خديجة الجسري – نسوان فويس
في ليلة شتوية باردة كانت فاطمة (اسم مستعار) البالغة من العمر 35 عامًا تفتقد لأبسطـ مقومات العيش داخل منزلها، كانت تنظر لأطفالها وهم يبكون حولها جوعًا، فقررت الاتصال بأختها لترسل لها مبلغ مالي تعين به نفسها على مُرّ الحياة وإطعام أطفالها، طلبت هاتف جارتها النقال لأنها لا تملك واحدًا؛ وبينما هي في حديثٍ مع أختها وصل زوجها الذي يعنفها بقسوة جسدية ومعنوية، اتممت مكالمتها وشكرت جارتها، لم تواري جارتها باب حوش المنزل حتى انهال عليها بالضرب والركل إلى أن فقدت وعيها، ثم أخرجها لتبيت بحوش المنزل جزاء فعلتها التي وصفها بالنكراء وهي (الاتصال بأختها) وعند بكاء الأطفال على أمهم قام بإدخالها، وعاد لصفعها من جديد، أحست فاطمة بمغص شديد ونزول نزيف وهي حامل في شهرها الرابع..
عنف جسدي
الضرب الشديد لفاطمة وهي حامل، تسبب لها بإجهاض، باتت ليلة تعاني فيها الثلاثي المميت الوجع، الجوع، والمخافة، نزيفٌ حاد ودوار شديد تحس به فاطمة، حتى صباح اليوم التالي ذهبت ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات لجارتهم (زينب)، التي قدمت لها بعض الأدوية من الصيدلية القريبة كإسعاف أولى، وطلبت من زوجها أن يسعفها للمستشفى الحكومي؛ لكنه رفض وخرج من البيت يشتمها متذمرًا منها، تواصلت الجارة بأحد القابلات اللواتي تعرفهن وتعمل في مشفى حكومي لتعطيها كل اللازم لتوقيف النزيف وإخراج الطفل الميت في بطن الأم.
حبل النجاة
تقول فاطمة لمنصة (نسوان فويس): “أسبوع ما زلت أعاني آثار الإجهاض وأحس بآلام غريبة، ومازال زوجي يشتمني ويمد يده عليّ، جارتي لم تحتمل ما تسمع وترى كل يوم، جاءت لي عصرًا بعد خروج زوجي من المنزل تخبرني أن أحدى المنظمات لديها مركز يستقبل المعنفات ويقدم لهن كل الخدمات والحماية اللازمة، كانت قد ضاقت بي الأرض ذرعا، وأبحث عن قشة أمسك بها لأنجو، قررتُ مغادرة المنزل لبيت جارتي حتى صباح اليوم التالي وأذهبُ لمركز المنظمة”.
تضيف فاطمة: “وفي اليوم التالي أخذتُ باص أجرة للمنظمة وأدهشني استقبالهم لي! قابلتني المديرة، ثم أرسلتني للطبيبة التي بدورها أحالتني للمستشفى ليتم فحصي ومعاينتي،
موظفة أخرى قامت بتهدئتي، شكيت لها أني وأولادي بلا مأوى وليس عندي أهل قريبين، قالت المديرة: “ستكونين عندنا بالمركز حتى نفصل في أمرك”، موظفة ثانية وثالثة الكل يجلس معي ويهدأني وأنهم معي حتى النجاة..”
آثار جسدية ونفسية
تقول الدكتورة أرينا عبدالوهاب لمنصة (نسوان فويس): “بعد أن اشتكت فاطمة من عدة ألآم بجسدها قمنا بعمل الفحوصات اللازمة والأجهزة، تبين أنه مازال في رحم فاطمة بقايا من الطفل الذي أجهضت فيه وبعض الخثرات الدموية، وتعاني من رضوض في الكلية اليسرى، سببها الركلات التي تلقتها من زوجها، كما تعاني من كسور خفيفة في أحد أضلاعها، وفي كل جسدها آثار رضوض وكدمات سوداء”
أما الطبيبة النفسية الدكتورة نسرين الفاطمي تقول لمنصة (نسوان فويس): “في بداية الأمر بدأ على الحاله الاكتئاب المؤقت ولكن بعد تكرار العنف وتكرار نفس الصدمات النفسية وآثارها على صحتها الجسمية والعقلية تبين أن الحالة قد فاق الاكتئاب المؤقت إلى اكتئاب حاد وعند عدم قدرتها على الخروج من مستنقع المرض، تأثير الصدمات لديها أصبح وسواس قهري لعدم قدرتها على النجاة من الموت البطيء وبهذه الحالة تحتاج فاطمة إلى جلسات علاجيه مع معالج نفسي مكثفة تصل إلى ثلاث جلسات بالشهر الواحد حتى تستطيع الخروج من هذا المرض وبجانب اخر تحتاج إلى دواء الاكتئاب لفترة وجيزة مع فترة العلاج والجلسات النفسية وفي هذه الحالات لا يحتاج إلى السكوت أو التواطؤ كون أنها ممكن تأثر سلبيا على البيئة المحيطة لديها”
نهاية الزواج
بعد معالجة فاطمة من كل ما حصل لها، واستقراراها النفسي جاء زوجها عدة مرات للمطالبة بعودتها وتهديدها،
وفي حديث لمنصة نسوان فويس مع المحامية سماح عبدالله موكلة فاطمة تقول: “جلستُ مع فاطمة وراجعتها بالعودة لزوجها؛ لكنها أصرت على فسخ عقد الزواج قائلة أنها استنفذت كل الطرق معه..”
