نساء ملهمات .. رندا صالح تزرع الأمل في قلوب 65 طفلا مصابا بمرض الضمور الدماغي بمحافظة الضالع

شارك المقال

علاء السلال _ نسوان فويس


” توفيت أختي بفعل إصابتها بمرض الضمور الدماغي وكان عمرها ١٧ عاما، بعد رحلة عذاب طويلة مع المرض في ظل إنعدام الرعاية الصحية بمحافظة الضالع ، وغياب الاهتمام والدعم النفسي والمادي للأطفال المصابين بهذا المرض، وبرغم حزننا ووجعنا بهذا المصاب الجلل إلا أنني اهتديت لفكرة إنقاذ الأطفال ومساعدتهم والتخفيف من أوجاعهم وانطلقت بمبادرة طوعية تحت شعار “معا من أجل أطفال الضمور الدماغي”

هكذا لخصت الأستاذة رندا صالح أهداف ومنطلقات مبادرتها الاجتماعية القيمة، التي انطلقت بدافع إنساني نبيل، محولة الحزن الذي أصاب العائلة بسبب فقدان أختها آيات بعد 16 عاما من الصراع مع مرض الضمور، وحققت نجاحات كبيرة في هذا الاتجاه، حيث استطاعت الوصول إلى ٦٥ طفلاً بالمحافظة مصاباً بمرض الضمور وقدمت لهم الدعم المادي والنفسي والعلاجي.

ولم يكن الأمر يسيرا عليها وواجهت الكثير من التحديات والمتاعب، منها ما يتصل بالعادات والتقاليد التي تقيّد خطوات المرأة في بيئة اجتماعية محافظة، ينتشر فيها الزواج المبكر وفي الغالب ينتهي تعليم الفتاة عند إكمال الثانوية العامة إلا من إستثناءات قليلة، فضلاً عن الظروف المادية الصعبة التي تعيشها غالبية الأسر، في ظل الاعتماد على الذكور الذي ينخرط معظمهم في سن مبكرة في السلك العسكري والأمني.

رندا صالح ..إنسانة بروح فنانة متعددة المواهب 

رندا صالح عبيد من مواليد محافظة الضالع تبلغ من العمر 39 عاماً حاصلة على درجة البكالوريوس تخصص لغة إنجليزية من كلية التربية- الضالع وتمهيدي ماجستير في كلية اللغات جامعة عدن.

تعمل كمعيدة في قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية الضالع، وأستاذة في معهد تيتش مي للغات، وتمتلك مواهب متعددة منها الرسم، حيث حصلت في العام 2008م على جائزة رئيس الجمهورية في الفن التشكيلي، وحظيت بتكريم يليق بموهبتها الفذة، وتسعى إلى تحقيق مزيد من النجاحات على المستوى العملي والإبداعي وعلى المستوى العلمي، والإنساني.
وتعد واحدة من النساء الفاعلات في محافظة الضالع، بوصفها صاحبة مبادرة إنسانية وخيرية نبيلة، نجحت من خلالها في التواصل مع المجتمع، والتأثير على وعيه، وتعزيز ثقته بدور المرأة المتعلمة والعاملة، وهي أي رندا نموذج نسوي يشكل فارقاً في تغيير الصورة النمطية للمرأة، ويخرجها من شرنقة العادات والتقاليد التي تحصر دور المرأة في البيت وتربية الأطفال.

بداية الإنطلاق ودور العائلة الداعم للعمل الإنساني


يبدأ نجاح الأشخاص بفعل دعم العائلة أولا والمجتمع ثانيا، ليأتي بعد ذلك تقدير الدولة ورعايتها، وحينما يتعلق الأمر بنجاح النساء تبرز بعض العراقيل ذات الصلة بالنظرة النمطية لدور المرأة ومكانتها في المجتمع، ولنا في مبادرة رندا صالح مثال حي لذلك حيث انطلقت رندا صالح في مبادرة “معا من أجل أطفال الضمور ” في العام ٢٠٢٢م، وخلال فترة وجيزة جداً وصلت لقرابة ٦٥ طفلاً في مدينة الضالع عاصمة المحافظة.
تقول رندا صالح لمنصتي” الفانوس، ونسوان فويس ” عقب وفاة أختي بعد صراع مرير مع مرض الضمور في العام ٢٠٢٠م خيم الحزن في بيتنا الصغير، وتغلغل في كل تفاصيل حياتنا، لكن ذلك لم يكن حلا للمشكلة ولم يستطيع أن يعيد أختي للحياة”

وتضيف ” لذلك انطلقت في العام ٢٠٢٢م في مبادرة ” معا من أجل أطفال الضمور ” وكانت محاولة للخروج من الحزن، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأطفال المصابين بالمرض، وبالذات من الأسر محدودة الدخل والفقيرة، وكانت وجهتي الأولى المدارس والمعاهد ودور القرآن وهناك بدأت بتوعية الطالبات والطلاب وتعريفهم بالمرض وحثهم على ضرورة دعم هؤلاء الأطفال الشريحة المبتسمة رغم مرارات الحياة وأوجاع المرض”

