القاضي ذكريات المساوى.. رحلة ريادية نحو العدالة ومواجهة التحديات

شارك المقال

أنسام عبد الله – نسوان فويس

كانت المرأة اليمنية على مر العصور مؤثرة في كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والأدبية وحتى العسكرية. 

لا يخلو التاريخ اليمني العريق من شواهد بارزة لتولي المرأة مقاليد الحكم وصناعة القرار، فاليمن كبلد حضاري شهد أعرق الدول المدنية المؤطرة بدساتير وقوانين لازالت باقية في نقوش المسلّات الأثرية إلى يومنا هذا. 

وفي الماضي القريب، عُيّنت القاضي حميدة زكريا كأول قاضي من النساء في محكمة الجنايات في عدن في العام 1971 في دولة اليمن الجنوبي، في سبق قضائي يحسب لليمن بعد العراق ومصر.

ظل سعي المرأة اليمنية نحو تولي مناصب صنع القرار هدفًا وحقًا مشروعًا. وتشهد وزارة العدل من حين لآخر قرارات مماثلة بتعيين نساء في مناصب قضائية رفيعة، وصولًا إلى مجلس القضاء الأعلى، في خطوات متقدمة لتعزيز دور المرأة الريادي في أهم مفاصل الدولة.

القاضي ذكريات المساوى.. نموذج رائد

تُعد القاضي ذكريات عبد الكريم عبد الله المساوى، رئيس محكمة الحوطة الابتدائية بمحافظة لحج بدرجة نائب رئيس المحكمة العليا، نموذجًا بارزًا لهذا التطور. فهي أول امرأة في محافظة لحج تتبوأ منصب رئاسة محكمة، لتصبح بذلك في أعلى منصب قضائي صانع للقرار في المحافظة حتى الآن.

النشأة والتعليم:

ولدت القاضي ذكريات في عام 1966 في مديرية كريتر بمحافظة عدن، ونشأت في الحوطة بمحافظة لحج في كنف أسرة تقدر العلم والثقافة. تلقت تعليمها الأساسي والثانوي في مدارس الحوطة (الثورة، المجعلي، ثانوية 13 أغسطس)، وتخرجت من كلية الحقوق بجامعة عدن عام 1989.

مسيرتها المهنية:

بدأت مسيرتها المهنية في عام 1990 بدرجة مساعد قاضي، وكانت أول من أسس قسم التوثيق في محافظة لحج، وشغلت منصب رئيس قلم التوثيق حتى عام 2006. 

كما عملت في قسم الإثبات الشخصي وحصلت على الولاية حتى عام 2022، حيث تم تعيينها في العام نفسه رئيسًا للمحكمة. 

خلال مسيرتها، عملت القاضي ذكريات في مجالات القضاء المدني والشخصي والإثبات والإداري، ولها إسهامات في قضايا الأحداث والجنائي.

تولي رئاسة المحكمة وإنجازاتها:

 

 

أشارت القاضي ذكريات إلى الدعم الذي تلقته من رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس التفتيش في تنفيذ مهامها القضائية والإدارية. 

فقد تسلمت المحكمة إداريًا في وضع “صفر” وعملت بجهد مع فريق العمل للنهوض بها حتى أصبحت نموذجية، بالإضافة إلى تفعيل العديد من السجلات التي كانت معطلة. كما تمكنت من إنجاز العديد من القضايا العالقة.

مُنذ توليها رئاسة محكمة الحوطة الابتدائية، عملت القاضي ذكريات المساوى على إصدار الأحكام في مختلف أنواع القضايا، حتى تلك الشائكة، متجاوزة بذلك الصور النمطية المجتمعية المسبقة التي قد تعيق عمل المرأة في هذا المجال. 

فقد فصلت في عشرات القضايا الكبرى المتعلقة بالأراضي وتوثيقها، والتي تتميز بحساسيتها وتداخل أطرافها ذوي النفوذ والخلفيات المختلفة في محافظة لحج.

