إيمان البشاري – نسوان فويس
في عصر يتغلغل فيه الذكاء الاصطناعي في جوانب حياتنا اليومية، باتت تطبيقات معالجة الصور المصممة بمعايير جمالية غير واقعية متاحة في متناول المراهقات. يثير هذا التطور تساؤلات جدية حول كيفية تشكيل هذه المعايير لقناعات الفتيات عن الجمال، وعن أنفسهن، وعن “الآخر المختلف”.
تأثير المعايير الاصطناعية على المراهقات
كشف استطلاع رأي أجرته معدّة المادة على أربعين فتاة في صنعاء، تتراوح أعمارهن بين الرابعة عشرة والعشرين عاماً، عن نتائج مقلقة.
أفادت إحدى وثلاثون فتاة (77.5%) بأن درجة جمالهن الذاتي أقل من خمسة من عشرة. الأدهى من ذلك، أن خمساً وعشرين فتاة (62.5%) عبّرن عن شعورهن بالقلق والخجل عند الظهور أمام الغرباء دون استخدام مكياج “الكونتور” لتغيير شكل أنوفهن، معتبرات أن وجوههن ستكون مثيرة للسخرية والتنمر في حال انكشاف شكلها الحقيقي.
اعترفت ثلاثون فتاة (75%) بأن هذا الوضع يسبب لهن ضغطاً نفسياً كبيراً عند الخروج من المنزل، ويؤدي إلى شعور متكرر بالحزن. وعند التفكير في حلول لهذه المشكلة، كانت الخيارات المتاحة لديهن هي الخضوع لعمليات تجميلية مثل البوتوكس، الفيلر، والعلاج بالليزر، رغم إدراكهن للمخاطر المحتملة لهذه الإجراءات.
تُشير المعالجة النفسية سهام الشرماني إلى أن أثر معايير الجمال التي تُحددها برامج الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى اضطراب تشوه صورة الجسد لدى المراهقات، خاصةً أولئك اللاتي يقضين ساعات طويلة في تصفح العالم الافتراضي.
وتُوضح الشرماني أن من علامات هذا الاضطراب انشغال المصاب بعيوب جسدية لا يمكن ملاحظتها أو يمكن ملاحظتها بشكل طفيف، أو حتى الانشغال بعيوب غير موجودة أصلاً.
وتُحذر من أن هذا قد يترتب عليه “إحباط في مجالات الحياة عموماً، وفشل في العلاقات وفي الحياة المهنية خصوصاً، لأن المصاب يبالغ في حالته هذه في التركيز على مظهره الخارجي دون الاهتمام بالجوانب الأخرى المهمة.”
وتُشدد الشرماني على ضرورة أن يُظهر الآباء التقبل لفتياتهم وأن يعالجوا الأمر، وألا يتركوهن “فريسة للذكاء الاصطناعي”.
جنون الشباب
لا تقتصر تأثيرات برامج الذكاء الاصطناعي على تحديد معايير جمالية غير واقعية، بل تمتد لتُشكل مواقف سلبية تجاه الفئات العمرية التي تظهر عليها علامات “التقدم في العمر”.
هذه البرامج، التي تعالج علامات الشيخوخة الدقيقة والخطوط التي تظهر بعد سن الثلاثين وانتفاخات العين الناتجة عن الإرهاق، ترسم صورة مثالية وغير واقعية للجمال في أذهان المراهقات، وتُقصي كل من تظهر عليه علامات التقدم في العمر، مما يعني نبذ جيل بأكمله باعتباره “أقل ذكاء” و”منتهي الصلاحية”.
لقد أظهر الاستطلاع أن تسعاً وعشرين فتاة (72.5%) يعتقدن أن “جيل التسعينيات أقل ذكاء من جيل الذكاء الاصطناعي” وأنه لا يميل إلى الابتكار، ويفضلن الانخراط في العمل مع جيلهن فقط. وأيدت عشرون فتاة (50%) الفكرة القائلة بأنه “ينبغي على جيل التسعينيات أن يفسحوا الطريق لجيل الذكاء الاصطناعي”.