تواصل “رفعت دعوى فسخ للضرر، مرفقة الدعوى بأدلة الطب الشرعي عما سبب زوج فاطمة لها، وشهادة الطبيبات اللواتي قمن بعلاجها لكن المحكمة الشخصية رفضت قبول الدعوى؛ لأن الضرب ليس من أسباب الفسخ ..ويجب رفع دعوى جنائية ضد الزوج عما لحق فاطمة من عنف”.
“ما كان مني إلا أن أقنعت زوج فاطمة بالطلاق، لأن عليه دعوى جنائية وأنه لن يربح الدعوى وأثبتُ له ذلك بالأدلة، وطلاقه لها بدون محاكم سيكون بالمقابل تنازل فاطمة عن المؤخر والدعوى الجنائية، فطلقها وهنا انتهت القضية دون مرافعات”.
حياة مستقلة
تقول فاطمة مواصلة قصة نجاتها: “تعلمتُ في المركز دورات تدريبية في مختلف المجالات تعلمت القراءة والكتابة وحلصت على العديد من الشهادات، ولديّ غرفة وطعام وشراب وراحة نفسية، بعدها دخلت مجال التدريب في صناعة البخور والأشغال اليدوية التي أجدتها كثيرًا، وحصلت على حقيبة مكتملة لصناعة البخور والمصنوعات اليدوية من المنظمة لأبدأ حياة جديدة وأحصل على مصدر رزق وأرباح جميلة، والآن لديّ منزل أعيش فيه بسلام مع أولادي؛ ولم أقطع التواصل بأخواتي وكل من وقف معي”.
توصيات القضاة حول العنف ضد المرأة
ان قانون الأحوال الشخصية أو قانون الجرائم والعقوبات لم يحدد كيفية تأديب الزوجة وماهيته فالمرجع في تطبيق ذلك وفي تفسيره هو كتب الفقه الاسلامي حسبما ورد في المادة (18) مدني.
لذلك نرى العنف الزوج غير معاقب عليه بالقانون اليمني، وهذا ما دفع بالكثير إلى العبث والعنف بجسد زوجته وتوجيه الالفاظ النابية نحوها.
حول هذا الموضوع (منصة نسوان فويس) تحدثت مع القاضي (جياب الحدي) رئيس محكمة جبن بمحافظة الضالع يقول: “إن القانون اليمني في الجرائم والعقوبات قنن وشرعن بما يتضمن تزويد وإزاحة العنف الجسدي ضد الزوجة،
وهذا ما ورد في المادة (276) من قانون الجرائم والعقوبات، إذا جاء في هذه المادة “ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ ﻣﺪة ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋن ﺳﻨﺔ او ﺑﺎﻟﻐﺮاﻣﺔ، ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻣﺘﺰوج رجلًا ﻛﺎن أو امرأة أتى اﻓﻌالًا تتنافى ﻣﻊ الأمانة والحرص اﻟﻮاﺟﺒﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺰواج” ومن خلال ما تضمنه الحكم بالقانون المنصوص عليه في المادة آنفة الذكر”
يتبين أن القانون اليمني قد اعتبر العنف الجسدي الموجه من الزوج ضد زوجته مباحًا ولا يعد جريمة يعاقب عليها القانون؛ حيثُ يسمى حق تأديب الزوجة.
إلا إن نص القانون اوصى نوع من الحماية للزوجة من خلال صورة وشكل التأديب حسبما اسماه النص القانوني، حيثُ قيد ذلك الحق بالنسبة للزوج بأن لا يتجاوزهُ من خلال اشتراطه أن لا يكون الضرب مبرحًا وفيه كسر.
لكنهُ لم يكن منصف بما يكفي بحق الزوجة؛ حيثُ أنه بعد ذلك وجّب القانون ع الزوجة الرجوع لبيت الزوجية أو الفسخ للكراهية ورد المهر المتفق عليه، ولم يراعي القانون الحالة النفسية للمرأة وكرامتها وما تعرضت له بل يجب في هذا الحال تعويض مدني وارجاع حق الفسخ من عدمه للزوجة للضرر القائم من الزوج،
نوصي المشرع اليمني بتعديل بعض المواد القانونية المجحفة بحق المرأة للتخفيف من العنف القائم ع النوع الاجتماعي.