الأمهات اليمنيات ودورهن في إشعال العنصرية وخطاب الكراهية ضد الإناث

شارك المقال

أمل وحيش _ نسوان فويس

يمكن وصف خطاب الكراهية بأنه أي نوع من التواصل (في الكلام أو الكتابة أو بالسلوك) يهاجم أو يميز ضد هوية شخص أو مجموعة، مثل الدين ، العرق ، الجنسية ، اللون ، النسب ، الإعاقة ، العمر ، الجنس ، التوجه الجنسي وغيرها من العوامل.

ويهدف خطاب الكراهية إلى استثارة استجابة عاطفية مثل الخوف أو الضيق أو العزلة أو التخويف، بل حتى التحريض على الإساءة والعنف خاصة إذا كان تجاه المرأة.
وغالباً ما يبدأ خطاب الكراهية والعنصرية منذ الطفولة، فالأم والأب يتحملان المسؤولية الكبرى في توعية أبنائهم حول خطورة الكراهية والعنصرية، إلا أن المسؤولية تتضاعف على الأمهات كونهن الطرف الأكثر تواجداً مع الأبناء.
ومما تعانيه الإناث في مجتمعنا هو التمييز العنصري، والتحريض في بعض الأحيان ضدهن واستخدام ألفاظاً وأساليباً جارحة ضدهن ما يعد تحريضاً على الكراهية، وهو ما يجعلهن يعيشن خلف جدار عازل أنشأه المجتمع نتيجة للتربية التي نشأ عليها والمعتقدات السائدة التي لا يزال البعض يعتبرها حجة وبرهان لتبرير سلوكهم تجاه الأنثى.

نهايتك المطبخ


(علي) طفل بعمر العاشرة وأثناء ما كنا نتجاذب أطراف الحديث أنا ووالدته وأخته التي أنهت لتوها الثانوية العامة، حول ما إذا كانت ترغب بإكمال التعليم الجامعي أم لا، وبينما كنت أنتظر إجابتها فوجئت بقطع حديثنا من قبل أخيها الأصغر قائلاً:” أيش تفعل بالشهادة لو درست كما درست نهايتها المطبخ”.
هذه العبارة تكررت كثيراً على مسامعنا ولم ينطقها الطفل الصغير من فراغ فقد جاءت نتاج تعبئة مجتمعية خاطئة تجاه تعليم الفتاة، وكان لوالدة علي رأياً مشابهاً وهو أن عائلتهم لا تسمح بتعليم الفتاة إلا للصف السادس ولكن ابنتها تعدت هذه الخطوط وأكملت الثانوية ولا يمكن أن تسمح لها بإكمال الجامعة.
من جهتها تقول (زهور) اسم مستعار بأن الكراهية تجاه المرأة لا يأتي من خلال مصطلحات معينة أعتاد الناس على قولها و إنما قد يصل لمنعها من كل شيء وحرمانها من أبسط حقوقها، و الأسوأ حسب قولها هو أن الأمهات يقللن دائماً من شأن الإناث ويحرضن إخوانهن ضدهن، ما يجعلهم يتعاملون معهن بقسوة، وهذه القسوة قد تتحول برأيها إلى رد فعل سلبي تقوم به الفتاة كأن تبحث عن العاطفة خارج إطار الأسرة التي حسب رأيها يجب أن يكون هناك احتواء عاطفي من قبلها للفتاة لأنها مصدر الأمان وليس العكس.
تمييز قديم

وعن دور الأمهات في تفعيل خطاب الكراهية تجاه الإناث تقول (أحلام القباطي) وهي معلمة صفوف أولى، إن معظم الأمهات يقمن بالتمييز بين الأطفال خاصة الذكور عن الإناث مما يولد بينهم الشعور بالكراهية بسبب هذا التمييز ، وتضيف بأن للمدرسة دوراً كبيراً في صناعة هذا التمييز من خلال التفرقة بين الطلاب الأذكياء والأقل ذكاءً، ما يولد برأيها غروراً وتعالي لدى الطلاب، ويخلق الكراهية والحقد، وخاصة بين الفتيات، وتعزي سبب تدني المستوى التعليمي لدى بعض الطالبات والطلاب إلى الظروف النفسية والصحية التي يعيشها الطالب بسبب المشاكل الأسرية ، إضافة إلى التنمر الأسري تجاه الطفل ومقارنته باستمرار بأقرانه ، وتؤكد أن التمييز بين الذكور والإناث منذ الطفولة يولد البغض بين الإخوة.

خطاب التحريض قائم باتجاهات مختلفة، ولوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تأجيج هذا التحريض خاصة في المجتمعات الأقل وعياً وتحديداً إذا كان التحريض موجه تجاه المرأة، ويتم ذلك من خلال التنمر الذي تتعرض له بعض الناشطات والمشاهير عبر وسائل التواصل، أو عن طريق التقليل من شأن المرأة وتحجيم دورها وحصرها في أدوار حياتية معينة مستخدمين بعض المصطلحات التي تحرض على قمع المرأة إعلامياً ودرامياً، ولا شك أن ذلك يأتي نتاج التربية التي ينشأ عليها الأجيال.
ومن المواقف التي تعد المرأة هي المتنمر الأول تجاه بنات جنسها، هو أحد المواقف الذي حصل عندما ظهرت أغنية لإحدى الفنانات على الشاشة وهي ذات بشرة سوداء، فما كان من (روان) اسم مستعار 17 عاماً إلا أن استنكرت أن يكون هناك فنانة ببشرة سوداء قائلة:” هذه كيف يطلعوها فنانة وهي سوداء “. كلمة سمعتها لم أنصدم مما سمعت فقد كانت ردة فعل الأم مشابهة لابنتها.

