سلمى نهشل-نسوان فويس
تعيش المرأة في وصاب مسلوبة الحقوق الإنسانية، وكأنها خُلقت للعمل وحمل الأثقال فقط، محرومة من الحياة الكريمة والرعاية الصحية والتعليم وحق التنقل بأمان.
سلسلة من المعاناة ترسم لوحة قاتمة لحياة المرأة في هذه المناطق الجبلية. كيف استطاعت هؤلاء النساء الصمود رغم الظروف القاسية؟ وكيف أنجبن كفاءات من أطباء ومحامين ومعلمين رغم الصعوبات؟ تضاريس وصاب الصعبة تحكي قصة كفاح المرأة التي تحملت مسؤوليات جسيمة وتحديات كبيرة، رغم كل العقبات.
عاش أهالي وصاب حياة قاسية على طرق وعرة، وأخرى بلا طرق، محرومين من أبسط الخدمات وغالبًا ما يعيشون في عزلة عن الحضارة. المرأة كانت الأكثر تضررًا من هذه الظروف، ولهذا هجرت الكثير من الأسر قراهم بحثًا عن مستقبل أفضل لأطفالهم، تاركين خلفهم أموالهم وبيوتهم ومزارعهم وذكرياتهم.
طرق شديدة الوعورة
أما الذين بقوا وتمسكوا بالأرض، فتسلسلت معاناتهم بسبب حاجتهم للماء، فمهمة النساء هي جلب الماء وحمله فوق رؤوسهن من أماكن بعيدة قد تصل لمئات الأمتار في مناطق شديدة الوعورة، وقد يتعرضن للسقوط من أعالي الجبال إلى قيعان الوديان إذا أخطأن في خطوة واحدة. لا توجد وايتات مياه قادرة على الوصول بسبب وعورة الطريق.
وبنفس الطريقة، تحمل النساء أسطوانات الغاز، مما جعل الكثير منهن يفضلن جلب الحطب وطهي الطعام بالطريقة التقليدية في التنور الحطب، مما يعرضهن لمشاكل صحية نتيجة الدخان.
كان الحصول على التعليم حلمًا بعيد المنال، حيث تدرس الفتيات حتى المرحلة الإعدادية ثم يتركن الدراسة بسبب وعورة الطريق وبعد المدرسة الثانوية التي تتطلب الوصول إليها ساعتين مشيًا على الأقدام. هذا الأمر يجعل الأهالي يخافون على الفتيات من الخروج في الصباح الباكر والسير مسافة طويلة. الزواج المبكر أصبح مصيرًا حتميًا للكثير منهن، مما حرمهن من طفولة سعيدة ومن فرصة تحقيق أحلامهن. فلا تصل الفتاة إلى سن الخامسة عشر حتى تُزف إلى عريسها، وربما تحمل في هذا العمر طفلها أو طفليها.
صعوبة الحصول للرعاية الصحية
قد يبدو الأمر مضحكا قليلا ولكن حتى في يوم زفافهن يتم نقل العروسة وزفها إلى بيت عريسها مشيا على الأقدام لمسافات طويلة في مناطق كثيرة ليتحول فستان الزفاف من الأبيض إلى الأسود، وكان المعاناة أقسمت أن لا تتركها حتى في اللحظات التي من المفترض أن تكون جميلة.
تبدأ المرأة في حملها دون أن تعرف بذلك إلا عند ظهور أعراض الحمل، ويتأكد ذلك من خلال الجدة – امرأة كبيرة السن تتولى توليد النساء والكشف المبدئي عليهن- المركز الصحي يبعد ثلاث ساعات مشيًا على الأقدام، مما يجعل المرأة تفضل البقاء دون رعاية صحية. وعندما يحين وقت الولادة، تكون المحظوظة من تلد في البيت بمساعدة الجدة، أما الأخريات اللواتي تواجههن صعوبات في الولادة، فقد يبقين في البيت لساعات طويلة، وربما يوم ونصف، قبل أن تُنقل إحداهن إلى المركز الصحي. يتم ذلك عن طريق حملها وتربيطها على نعش الموتى، والسير بها محمولة على الأكتاف عبر الجبال والطريق الوعرة لمدة ثلاث ساعات حتى تصل إلى المركز الصحي.
