مروى العريقي – نسوان فويس
أرادت أم نزار اخراج مستأجر منزلها من أجل العيش فيه، تحدثت معه بعد انتهاء عقد الإيجار، رفض الخروج منه وطلب فترة للبحث عن منزل، أبلغت عاقل الحارة بذلك وسلمته إشعارا ليكون الوسيط بينها وبين المستأجر.
المرأة الستينية لا تعرف أنها وقعت ضحية بين أشخاص انعدمت فيهم المروءة والقيم النبيلة، فمستأجر منزلها وعاقل حارته أصدقاء، وتعمدا مماطلتها لأكثر من عام، دون حول لها ولا قوة. بعد أن رفض العاقل منحها إفادة بأنه أبلغ المستأجر بالخروج من المنزل، لجأت إلى قسم الشرطة.
بعد إصرار أم نزار على تقديم شكوى إلى قسم الشرطة، وبدلا من أن يقوم العاقل بمهامه في هذه الشكوى التي وصلته والتوقيع على إشعار الإخلاء، ومطالبة المستأجر بالخروج، ذهب للشهادة معه في قسم الشرطة بأنها تريد إخراج المستأجر من منزلها على الرغم من أنه ملتزم بدفع الايجار لها.
في أحد أشهر الأحياء القديمة بالحالمة تعز، لم تجد أم نزار من ينصفها في شكوتها هذه تتحدث إلينا بحرقة” زادوا عليا يا بنتي، أني مرة وحدي ما معيش رجال يوقفوا معي، حتى مدير القسم رحت اشتكي ما سمعنيش وقال لي روحي المحكمة.
باخرج بكيفي
رفض العاقل الرد على اتصالاتنا له، بينما أوضح مدير قسم المدينة العقيد عدنان الدعيس بأنها رفضت الاحتكام إليه بأن يدفع المستأجر الإيجارات المتأخرة عليه وتمهله مدة جديدة لـ 3 أشهر قادمة حتى يجد منزل آخر.
جاء رفض أم نزار لهذا الحكم نتيجة لعلمها بمراوغة المستأجر، إذ تقول”المستأجر قال لي لوجهي ما بخرج بكيفك بخرج بكيفي. ومدير القسم ما سمع شكوتي أصلا، كل همه المستأجر أنه معه مدارس، وأني اجلس مشرد من بيت لبيت!
تريد أم نزار إصلاح منزلها الشعبي، جراء تسريب ماء في الحمام والمطبخ، نتيجة سوء الاستخدام، وكذا تسريب السطح نتيجة تجمع ماء المطر فيه لعدم تنظيف مجرى المياه (المسارب). التي قدمت إلى المدينة بحسب اتفاقها مع العاقل الذي أوهمها بأنها ستستلم منزلها في أكتوبر الماضي، بعد انتهاء مهلة المستأجر.
رأي القانون
وفقا للمادة (50) من القانون رقم (22) لسنة 2006م الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فإنه يجب على المستأجر رد العين المؤجرة عند انتهاء عقد الإيجار فإذا أبقاها تحت يده دون وجه حق رغم معارضة المؤجر وتنبيهه بأي من طرق الإنباه المعتبرة بعدم رغبته في تجديد العقد كان المستأجر ملزماً بدفع تعويض للمؤجر يراعى في تقديره الأجرة اللازمة وما أصاب المؤجر من ضرر جراء عدم إخلاء العين المؤجرة.
على الرغم من النص الواضح والصريح في نص المادة، انحاز مدير القسم إلى المستأجر رافضا خروجه من المنزل بحجة أن لديه أطفالا في المدارس دون أن يكلف نفسه التحقق من إدعاء المؤجر بهذه الحجة!
في زيارتي مع الخالة أم نزار لمنزلها وجدت أطفال المستأجر، يتراوح أعمار طفليه من 5 الى 2 ونصف! تحدثت مع زوجته عن عدم سبب خروجهم لكنها رفضت التصريح لي وقالت”تفاهموا مع زوجي.
سؤال يضع نفسه هنا، هل القانون حبرا على ورق، أو أنه لا يطبق إلا على الضعفاء، ماذا عن انصاف هذه السيدة جراء الضرر الذي لحقها من تشرد طول أكثر من شهر، وتكبد مشقة السفر بين مدينتين للوصول إلى منزلها الذي لم تستطع استعادته.
