المصورات اليمنيات.. تحديات مجتمعية تغلبها الإرادة

شارك المقال

أمل وحيش _ نسوان فويس


مهنة التصوير أصبحت أسهل ما يكون في ظل وجود الجوالات والتطور التكنولوجي الذي يتسارع يوما بعد يوم، وأصبحت المنافسة عالية بين المصورين، خاصة الفتيات اللآتي ألحت الحاجة إلى وجودهن في الساحة لتوثيق المناسبات المختلفة التي تخص النساء.
وعلى الرغم من الرفض المجتمعي لعمل الفتاة في مجال التصوير سابقاً إلا أننا في السنوات الأخيرة نشهد حركة دؤوبة للفتيات في مجال تصوير المناسبات وسط تقبل مجتمعي غير مسبوق، فقد انطلقت العديد من المصورات اليمنيات منافسات لبعضهن البعض، من خلال عرض خدماتهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو عن طريق المعارف والأصدقاء، حيث يقمن بتوثيق العديد من المناسبات منها حفلات الزفاف التي تعد من أكثر المناسبات رواجاً في اليمن.

اختلاف آراء

ينقسم المجتمع فمنهم من يرى أن مهنة التصوير بالنسبة للفتيات أصبحت مقبولة بل ضرورة ملحة لتصوير المناسبات النسائية بما فيها الأعراس ، ومنهم من ينظر إلى أن عمل الفتاة في هذا المجال غير مهم بحسب ( مجيبة الشميري) التي تعمل في مجال التصوير منذ العام 2020م إلى جانب عملها كصحفية حيث تقول :” يرى البعض أن المجتمع يحتاج إلى مصورة مستقلة تكون أكثر أماناً وثقة بالنسبة لهم ..والبعض يرى أن تواجد الفتاة في مجال التصوير غير مهم”.

( الشميري ) التي احترفت التصوير شغفاً وحباً بمساعدة أخيها الذي أتاح لها فرصة التعلم بكاميرته الخاصة، تقوم بتوثيق العديد من المناسبات أبرزها حفلات الزواج، والخطوبة، وحفلات التخرج، وأعياد الميلاد، وجلسات تصوير الأطفال، إضافة إلى توثيق بعض المؤتمرات العلمية، وعملها لاشك لا يخلو من المتاعب والصعوبات التي قد يرى البعص بأن مهنتها مجرد ضغطة زر، وهذا ما ينفيه المصورون الذين يعتبرون التصوير إلى جانب كونه هواية ومتعة فهو مشقة ويحتاج على تحضيرات وتجهيزات واستعداداً كبيراً للخروج بأفضل نتيجة، وخاصة الجلسات التي تُعنى بتصوير الأطفال ومنهم المواليد ففيها مشقة مضاعفة بالنسبة للمصور، وتقول ( الشميري ):” يرى البعض أن التصوير هو مجرد ضغطة زر لا أكثر ويقلل من مجهودنا”.

تربط (الشميري) علاقة جيدة مع زميلاتها المصورات وتعاون متبادل في حال احتاجت إحداهن لمصورة لمساعدتها فهي حسب قولها لا تمانع ولا تجد إشكالية في التعاون مع زميلاتها.
لدى (مجيبة الشميري) العديد من الأحلام والطموحات التي تسعى أن تحققها يوماً ما وأهمها أن تمتلك كافة أدوات التصوير حتى تتمكن من فتح مشروعها الخاص (أستوديو تصوير) وهذا ليس ببعيد فالشغف والطموح طريقهما واحد وإن طالت إلا أن نهايتها نتيجة مرضية لمن سعى.

هواية ثم حرفة

الهواية لا شك هي من تحكم توجيه الشخص لمجال أو مكان محدد، وهكذا الحال مع( عفاف صادق) ذات ال25 عاماً ، على الرغم من أنها خريجة بكالوريوس مختبرات إلا أن هوايتها غلبت تخصصها فبدأت التصوير كهواية منذ ما يقارب أربع سنوات، واحترفته كمصورة للمناسبات والأعراس منذ عام ، حيث تقوم بتصوير مناسبات الأعراس وما يرتبط بها من خطوبة وعقد، كذلك حفلات التخرج وغيرها من المناسبات.
تواجه (صادق) العديد من الصعوبات في عملها ولكنها تؤكد بأن أصعب ما يمكن أن تمر به المصورة هو الوقوف على قدميها لساعات طويلة قد تصل لعشر ساعات في بعض الأعراس التي تتطلب جهداً مضاعفاً، إضافة إلى إختيار الزبون لعرض من عروض التصوير الذي تقدمه لهم كمصورة إلا أنها تتفاجئ وقت تصوير العرس بطلبات خارجة عن المتفق وكل ذلك دون مقابل.