نساء يمتن في الطريق
قصص عديدة تحكي معاناة النساء في الولادة، منها تجربة عاتقه التي قالت: “أختي حاولت تولد في البيت، لكن بعد يوم كامل قالت الجدة إنها تعسرت ولادتها، ويجب أن ننقلها لأقرب مركز صحي. حملناها على النعش وربطناها فيه، ومشينا ساعتين ونصف حتى وصلنا لأقرب طريق للسيارات. وصلت للمركز وقد فقدت دمًا كثيرًا وتوفيت هي وطفلها.” وفي مناطق أخرى، حيث توجد طرق للسيارات، يتم إسعاف النساء بسيارات الدفع الرباعي وتصل إلى المركز الصحي خلال ساعة إلى ثلاث ساعات.
أخبرتنا وفاء “زوجة أخي، أثناء نقلها إلى المركز الصحي بعد أن تعسرت ولادتها في البيت، انقلبت السيارة بهم وماتت هي وأخي ومن كانوا معهم”
ينهي الطبيب في المركز الصحي سلسلة المعاناة بقوله: “الطريق إلى المركز وعرة جدًا، ولا تصلنا إلا الحالات الحرجة من الولادة، وغالبًا ما تكون قد فقدت كمية كبيرة من الدم، وبعضها يتوفى بعد ساعات أو دقائق. وأحيانًا تصل المرأة في حالة خطيرة تحتاج إلى غرفة عناية مركزة، ويتم تحويلها إلى مستشفى في المدينة، مما يستغرق أربع ساعات ونصف في سيارات الدفع الرباعي. لو تم إسعافها في البداية، لكانت بصحة جيدة هي وطفلها، لكن النساء لا يراجعن الطبيب خلال الحمل للاطمئنان على أطفالهن.
وأضاف الطبيب: وهذا ينطبق على جميع النساء اللواتي لا يحصلن على الرعاية الصحية إلا في الأوقات الحرجة. الأمراض الخطيرة تُكتشف فقط في مراحلها الأخيرة، وأحيانًا تموت النساء بعد مرض طويل دون معرفة السبب، بسبب التكلفة العالية لنقلها إلى المدينة. كما أن النساء هنا يعانين من أمراض عديدة نتيجة حمل الأثقال، مثل أمراض العمود الفقري والفقرات والاحتكاكات.”
يشاركن في بناء المنازل
حتى بناء المنازل يتطلب جهدًا كبيرًا من النساء، حيث يعملن على نقل مواد البناء مثل الأسمنت والحديد والحجارة، إذ تصل شاحنة المواد إلى آخر طريق يمكن سلكه، لتقوم النساء بنقلها. ومع ذلك، هناك بعض الأسر التي أعفت النساء من هذه المهمة في السنوات الأخيرة. ولا ننسى دور المرأة في الحقل، حيث تعتني بالزرع طوال فترة الزراعة، وتشارك في الرعي والاهتمام بالمواشي.
ورغم كل هذه الصعوبات، تتميز نساء وصاب بالقوة والإصرار؛ فهن يشاركن بفعالية في إنتاج العسل، حيث تعتبر وصاب من المناطق الغنية بالعسل ويعد عسلها من أجود الأنواع في اليمن. يمثل هذا المشروع مصدر دخل أساسي للأسر، وخاصة للنساء. لكن بسبب صعوبة التنقل، يضطرون لبيعه بأسعار منخفضة في أسواق القرية أو المناطق المجاورة. أما من يستطعن تسويقه في المدينة، فتزداد تكاليف المنتج بسبب ارتفاع تكاليف النقل، مما يجعل السكان في المدينة يعزفون عن شرائه رغم جودته العالية. وتعاني رائدات الأعمال في المجالات الأخرى، مثل الأشغال اليدوية وتربية المواشي، من نفس التحديات.
الأسعار هنا تكون أضعاف الأسعار الحقيقية بسبب وعورة الطرق، حيث يُعتمد على الحمير والبكرات الحديدية المعلقة بين الجبال لنقل البضائع، مما يرفع تكاليف النقل ويؤدي إلى تلفها في كثير من الأحيان.