مفردات جارحة


” أمي دائماً تقول لأخي اللي أصغر مني اضبطها، اكسر رجلها، وعلى أتفه سبب تحرض إخواني عليا خلتني أكرههم”. حال ( ميار) اسم مستعار كحال الكثير من الفتيات اللاتي يتعرضن للتميز من قبل الأهل وإن لم يكن بقصد إلا أن العادات والتقاليد والجهل برأيها هو ما جعل الذكر في البيت هو المتسلط، والمتحكم بمصير الإناث وإن كان ذلك مخالفاً للقيم والأخلاق، ولكن التعبئة التي يتلقاها الذكور تجاه الإناث من خلال استخدام مصطلحات جارحة وفيها تفرقة وعنصرية حسب قولها مثل ( البنات كسرة ظهر ، ومايجي منهن إلا المصايب وغيرها من المصطلحات) هي ما جعلت الذكر يتمرد ويتجاوز الحد مع الأنثى حسب رأيها ، ومن نشأ على ذلك سيربي أولاده عليه، وهكذا تدور الدائرة بحسب كلام (ميار) اسم مستعار.

الدكتورة (نوال حمود التويتي) – طبيبة نفسية، ومدربة ومحاضرة في مجال السلام، وناشطة في ثقافة التسامح والسلم المجتمعي- ترى أن الكراهية كفكرة وكمعنى وكسلوكيات تحضر عندما يغيب نور المحبة في قلوب الناس، كما أنها التعبير الأدق للفشل الذي يواجه البشر نتيجة غياب الحكمة من رؤية وتقبل الاختلاف والاعتراف به كضرورة للتكامل واستمرارية الحياة حسب قولها.
وتضيف بأن خطاب الكراهية يعد خطاب المفلسين فكرياً، وأخلاقياً، وعاطفياً، وحضارياً، وكلما كان مستوى الإفلاس أعلى سادت فكرة الصراع والندرة وعدم قبول الآخر واشتعلت الصراعات والحروب
وعن تأثر الإناث من هذا الخطاب تقول:” الأنثى هي من تحمل رمزية الكرامة والاكرام والرحمة والحب والتسامح والغفران من الخالق سبحانه لذلك عندما تتعالى أصوات الكراهية تكون الأنثى هي أول ضحايا خطاب الكراهية والعنف”.
وتضيف ( التويتي) بأن الكراهية عبارة عن فكرة قد تتبانها الأنثى كأم وكزوجة وكإبنة وكفرد مثلها مثل الذكر أيا كان دوره في المجتمع، وتبني فكرة الكراهية ومن ثم ترجمتها إلى سلوك معاش، ومواقف حياتية، هي ما يبين مدى كارثية الكراهية، خاصة وإن كانت الأم هي من تورثها للأبناء كقيم يتربون عليها حسب قولها.

تفضيل


ترى ( التويتي) أن التفرقة بين الأبناء وتفضيل الذكور على الإناث يعد من المشاهد المعتادة في مجتمعنا، وهو ما يعني وجود آثاراً تراكمية تساهم في خلخلة المجتمع وزعزعة استقراره، وتمتد هذه الآثار لتشمل مكانة الأنثى داخل الأسرة من حيث حقوقها، والحماية التي تتمتع بها، وغيرها من الاحتياجات.
عدالة ربانية


للحد من خطاب الكراهية ضد الأنثى توصي ( التويتي ) بضرورة العودة إلى العدالة التي حث عليها الله وأرسل بها الأنبياء، إضافة لتفعيل مبدأ حب الخير للجميع :” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” .أضف إلى أهمية الإقرار بأن التفاضل بين الجنسين لا يكون إلا بالعمل الصالح وليس باللون أو العرق أو النسب، وتؤكد أن هذه المبادئ والقيم السامية هي نقاط مشتركة بين جميع البشر ولا بد من تطبقيها في واقع الحياة اليومية.
وشددت على ضرورة الحد من خطاب الكراهية ضد النساء، وأقل ما يمكن تطبيقه لتنال المرأة حقها في الحياة حسب قولها هو العودة للنصوص القرآنية التي تبين مكانة المرأة المرموقة والمكرمة.
أضف إلى أهمية تفعيل خطاب الإنسانية والمتمثل في مبدأ الدين المعاملة وذلك من أجل خلق مجتمع مستقر ومتماسك، ينعم به الجميع ذكوراً وإناث بالسكينة والطمأنينة.
وتختم ( التويتي ) حديثها بالتحذير من الكراهية لأنها تدمر وتحرق أي مجتمع تنتشر فيه وتتركه أثراً بعد عين حسب تعبيرها.
لا شك أن لخطاب الكراهية بكل أنواعه خطورة بالغة على المجتمعات، وتحديداً الخطاب المعادي للأنثى لأنه يعمل على خلق الحقد والبغضاء بين الجنسين، كما يساعد على إنشاء جيل غير مستقر، ولذا وجب تأمين الحماية الأسرية للإناث، ومعاملتهن بإنسانية وعدم السماح للعادات الخاطئة بأن تكون سبباً في التفرقة والتمييز بينهن وبين الذكور في المعاملة والحقوق، ويرمى على عاتق الأمهات الدور الأكبر في المؤاخاة والمساواة بين أبنائها من كلا الجنسين من أجل إنشاء أسرة سليمة.

مقالات اخرى