نظرة استعلاء


تواجه بعض المصورات استخفافاً بمجهودهن من قبل بعض العوائل وهي حالات نادرة إلا أنها قد تعرقل من سير عمل المصورة وتمنعها من إخراج أفضل ما لديها من صور للعروس وعائلتها بحسب (عفاف صداق):” بعض العوائل وهم قلة قليله لما تجي المصورة ينظروا لها نظرة إنها شغاله مابش أي إحترام أو ذوق عشان تخرج أحسن ما عندها”.

وعن النظرة العامة للمجتمع لعملها كمصورة تقول (صادق) التي لا تذهب إلى أي مناسبة إلا برفقة أخيها:” البعض متقبل والبعض حاسد لأن مهنة التصوير ما فيها أي عيب”.


يدعم (عفاف) باستمرار والدها الذي كما تقول إنه السند والداعم الرئيسي لها في مجالها الطبي وفي عملها كمصورة ،إلى جانب مساندة والدتها، وهذا الدعم مستمر في حياة (عفاف) إلى أن تحقق حلمها بامتلاك أستديوهاً خاصاً بها مجهزاً بأحدث التقنيات ويتسع مجاله وخدماته برفقة فريقها الذي تطمح أن تكبر بحلمها معهم حتى يتجاوزوا بصورهم حدود الوطن.

بداية مربكة

 

(علا طه) من محافظة صنعاء، 26 عاماً وهي خريجة إذاعة وتلفزيون، وربما هذا ما ساعدها أن تمتهن التصوير كونه في صلب مجالها، والأهم من ذلك هو الحب والشغف اللذان يجعلان من المرء يلاحق حلمه حتى يصل إليه.
بدأت ( عُلا) في مجال التصوير عام 2019م عندما اشترت كاميرتها الخاصة ،وبدأت بالتطبيق العملي على بعض الأقارب والصديقات، ثم توسعت دائرة معارفها ، وبدأت تختلط أكثر بالناس ، وفي سوق العمل تعرفت على بعض زميلات وزملاء المهنة الذين يتبادلون الخبرة والمنفعة فيما بينهم. لكن هذه البداية لم تكن بذلك القدر من اليسر فقد واجهت ( عُلا) بعض الصعوبات المتمثلة بالارتباك والإحراج أمام الناس خاصة في صالات الأعراس، وما كان يزيد من خوفها هو ردة الفعل في حال قصرت في عملتها تجاه العروسة التي اختارتها ووثقت بها لتوثيق أهم يوم بحياة العروسة حسب قولها، وظل شعور القلق من نتيجة عملها يلازمها لسنوات إلا أنها تخلصت منه بالتطوير المستمر لنفسها حيث تقول :” لازمني شعور الخوف لفترة طويلة ما يقارب ثلاث سنين في كل جلسة تصوير كنت أراجع ملفات لقطات عرايس طول الليل وكنت احفظها من بعض المصورين في الخارج مصر ولبنان واتابعهم والاحظ اللقطات والزوايا..”.

نظرة مجتمعية

تضطر (علا) لاستئجار بعض أدوات التصوير الحديثة حتى تخرج بنتيجة مرضية للعميل وذلك لعدم قدرتها على إقتناء هذه الأدوات المتطورة يوماً عن يوم وهذه من ضمن الصعوبات التي تواجهها كمصورة، أضف إلى ذلك التقبل المجتمعي الذي كان بداية الأمر يعد سلبياً، وتحديداً في منطقة محافظة كصنعاء ولها عادات وتقاليد صارمة تجاه الفتاة خاصة وأن المصورة تتعامل فيما يتعلق بحجزها لمناسبة ما عن طريق الرجال: “وجدت صعوبة في تقبل المجتمع لكوني مصورة ومن صنعاء لأنه نضطر في سوق العمل بعض الأوقات للتفاهم مع الزبون وقد يكون مثلاً أب أو أخ أو او زوج العروسة الذي يتم الحجز عن طريقه فيما يخص متى موعد الحضور، وتسليم مبلغ العمل وغير ذلك”.