وتردف” استهدفنا عدداً من المدارس من خلال برشورات تعريفية بمرض الضمور ومحاضرات كنا نلقيها على الطلاب في الطابور الصباحي والفصول الدراسية، ووجدنا تفاعلاً ملحوظاً من قبل المعلمين والمعلمات والطلاب”

وتتابع رندا حديثها عن البدايات ” كان لعائلتي المكونة من ٣ أخوة وأختين وأم ثكلى على بنتها دور كبير في دعمي وتشجيعي، حيث استطعت أن أوفر لعشرين مصاباً بالضمور بعض احتياجاتهم كالحفاضات والعصائر والحليب والجبن في بداية الأمر، ثم تطورت إلى استهداف 40 طفلاً حتى وصلت إلى 65 مستهدفا في عموم مدينة الضالع”

 تفاعل المجتمع الضالعي مع المبادرة النسوية


في مجتمع محافظ ومحاط بالكثير من التابوهات التي تزرع العراقيل في طريق النساء تكون التحديات كبيرة، تقول رندا” في بداية أي فكرة يقف المجتمع ضدها لكنه سرعان ما يشجع صاحبها وهذا ما حصل معي حيث كان التفاعل ملحوظاً من خلال الدعم السخي لـ٦٥ طفلاً مصاباً بالضمور”

وتتابع رندا” حينما يضع الإنسان برأسه هدفاً إنسانياً يخفف به من معاناة الناس ويبتغي به إرضاء الله سينجح ويصل إلى مبتغاه وإن وجدت بعض العثرات والعراقيل سيتجاوزها حتماً بإصراره وعزيمته ولن يقف بطريقه شيء يعيقه”

مدير عام مكتب الثقافة بمحافظة الضالع الأستاذ علي محسن سنان يشيد بالمبادرة ويعتبرها رافعة حقيقة لعمل إنساني وخيري في محافظة الضالع ويقول” عايشت الأستاذة رندا هذا المرض لمدة 16 عاماً مع أختها آيات صالح عبيد رحمة الله عليها التي توفيت في 22 ديسمبر 2020م بعد معاناة وتعب وإرهاق مادي ونفسي ومعيشي وأسري مما حدى بها أن تقوم بمبادرة إنسانية وبجهود شخصية للاهتمام بهذه الفئة من الأطفال فالمعاناة دوماً تخلق الأبداع والتميز والتحدي والأصرار، وتحول السلبي إلى إيجابي”.

بمبادرتها الإنسانية النبيلة وبتعاون أخيها منير صالح عبيد ويضيف” نفذت فكرتها وبخطوة مباركة أولية قامت بمسح أولي لهذه الفئة في المدينة وضواحيها وكنتيجة أولية بلغ أعداد الأطفال المصابين 30 طفلا قابل للزيادة عند استكمال المسح الأولي وعملت على تنفيذ مشروعها والتي تشكر عليه في زمن يعد فيه مثل هكذا عمل خيري إنساني ضوء وسط عتمة الظروف المعاشة”

ويردف” حصلت مباردة رندا على تفاعل وتجاوب كبيرين من قبل الطالبات في مدرسة صالح قاسم الأساسية وثانوية عائشة للبنات، إلى جانب تفاعل إدارة المدرستين والمعلمين والمعلمات، وبالفعل كانت الخطوة الأولى زيارة أطفال الضمور إلى منازلهم وتقديم الهدايا التي أثرت في نفوس الأسر والأطفال المصابين وزعت في قلوبهم الفرحة والسعادة”

الصعوبات والعراقيل


وعن الصعوبات التي واجهتها تقول رندا “واجهت بعض الصعوبات والعراقيل في بداية إنطلاق المبادرة تتمثل بعدم تقبل المجتمع الضالعي لفكرة انخراط المرأة في العمل الخيري والإنساني، ولا يحبذ رؤية المرأة في الشارع تزاحم الرجل سواء في الأعمال الخيرية أو غيرها، لكن بالإصرار تقبلوا الفكرة واصبحوا يقفون معي ويسندونني”
تعتمد رندا صالح في مبادرتها الإنسانية على تبرعات التجار ورجال الخير بمحافظة الضالع، وكلها أمل في تفاعل الجهات المعنية بالطفولة داخل اليمن وخارجها، لما لذلك من أهمية كبيرة في توسع نشاطها ليشمل المناطق الريفية بمحافظة الضالع، حيث تستطيع أن تساهم في التخفيف من معاناة الأطفال، وتساعد أهاليهم في تلبية متطلبات العلاج والرعاية.