عكست تعليقاتهن نظرة دونية ورفضاً وتنمرًا كبيراً على طريقة تفكير جيل التسعينيات ومظهرهم عموماً. هذا الرفض يعكس قلة احترام للجيل الذي يكبرهن بعشرة أعوام، ويُبرز فجوة عميقة بين الجيلين قد تحرمهما من الاستفادة من خبرات بعضهما البعض.
وترى المعالجة النفسية سهام الشرماني أن هذا قد يكون مؤشراً خطيراً على الآثار السلبية التي ترسخها معايير الجمال التي يُحددها الذكاء الاصطناعي.
سباق الجمال المحفوف بالمخاطر
يُغذي هذا “السباق” نحو الجمال المثالي صناعة التجميل، لكن بواقع مرير في اليمن. تضطر مراكز التجميل إلى استخدام نوعية رديئة من حقن البوتوكس وإجراءات الليزر، وذلك بسبب القدرة الشرائية المنخفضة، خاصة بين المراهقات اللاتي لا يملكن دخلاً.
هذا يعني أن تلك الإجراءات التجميلية لا تخلو من أضرار جانبية، وأن انتهاء مفعولها يكون سريعاً، مما يدفع الفتيات للعودة المتكررة إلى هذه المراكز منخفضة الجودة والتعرض لمخاطرها بوتيرة متسارعة.
تقول يسرى علوان، إحدى العاملات في مراكز حقن البوتوكس، إن عدد الفتيات اللاتي يزرن المركز تحت سن الخامسة والعشرين يزيد بالضعف عن الزائرات اللاتي تزيد أعمارهن عن الخامسة والعشرين.
وتُضيف أنهن “على استعداد لدفع مبالغ باهظة بالرغم من أن عدداً كبيراً منهن لا يملكن دخلاً مادياً”.
إقصاء “الآخر المختلف”
تُرسخ برامج الذكاء الاصطناعي صورة نمطية للجمال، فتُحدد شكلاً واحداً للأنف مثلاً، وتُقصي الأشكال الأخرى، مما يُولد الخجل منها.
هذا التحديد يُشكل نوعاً آخر من أشكال الرفض في أذهان المراهقات، ليس لأنفسهن فحسب، بل للآخر المختلف عنهن.
في تجربة أجريت ضمن الاستطلاع، عُرضت صورة لفتاة صينية تملك أنفاً أفطس، وأخرى لفتاة صينية تملك أنفاً مطابقاً لمعايير الجمال المقترحة.
كانت النتائج صادمة: عشرون فتاة (50%) قالت إن الفتاة ذات الأنف الأفطس “قبيحة”، وخمس فتيات (12.5%) وصفنها بأنها “غير مقبولة”، بينما رأت خمس عشرة فتاة (37.5%) أنها “مشوهة”.
تُظهر هذه النتائج أن آثار معايير الجمال التي يُحددها الذكاء الاصطناعي تُعمّق عدم القبول بـ”الآخر المختلف”، بل وتصفه بكونه “مشوهاً” أو “أقل ذكاءً”، مما يعكس خطورة هذه الظاهرة على التنوع وقبول الآخر.
وفي سياق يمني بالغ التعقيد، حيث تتزايد الضغوط النفسية والاجتماعية على المراهقات، يُشكل تغلغل معايير الجمال النمطية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي تحدياً إضافياً يهدد صحتهن النفسية وانسجامهن الاجتماعي.
إن هذه الأزمة لا تعكس مجرد هوس بالمظهر الخارجي، بل تُجسّد فجوة عميقة بين الواقع والكمال المزيّف، وتُذكي مشاعر عدم الأمان، وتُعمق من التمييز بين الأجيال.