وتعتبر ( علا ) أن أكبر عائق لازلت تعاني منه هو موعد المغادرة حيث تضظر كمصورة في بعض الأوقات خاصة في مناسبة الزفاف إلى انتظار أهل العروسة للدخول للقاعة لكي تلتقط لهم الصور التذكارية مع العروسة وهو ما قد يأخرها حوالي نصف ساعة إضافية وهو أمر غير مقبول لدى الأسرة التي تخاف عليها من التأخير، إضافة إلى تعنت بعض الأسر واستخدام المصورة على أنها آلة ويجب ألا تتوقف من بداية العرس حتى نهايته، برغم أن بعضهم لا يلتزمون بدفع مستحقات المصورة المتفق عليها إلا بعد جهد بحسب عٌلا.

بتشجيع والدتها ودعمها تشكر( عُلا) ربها أن وصلت لما تطمح إليه، وإن كان مشوارها قصيراً إلا أنها ترى فيه طولاً في النتيجة والهدف ، وما تزال تطمح لما هو أكبر :” أحمد الله أنني وصلت اليوم لحاجة رسمتها في بداية مشواري كيف عتكون علا ولا زلت أطمح لأكثر من هذا”.
تحلم (علا) كغيرها من الشباب والفتيات الطموحين أن تجد فرصة عملية وعلمية مناسبة لها خارج اليمن، كي تطور من نفسها وقدراتها، وتسعى للحصول على العديد من الدورات التدريبية في مجال التصوير داخلياً وخارجياً، كما أنها تتمنى أن يتحقق مرادها وأن تمتلك أدوات التصوير الحديثة كي تصبح مصورة محترفة محلياً وخارجياً.

كيمياء متبادلة

ومن عدن كان ل (بشرى بشير) 28عاماً ، بصمتها في مجال تصوير الأعراس فمنذ الوهلة الأولى التي جاءتها كاميرا تصوير كهدية من والدها بمناسبة عيد ميلادها تولدت بينها وبين الكاميرا كيمياء عجيبة ، غير تلك التي بينها وبين تخصصها ميكروبيولوجي ( مختبرات).
لم تكن ( بشرى ) تهتم لرأي الناس ونظرة المجتمع ، ولكن كل ما كان يعنيها هو كيفية إقناع عائلتها بدخول مجال تصوير الأعراس ، وهو ما يعد بعيداً كل البعد عن تخصصها، الأمر الذي كانت عائلتها ترفضه تماما، واعتبرت أسرتها بأن الكاميرا للتسلية فقط، ولكن شغفها ورغبتها غلبت رفضهم وبعد محاولات عدة أعطوها الضوء الأخضر بالبدء بعملها كمصورة شريطة أن تمارس مهنتها كمخبرية وألا تنشغل عنها.

 

شغف وغرام لا محدود شعرت به ( بشرى) عندما بدأت تبحث في إعدادات الكاميرا وتطبق عليها وهو ما دفعها إلى امتهان تصوير الأعراس التي تجد فيها متعة على الرغم من بعض العراقيل التي تحف هذه المهنة ومنها انقطاع الكهرباء، وصعوبة تلقين بعض العرسان تكوين بعض الحركات التي تريد التقاطها وهذا بحسب قولها عائد إلى عدم وجود تغذية بصرية من قبل العروسين حول الصور المراد التقاطها لهما، وهذا ما يعني أخذ وقت أطول في التقاط الصور نظراً لكثرة الإعادة.

تطمح ( بشرى) أن يتحسن الوضع العام للبلاد وعلى رأسها الكهرباء، خاصة وأن عدن تعاني انقطاع مستمر للتيار الكهربائي ما يزيد من معاناة المواطنين وذوي المهن المختلفة.
كما أنها ترى نفسها شيئاَ عظيماً خلال الخمس السنوات القادمة وتعمل للوصول إلى ما تطمح إليه في حياتها الشخصية والمهنية.

التصوير كما يقال هو وسيلة للتواصل بدون كلمات، وأسلوب للتعبير عن العواطف والجمال في العالم ، وهذا ما تسعى له المصورات اليمنيات لخلق صورة معبرة تتحدث عن نفسها.

مقالات اخرى