كيف أثّرت الحرب على الصحة الجنسية والإنجابية في اليمن؟

شارك المقال

نجيب علي العصار _ نسوان فويس

كان حلم ثريا، 27 عامًا، أن تنجب طفلة إلى جانب أخويها، تداعبها وتربيها كما تفعل نساء القرية النائية الواقعة في ريف محافظة ذمار جنوب اليمن.

يقول عادل ناصر لـمنصة “نسوان فويس” أن زوجته الشابة فارقت الحياة بعد ولادة طبيعية في منزلها، وبعد الولادة بساعات ازدادت معاناتها وشحب لونها، فاضطرت أسرته لنقلها إلى مستشفى بمدينة يريم لتصل إلى هناك بعد أن فارقت الحياة”.

قضت “ثريا” وهي لا تزال في ريعان شبابها، مخلفة 3 أطفال أيتام، ورقمًا جديدًا في سجل وفيات الأمهات في اليمن. 

مؤشرات مخيفة

وكل يوم تموت في اليمن 6 نساء بسبب مضاعفات الحمل والولادة، وتعكس إحصائيات وزارة الصحة العامة والسكان، وتقديرات المنظمات الدولية العاملة في اليمن، ومنها منظمة الصحة العالمية، أن وفيات الأمومة في اليمن تمثّل الرقم الأعلى في إقليم شرق المتوسط.

ووفق لتلك البيانات فإن المؤشر الخاص بوفيات الأمهات في اليمن، كان قد شهد انخفاضاً ملحوظاً، وصل إلى 148 وفاة لكل 100 ألف ولادة حيّة، حسب نتائج المسح الديموغرافي الصحي عام 2013م، وارتفع في 2018م إلى حوالي 500 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، ثم انخفض ووصل إلى 184 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حيّة، خلال العام الفائت 2023م.

وتوقعت البيانات، أن تشهد اليمن 2.7 مليون ولادة خلال العام الجاري 2024م، ما يعني بأن هناك عددًا كبيرًا ربما لن يستطيع الحصول على الرعاية التوليدية الطارئة.

ومع ذلك، تُعتبر النساء والفتيات في اليمن الأكثر عرضة للخطر، حيث تشير التقديرات إلى أن 73% من بين حوالي 4 ملايين نازح في اليمن نساء وأطفال، في حين أن حوالي 30% من الأسر النازحة تعولها، حاليا، نساء، كما أن ما يقرب من 65% من النساء في جميع المحافظات لا يتلقين الرعاية الصحيّة أثناء الحمل.

وانعكست الحالة الاقتصادية، التي تسببت بنقص متزايد في المواد الغذائية، على صحة النساء، إذ تُعاني أكثر من مليون امرأة حامل من سوء التغذية، وهن معرضات لإنجاب أطفال يعانون من مضاعفاتٍ بدنية وصحية مُزمنة، وأن قرابة مليوني امرأة حامل ومرضع لديهنّ فرصا محدودة، أو قد تكون معدومة خلال العام الجاري، فيما ما تواجه 5,5 مليون امرأة في سن الإنجاب (من 15 إلى 49 سنة)، بما في ذلك النساء الحوامل والمرضعات، تحديات في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية ، وعلاوةً على ذلك، فأن من بين كل (10) حالات ولادة ، تتم (6) ولادات دون وجود قابلة مؤهلة ، بحسب أحدث تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن.

غياب مفهوم الصحة الإنجابية

من ناحيته، يقول البروفيسور أحمد قائد علاو، استشاري دولي في الطب الإنجابي، أن مفهوم الصحة الإنجابية مظلوم ومُقدّر بأقل من قيمته الحقيقية في اليمن، وغالبًا ما يتم تجاهله، مؤكداً أن المؤشرات المتوفرة عن الصحة الإنجابية تؤكد أن 20 بالمائة من السكان يُعانون من نقص في خدمات الصحة الإنجابية، ويرى أن ثمة حاجة لجهد أكثر تركيزاً لتوسيع ديمومة الخدمات الصحية في اليمن خصوصا للسكان الفقراء والمحرومين من خدمات الرعاية الصحية.

