربن عزف وغناء لغرض العمل في الأعراس والمناسبات.
مسؤول متجر يمن ميوزك لبيع الآلات الموسيقية في اليمن يقول: إن إقبال اليمنيات على شراء الآلات الموسيقية ضعيف وليس كبير، وأن أسعار الآلات الموسيقية يعتبر باهظاً نوعاً ما بحسب الهاويات اللواتي يسألن عن الآلات الموسيقية كالاورج والعود العربي والجيتار وغيره من الآلات الموسيقية.
قمع
وعلى الرغم من وجود مركز للتأهيل وسوق عمل يستقبلهن، إلا أن القيود المجتمعية تكشر أنيابها في وجوه الفتيات اللواتي يرغبن بالتعلم، فهذه أمل الهاوية والمحبة للعزف بالعود تحدثنا عن كيف قابل إخوتها الذكور معرفتهم بأنها تعلمت العزف تقول: في إحدى زياراتي لصديقتي التي تمتلك عود جربت العزف عليه، وأحببت ذلك جدا، وبعد أن تعلمت عندها العزف اشتريت عود خاص بي، لكن بمجرد أن رأوه إخوتي كسروه ونهروني بقولهم “تشتي تقعي مزينة”.