هوية منزوعة بألقاب تمويهية

شارك المقال

سعاد طاهر-نسوان فويس

لم تدرك سهام خالد اسم مستعار (19عاما) إن مشاركة اسمها الحقيقي في دورة تدريبية برفقة أخيها سيؤدي إلى إحراجه أمام أصدقائه ملحقا بها الضرر من خلال عدم السماح لها بحضور التدريب مجددا، فالمتعارف عليه أن بعض أسر العاصمة صنعاء ليومنا هذا لا يسمحن بمشاركة أو قول أسماء قريباتهم حتى لا يتعرضوا للحرج أو التنمر برفقة أصدقائهم. 

تواصل سهام لم أتمكن من مواصلة التدريب وهذا جعلني أشعر بالنقص والغضب ذهبت لوالدي ليحل الأمر تفاجأت إنه يوافق أخي في تصرفه ويحاول إقناعي أن إخفاء الاسم لصالحي وحماية لي ولا يصح مشاركته مع من كان.

بدورها تؤكد رسيله علي (29 عاما) على قدسية اسم المرأة والاستعارة من قوله بوجود الآخرين من قبل الرجال. رسيلة متزوجة وأم لطفل يبلغ ثلاث سنوات من عمره تقول لقد عودنا طفلي على عدم ذكر اسمي أمام أي شخص مهما حصل وإذا سئل فالإجابة هي حواء.

 ومن هنا بداية القصة مع الذكور فهم تعودوا منذ الصغر على عدم التصريح بأسماء أمهاتهم فكبروا على نفس القاعدة وطبقوها على كل فتيات العائلة وهذه عادة منتشرة في بلادنا سببها الرئيسي الوالدين. 

كما إن البيئة المحيطة تساهم أيضا في انتشار مثل هذه الأفكار فالمحيط الذي نعيشه يتعامل مع أسماءنا كونه سر لا يجوز فضحه فالاسم ملك للعائلة، فمثلا اسمي البيت في جهات اتصال زوجي أم أمجد لدى والدي وأخي وهكذا النظام في كافة الأسرة تعودنا على ذلك ولم نجادل مع إني أتمنى أن يناديني زوجي باسمي على الأقل أمام أسرتي ولو بالغلط.

ويوضح ياسر المليكي محامي مهتم بقضايا المرأة”بحسب اطلاعي لا يوجد قانون يمنع ذكر اسم المرأة، بل الواجب هو الإبلاغ عن تسجيل أسماء المواليد إلى مصلحة الأحوال المدنية لتوثيق ولادته. ويجب ذكر أسماء الوالدين في وثيقة الميلاد. وذكر اسم المرأة هنا يعني أنه إشهار لدور المرأة ووجوب أن يذكر اسمها في الوثائق الرسمية. وإذا كانت هذا في الوثائق الرسمية فمن باب أولى أن يذكر اسم المرأة في أي مناسبة أخرى كالزفاف وغيرها.  فقصة منع اسمها هي عادة اجتماعية سيئة وتقليد اجتماعي يكرس في عقول الأطفال الصغار بعدم ذكر أسماء أمهاتهم أمام أقرانهم حتى لا يتعرضوا للتنمر من الأصحاب.

تربية مجتمعية

فكلما كان الطفل لا يرغب بذكر اسم أمه كلما كان أقرانه أكثر حرصا على معرفة اسمها،  ومن ثم التنمر عليه. وانعكست هذه الفكرة حتى على الكبار الذين يشعرون أن معرفة الآخرين بأسماء زوجاتهم وأخواتهم هو منقصة وإن ذلك سيكون محل تعريض به وبأسماء النساء أمام الآخرين.

هوية مزيفة 

اسامي مستعاره وألقاب رمزية يستخدمها الرجال لمناداة النساء تحسبا ألا يعرفن في الوسط الذي يعشن فيه وهنا تقف المرأة عالقة بين اسمها الحقيقي والعادات التي أجبرتها على تقبل الاسم الآخر والتعايش معه. فصفات وألقاب كثيرة لا زالت تتوارى حول هوية المرأة بدون أن تحرك ساكن وبالتالي تلعب السلطة الذكورية في المجتمع اليمني تحت مبرر الحفاظ على العادات والتقاليد دور حاسم في إخفاء اسم المرأة الحقيقي والتعويض عنها بألفاظ مثل يا بنت حجة أم فلان مره مكلف كريمة أو ياي كصوت تمويهي.

بدورها تقول سميرة فؤاد (28عام) من الصعب جدا أن تجد نفسك تنادى بلقب لا تحبه ولا تطيق سماعه مثل حرمة مره أو مكلف مثلا، فهذه الصفات أو الألفاظ الغريبة تشعرني بعدم الارتياح و انزعج كثيرا عند سماعها من الأسرة. فهم يعتبروا مناداة أي فتاة باسمها عيب ولا يحق لأحد من خارج الأسرة معرفة اسم الأم الأخت أو الزوجة فهذا من المحرمات، مع إن الإسلام والشرع كفل لنا حقوقنا ولا يوجد شيء من هذه العادات التي تحرم ذكر الأسماء لكن التفكير المجتمعي والقبلي له دوره الفعال في التمسك بعادات المجتمع.

فأسامي النساء بحسب قولها أصبحت مملوكة لمن له السلطة الذكورية فهي منذ ولادتها متبوعة بنت أخت زوجة أم فلان حتى في دعوات الزفاف لا يكتب اسمها ويرمز له بالحرف الأول، وهكذا عرفها المجتمع بكنية محددة حتى في وسائل التواصل الاجتماعي حسابات أغلب الفتيات مزيفة بأسامي مستعارة حتى لا يعرفن ولا يدخلن في مسائلات فأنا أملك حساب على تطبيق فيسبوك باسم مستعار ولا أحد يعلم عن هويتي الحقيقة هناك سواي. 