أكتب وصيتي قبل السفر
رغم جمال المنطقة الساحر، فإن السياحة فيها تكاد تكون منعدمة، حتى أهالي المنطقة الذين غادروها يفضلون عدم العودة خوفًا من وعورة الطريق. يقول عبد الله: “عندما أسافر، أكتب وصيتي وكل الديون التي عليَّ وأرسلها لأخي، وأنطق الشهادتين لأنني قد أموت بحادث في الطريق.”
وفي 2019 قرر أهالي المنطقة الإعلان عن مبادرة مجتمعية لشق وتعبيد طريق يحضر جبل مطحن خميس مطلق بطول 53كم وعرض 12-16 متر و بتكلفة 12 مليار ريال يمني، بمساهمات مجتمعية بحتة.
تحدث رجل الأعمال منصور المطحني، مدير المشروع، عن أهمية الطريق قائلاً: “الطريق ضرورة لا يمكننا الاستغناء عنها، ولذلك قررنا شقها وتعبيدها بمساهمة رجال الأعمال والتجار والمغتربين وأهالي المنطقة. كنت أول المتبرعين بمبلغ 500 مليون ريال يمني، واليوم بلغ إجمالي المساهمات 2 مليار ريال، وما زلنا بحاجة إلى المزيد.”
من الموت إلى الحياة
وأكد المطحني أن الطريق ستخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن الموت إلى الحياة، حيث يمر من 200 قرية ويستفيد منه ثلاث محافظات هي ذمار، إب، والحديدة. واختتم حديثه بالإشارة إلى دور النساء العظيم في دعم المشروع، سواء بتبرعهن بأموالهن ومجوهراتهن التي وصلت إلى عشرات الملايين، أو بصنع الطعام والشراب للعمال رغم وجود طباخ خاص بالمشروع.
ذكر رجل الأعمال نصر المطحني: “الأسعار الآن انخفضت بشكل كبير، وصار نقل البضائع أسهل. الكثير من الأسر بدأت تعود لأموالها لزراعتها وتسويق منتجاتها في المدينة. ونحن نفكر الآن في بناء فنادق لاستقبال الزوار والسياح للاستمتاع بجمال المنطقة وهوائها.”
ماجدات
أضافت أم وائل، قائدة حملة “الماجدات”: “أطلقنا حملة باسم الماجدات لتبرع النساء، وجمعت الحملة عشرات الملايين من خلال التبرع بالمجوهرات وبيعها في مزاد لأهالي القرية، بالإضافة إلى التبرعات المالية. المبلغ لا يشمل الأراضي والوديان التي مرّت منها الطريق، وهي ملك للنساء ولم يعترضن على ذلك. الحملة كانت السبب الرئيسي لاستمرار العمل عندما كان على وشك التوقف عدة مرات.”
أردفت هايلة قائلة: “الآن بعد شق الطريق في قريتنا، استطاع الحفار الدخول وحفر بئر، مما سهل حمل الماء لمسافات قصيرة. وقد أرسلت ابنتي لإكمال تعليمها، وإن شاء الله بعد أن تصبح دكتورة، ستعود هنا لمساعدة نساء قريتنا.”
وأهم ما يمكن أن يختتم به هذا التقرير هو أن الطريق إلى المركز الصحي أصبح الآن ساعة وربع مشيًا على الأقدام أو ربع ساعة بالسيارة. لكن هذه المعاناة لا تزال مستمرة للعديد من القرى التي لم يصل إليها المشروع، ومناطق أخرى في وصاب لا يزال الطريق بعيدًا عنها، مما يتطلب مبادرات جديدة إذا لم تسعَ الدولة للتخفيف عن معاناة الأهالي.
إن قصة المرأة في وصاب هي قصة كفاح وتحدي، وهي قصة تستحق أن تروى لكي نتعلم منها ونستلهم منها القوة والإرادة. ونأمل أن يشهد المستقبل تحسنا في أوضاع المرأة في وصاب وان تتمكن من العيش بكرامة.