وفي هذا الإطار دعا الأستاذ علي محسن سنان مدير مكتب الثقافة بالضالع دعم المبادرة بقوله” أناشد الجميع لتقديم ما يستطيعون لمساعدة هذه الفئة ودعم مشروع الأستاذه رندا وتوسيعه وتطويره ليشمل كل المناطق في المديريات للمحافظة، وإيلاء مزيداً من العناية والأهتمام بهؤلاء الاطفال ومساعدة أسرهم وتقديم الإمكانيات والتدخلات المساعدة اللازمة لهذه الحالات وعلى الجهات المختصة والجمعيات المهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة دراسة هذه الحالات وأسبابها وحجمها ومحاور ومجالات التدخلات للأخذ بهذه الفئة نفسياً وصحياً واجتماعياً وتعليميا، وتبني هذا المشروع الخيري والحيوي وإلهام الذي يخدم هذه الفئة”

أحلام وتطلعات نسوية مشروعة
ابتهال علي فتاة ضالعية تخرجت من الثانوية العامة بتقدير ممتاز، ولم تسمح لها الظروف المادية باكمال الدراسة الجامعية، تشيد بدور رندا صالح وتعتبرها بارقة أمل على طريق مستقبل الفتيات في المحافظة، وترى أن هذا النشاط يعد إلهاما لفتيات مفعمات بالنشاط والإبداع، ولديهن توثب نحو العلم والعمل، ومشاركة الرجل في مختلف ميادين العمل والإنتاج.
تقول ابتهال لمنصتي “الفانوس، ونسوان فويس” تعاني محافظة الضالع الكثير من الأهمال في جوانب عديدة، منها الخدمي والتنموي، والرعاية في مجال الصحة والتعليم، فضلاً عن غياب الأنشطة والفعاليات التوعوية حول الكثير من الظواهر السلبية، ومنها تغييب صوت المرأة، وهضم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية”

وتضيف” ما نحتاجه اليوم في المحافظة هو الأيمان بعقل المرأة وتمكينها، ومنحها مساحة من الثقة للتحرك دون قيود، وأنا على ثقة أن المجتمع الضالعي سيتفهم هذه الحقوق، وسيتفاعل معها، كما حصل مع رندا صالح التي تمكنت من الإنطلاق بجهود شخصية خالصة، ونجحت في أحداث تغيير إيجابي”

مرض الضمور الدماغي وطرق التعامل معه


شهدت اليمن في السنوات العشر الأخيرة تزايداً ملحوظاً في أعداد الأطفال المصابين بمرض الضمور الدماغي خاصة لدى الأطفال بنسب تجاوزت 40%، بحسب تقارير صحفية ولا توجد إحصائيات رسمية من وزارة الصحة اليمنية بسبب أوضاع البلاد وظروف الحرب.

معاناة أهالي المرضى تتفاقم يوماً بعد آخر في رحلة البحث عن أدوية لأطفالهم في ظل تدهور واضح في القطاع الصحي وغياب المنظمات الفاعلة في هذا المجال لتأتي بعض المبادرات الخيرية الإنسانية في محاولة لتغطية غياب الجهات الفاعلة والتخفيف من معاناة مرضى الضمور الدماغي ومحاولة مشاركة أهاليهم ولو بأبسط المساعدات وتخفيف القليل من معاناتهم.

مرض الضمور الدماغي

ويعرف الدكتور فكري أحمد وهو أخصائي نفسي مرض الضمور الدماغي بأنه أحد الأمراض العصبية التنكسية التي تصيب خلايا الدماغ بالتلف، وهو أحد الأمراض المزمنة التي تمثل تحديا كبيراً في مجال الطب، نظراً لطبيعته المزمنة، والتدهور التدريجي في وظائف الدماغ، كما أنه بحسب وصفه لا يقتصر على الجانب الجسدي، بل يمتد ليشمل الجانب النفسي للمريض، ويصيب العائلة بعزلة اجتماعية.

لذلك حسب ما يقول فإن العلاج الحالي يركز في الغالب على التخفيف من الأعراض وتحسين جودة الحياة، وزيادة الوعي والدعم المجتمعي للمرضى ومقدمي الرعاية، وهذه الشريحة محتاجة للمساعدة ، خاصةً أن هذه الأمراض تؤثر على الأفراد بشكل شخصي وتدريجي وتعزلهم عن المجتمع وعن ممارسة الحياة بشكل طبيعي

ويشيد الدكتور فكري أحمد بمبادرة رندا صالح لما لها من أثر نفسي وإنساني ملموس يخفف من أوجاع الأطفال المصابين، ويساعد أسرهم في توفير بعض الاحتياجات، في ظل ظروف معيشية قاهرة أنتجتها الحرب وتباعاتها الإقتصادية السيئة.

تم إنتاج هذه المادة بالشراكة مع منصة الفانوس .

مقالات اخرى