كما اتخذت قرارات مؤثرة أخرى، مثل منع دخول الأطفال إلى محلات الإنترنت بعد نقاش مستفيض مع “اللجنة التنسيقية لقضايا الأحداث”، وهو القرار الذي لاقى استحسان المواطنين. 

وأصدرت حكمًا استثنائيًا ضد شركة “الدوكي” للصرافة، حيث أمرت بسجن مالك الشركة وأبنائه الثلاثة لمدة ثلاث سنوات وألزمتهم بدفع المبالغ المستحقة لأصحابها وتعويض خسائر التقاضي، في خطوة جريئة عجز عنها العديد من القضاة تجاه شركات الصرافة المتورطة في قضايا فساد مالي.

تحديات وتجاوزات:

لم تخلُ فترة رئاسة القاضي ذكريات للمحكمة من تحديات، كونها أول امرأة تتبوأ هذا المنصب الرفيع في لحج. 

فقد واجهت حملات إعلامية مضادة لعمل المرأة وشكاوى كيدية، وتجاوز الأمر ذلك إلى التعدي اللفظي عليها وضرب حراسة المحكمة وإشاعة الفوضى والشغب في قاعة المحكمة بحضور المحامين والمتنازعين.

 وقد دانت المحكمة المعتدين وحكمت عليهم بالسجن لمدة سنة مع النفاذ، وهو الإجراء الذي لاقى إدانات واسعة من القضاة ومنتدى قاضيات اليمن وكبار الوجهاء، بالإضافة إلى بيان شجب من المنظمة الدولية لحقوق الإنسان مكتب اليمن، مطالبين مجلس القضاء الأعلى بالوقوف إلى جانب القاضي ودعمها.

حقوق مكتسبة وليست منحًا:

 

 

أكدت المحامية شادية محمود أن القاضي ذكريات، كأول رئيسة محكمة في لحج، قد فتحت آفاقًا جديدة لحقوق المرأة التي طالما احتُكرت على الرجال. فالمرأة، بموجب القانون والدستور والمواثيق الدولية، يحق لها الترشح لأعلى سلطة في الدولة. 

وأشارت إلى أن القاضي ذكريات المساوى تُعد نموذجًا نسائيًا يُحتذى به في صنع القرار، خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء، وشكرتها على مداخلاتها التشريعية في ورش العمل التي تنظمها المؤسسات النسوية لتوضيح حقوق المرأة الدستورية، مؤكدة أن المحاكم يجب أن تكون ملاذًا آمنًا للنساء للدفاع عن حقوقهن بغض النظر عن هوية الأطراف المتنازعة.

وأوضح الناشط والكاتب صديق مثنى أن القاضي ذكريات المساوى من النساء القلائل اللاتي خضن تحدي تغيير الوعي الجمعي للمجتمعات الشرقية بشأن أهلية المرأة لتولي المناصب القضائية والقيادية، وقد حظيت باحترام الجميع بفضل إنجازاتها خلال فترة رئاستها لمحكمة الحوطة الابتدائية، حيث أعادت ترتيب المحكمة واستعادة الوثائق والسجلات القديمة لقسم التوثيق وتنظيم أرشيف المحكمة الذي تضرر بعد حرب 2015.

تأثير بحجم قاضية:

رغم المكانة الرفيعة التي بلغتها في السلك القضائي بلحج، أعربت القاضي ذكريات المساوى عن طموحها لمواصلة الارتقاء في المناصب القضائية، داعية النساء إلى خوض غمار القضاء لإثبات وجودهن وجدارتهن.

يُعد هذا الإنجاز استحقاقًا للقاضية ذكريات نظرًا لإصرارها وجهودها في الوصول إلى هذه المكانة، متجاوزة عقبات كانت كفيلة بثنيها. لقد أثبتت جدارتها كنموذج نسائي مؤثر وقدوة للنساء في المجتمع اليمني، متسلحة بوعيها وإدراكها لحقوقها الدستورية لتصنع فارقًا في الحياة العامة للمجتمع، بل وتصنع القرار.

مقالات اخرى