الخوف من المجتمع

بدوره يؤكد ياسر المليكي أن لجوء البنات للاسامي المستعارة خوفا من أقاربهن الذين يعتبرون ظهور الاسم عيب بحقهم. وخوفا من المجتمع الذي تخشاه البنت وتفكر بأن إظهار اسمها سيعرضها للتحرش والمضايقات ممن يعرفها. وهنا تتحمل الفتاة جانب من المسؤولية كذلك لإنها لا تستطيع أن تكون لنفسها شخصية تواجه فيها المجتمع. 

وتعود أسباب استمرار هذه الظاهرة كما توضحها ذكرى النقيب مستشارة وناشطة مهتمة بقضايا المرأة إلى أن المرأة عاشت لفترات طويلة في نظام أبوي يحدد أدوار تقليدية للرجال والنساء، هذا النظام زرع نظرة تركز على محدودية إمكانيات المرأة وتحصرها في أدوار معينة كالاهتمام بالمنزل والأسرة. حيث ساهمت العادات والتقاليد على فرض سيطرة الرجل باعتباره المسؤول الأول لتهميش المرأة في مجتمعاتنا.

أسباب مجتمعية 

يقول الباحث الاجتماعي ياسر الصلوي: كل ما يرتبط بالمرأة سواء كان باسمها أو أدوارها وما يتعلق بكينونتها، ابتداء من اسمها لبسها صورتها والمواقع التي تحتلها مرتبط أولا بمكانة المرأة في المجتمع وثقافة المجتمع والمرأة اليمنية مثلها مثل بقية المجتمعات العربية تحتل مكانة دونية مقارنة بالرجل، أي لا يتساوى الرجل والمرأة لذلك النظرة الدونية للمرأة سائدة في المجتمع اليمني وهذه النظرة تنعكس على المرأة بالتأكيد.

وعن أسباب النظرة الدونية للمرأة يضيف الصلوي ثقافة المجتمع اليمني ثقافة ذكورية ويعلي من قيمة الذكور على حساب الإناث، فمثلا نجد الشخص يتفاخر باسم أبيه وجده ولا يذكر اسم أمه إلا في الوثائق الشرعية الرسمية المتعلقة بالميراث وغيره. عدا ذلك لن تذكر خاصة بعد إنجابها ستذكر على هيئة اسم أم فلان لأن الثقافة هنا تلعب دور بالإضافة للطبيعة الجغرافية للمجتمع اليمني وطبيعة تضاريسه الوعرة وعادة هذه البيئة تحتاج قدر من القوة لذلك نجد الذكور يأتوا في المرتبة الأولى من حيث العمارة، لإنها أعمال أسندت للرجال ومن هنا جاءت الأفضلية وسبب التباهي بإنجاب الذكور وساعد على انتقاص المرأة، مع العادات والتقاليد السائدة التي يسود فيها النظام الأبوي الذي يعطي الأب السلطة وصلاحيات واسعة مقارنة بالمرأة، وهكذا يعتبر الرجل في الصدارة ولا يعتد بأدوار المرأة مهما أنجزت فهذه العوامل والأسباب شكلت ثقافة المجتمع في حين أسند للمرأة أدوار محدودة.

 

 فالرغم أن لدينا نماذج لسيدات احتلوا مكانة عظيمة في التاريخ اليمني إلا إن هذا كان على المستوى العام فلم تعطى المرأة مكانة كافية وظلت مكانتها دونية، والمجتمع اليمني منذ القدم حتى وقتنا الحالي مجتمع ذكوري بطبيعة الحال وهذا نتيجة للإرث الاجتماعي والثقافي الذي لا يزال يسيطر على عقول وتفكير الناس فما زالت المرأة تتخوف من ذكر اسمها الحقيقي خشية تعرضها لانتقادات أسرية أو مجتمعية كانت وهكذا تلجأ للتخفي للتعبير عن أفكارها بأريحية دون مضايقات كنوع من الحماية الذاتية.

موقف الدين والقانون

الدين الإسلامي يعزز مكانة المرأة ويؤكد على تكريمها ودورها الفعال في المجتمع، حين قدمها كجزء أساسي من كيان المجتمع أعطاها حقوقا متساوية مع شقيقها الرجل ودعا للاحترام المتبادل والشراكة بين الرجل والمرأة والدين في جوهرة يضمن للمرأة حقوقا ويصون مكانتها. أما التقاليد قد تكون ضد مخاطبة المرأة باسمها فهي ليست جزء من تعاليم الإسلام بل انعكاس لمورثات ثقافية قديمة ولو كان ذكر الأسماء عيبا لما عرفنا بأسماء زوجات الرسول وأمه بناته وغيرهن من النساء حسب قول ذكرى النقيب.

أما عن موقف القانون اليمني تتابع النقيب القانون اليمني يدعم حقوق المرأة بشكل كبير ويؤكد على مساواتها بالرجل في فرص العمل والتعليم حتى المشاركة السياسية. وهناك عدة مواد تضمن حقوق المرأة لكن تنفيذها وتأثيرها يختلف بناء على التحديات الاجتماعية والثقافية في العموم يمكن القول أن التشريعات اليمنية توفر حماية أساسية للمرأة لكن هناك فجوة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي.

وهذا ما يؤكده ياسر الصلوي بخصوص التفسيرات للنصوص الدينية من قبل المتشددين الذين يقدموا تشريعات رجعية تخدم العادات والتقاليد تربط بالدين، وهذا غير صحيح فالدين كفل حق المرأة وكرمها وحفظ لها حقوقها وهويتها وفرض احترامها في المجتمع.

مقالات اخرى