تحذيرات
أينما تولي المرأة اليمنية وجهها تجد سياج العادات والتقاليد في البلد تحيطها من كل اتجاه لا لشيء إلا لكونها امرأة! مناطق متفرقة من اليمن تحترم هذا الكائن، لكن هذا لا يعني عدم وجود من ينتقص منها ويكيد لها.
بحجة العادات والتقاليد لا تدخل المرأة قسم شرطة وبذات الحجة عليها قبول ما يقوله الرجال فقط، وبذات الحجة أيضا لا يستمع لها حتى وإن كانت تبحث عن حقها المغتصب، على عكس الرجال الذين يحلون مشاكلهم في مجالس القات ويعقدون الصفقات والاتفاقات ويستطيعون إيجاد أي مسؤول في أي وقت وتحت أي ظرف.
واجهت المرأة الوحيدة سيل من المخاوف والتحذيرات إزاء ما قد تتعرض له في المحكمة كونها امرأة، قد تتعرض للخداع مجددا وتستنزف ماليا، داعمين هذه المخاوف بالمثل الشعبي الشهير ” حكم اعوج ولا شريعة سابر!”. ويمكن القول بأن هذه التحذيرات والمخاوف تقال للنساء أثناء تعرضهن للخلافات، قد شكلت سياج عصي على المرأة كسرها، وسط مجتمع حريص على الالتزام بالعادات والأعراف والتقاليد.
القانون هو العرف
ويرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمود البكاري أن المجتمع يعتبر هذه المنظومة قانون عرفي وضوابط اجتماعية يتحدد في إطارها دور المرأة في مهام محددة لا تستطيع تجاوزها ومن ذلك الدفاع عن نفسها في أي موقف أو مشكلة لأن ذلك يعتبر انتقاص من قيمتها وحتى لا يقال بأنها ليس لها رجال يحموها ويدافعوا عنها!
ويستدرك البكاري، الوضع الحالي نجد أن النساء في بعض المناطق الحضرية تستطيع أن تحمي وتدافع عن نفسها، مستشهدا بوجود الكثير من المحاميات.
فبحسب البكاري فالمسألة قد لا تحتاج أكثر من الوعي القانوني الذي بموجبه يتم انتزاع الحقوق من المعتدي سواء رجل أو امرأة.
عملت مالم يستطع فعله ولكن!
من جهتها ترى الباحثة ايمان باصيد بأن المورث اليمني مليء بالأمثال الشعبية التي تنتقص من المرأة في الوقت الذي استطاعت فيه المرأة اثبات نفسها بعد أن تسلحت بالعلم في مختلف المجالات.
و تستطرد: كذلك المرأة في الريف عملت ما لا يستطيع عمله الرجل، شاركت في الحياة سوى في العمل على الزراعة في ظل غياب رب الأسرة لسنوات طويلة فأصبحت الرجل الذي يحمي بيته وحقله ويهتم به، والمرأة التي ترعى أطفالها وبيتها.
وتضيف: مع ذلك العادات والتقاليد قيدت المرأة، فالمرأة لا تتأخر، المرأة لا تسافر، المرأة لا تتحدث، فالمتحدث هو الرجل!. وبحسب باصيد هذه كلها ما هي إلا نظرة دونية قاصرة في حق المرأة تلاحقها بينما الواقع اليوم، المرأة درست في الجامعة، نافست الرجل في الصفوف الدراسية وتفوقت عليه.
استعانت أم نزار بأحد اقربائها الشبان للحصول على التزام خطي من المستأجر بالخروج من المنزل، بعد مفاوضات حول المدة التي سيقضيها المستأجر قبل الإخلاء، تركنها وهي ترفع يدها لخالقها تحتكم إليه، فهو الوحيد الذي يسمعها.
في مجتمعاتنا العربية تنتشر ثقافة تقسيم الأدوار بين الجنسين فالرجال يواجهون مشاكلهم كونهم رجالا فقط، أما النساء دائما ما تحتاج الرجل كان أب أو أخ أو زوج أو ابن، لتواجه مشكلة يستقوي عليها خصم يظن أنه قوي فقط لأنه رجل!