ودعا علاو في حديثه لمنصة “نسوان فويس” الجهات الرسمية لمواكبة التطورات الحديثة في مجال الصحة الإنجابية، وإيلائها اهتمامًا أوسع في الجامعات اليمنية، بما فيها الجامعة الأم “جامعة صنعاء”، نظراً لحاجة البلد إلى أخصائيين في الطب الإنجابي.

وفيات الأمهات

وفي ذات السياق، يعزو تقرير حديث للأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان في صنعاء، ارتفاع وفيات الأمهات في اليمن إلى التأثيرات المباشرة للحرب، والفقر والنزوح القسري للغالبية من النساء، بالإضافة إلى سوء التغذية وتدن مستوى خدمات الرعاية الصحية في بعض المستشفيات، وشح الإمكانات المادية المرصودة لرعاية الحوامل.

ولفت تقرير “حال سكّان اليمن لعام 2023م” إلى أن مـا يقـارب مـن 7 ملايين امـرأة فـي سـن الإنجاب تعانـي مـن مضاعفـات الحمـل والولادة، كما يتعرضن لضغـوط نفسـية هائلـة خلال فترة الحمل والولادة نتيجـة للأوضاع المعيشية، في ظل عدم توفر خدمـات طبيـة للأمومة والطفولـة إلا فـي مرفـق واحـد مـن بيـن 5 مرافـق صحيـة لا تـزال تعمـل.

وطالب التقرير وزارة الصحة والسكان، وضع برامج لترصد وفيات الأمهات والمواليد في اليمن، وتوعية المجتمع بالأسباب التي تؤدي إلى الوفاة.

محدودية الخدمات الصحية

من جهتها، تؤكد ترقيه علي، التي تعمل قابلة مجتمعية في أحد المراكز الصحية بريف محافظة ذمار، أن النساء الريفيات الحوامل هّن أقل حظًّا لتلقي الرعاية الصحية الكافية.

وتوضح في حديثها لـ ” نسوان فويس”، أن النساء الحوامل في الأرياف يُعانين خلال فترات حملهن، من مضاعفات سوء التغذية وفقر الدم، ولا يتلقين في تلك المراكز سوى التثقيف والمشورة وقياس الضغط والمتابعة خلال فترة الحمل لتفادي أي خطر قد يصيبهن.

لافتة إلى أن غالبية النساء في الأرياف معرضات لخطر الحمل غير المرغوب فيه، بسبب عدم قدرتهن على استخدام خدمات المباعدة بين الولادات.

أصبح “رفاهية للنساء”!

وتلجأ بعض النساء في اليمن إلى تركيب اللولب – وهو جهاز صغير يتم إدخاله في الرحم لمنع الحمل وتدوم فاعليّته نحو خمسة أعوام – بسبب ارتفاع أسعار موانع الحمل، من وسائل وأدوية، إذّ تُعد أفنان واحدة من كثيرات لم يعد بإمكانهنّ الرغبة في الإنجاب.

قررت أفنان صالح، 30 عاماً، بعد الاتفاق مع زوجها عدم الإنجاب وتركيب اللولب بعد زواجها مباشرة عام 2019م، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. 

وتقول لـ “نسوان فويس” أن الإنجاب أصبح “رفاهية للنساء” في ظل الأوضاع السيئة، مُبينة أن تأمين تكاليف الحمل والولادة وتربية الأطفال أصبح عبئًا ثقيلًا من الصعب تحمله، في ظل انقطاع المرتبات وتردي الأوضاع المعيشية المتردية بسبب الحرب.

كلفة الصحة الإنجابية

يقول أحد الصيادلة في حديثه لـ “نسوان فويس” أن سعر بعض أدوية منع الحمل تختلف وتتراوح ما بين (1000 و 5000 ريالًا) أي بما يعادل 10 دولارًا، أما (اللولب أو الغرسات) فأسعارها ما بين (3000 – 10000 ريال) أي بما يعادل 20 دولار، أما سعر فيتامينات الحمل ـ فيصل إلى 15 دولاراً.

أما تكلفة إجراء الولادة الطبيعية في المستشفيات الحكومية اليمنية نحو 200 ألف ريال، أما في حالة العملية القيصرية، فإنّ المبلغ يتضاعف 3 أو 4 أضعاف، حسب تعقيد الحالة الطبية للأم الحامل.

(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية).

 

مقالات اخرى