سبأ الجاملي – نسوان فويس
البوابة الشرقية لليمن، هكذا يطلق على واحدة من أجمل المحافظات اليمنية الغنية بجمال الطبيعة والتنوع الساحر لكل ما تحويه، من محاصيل زراعية متنوعة، وثروة حيوانية، ومعالم سياحية جذابة، ونشاط تجاري متميز كونها الشريان الرئيس لتجارة اليمن مع بعض دول الخليج العربي، إنها محافظة المهرة التي تميزت بطبيعة خلابة و بأبنائها الذين يسطرون أجمل قصص الكفاح، الصبر، والإصرار، والتميز.
راوية عبد الحكيم بلحاف مواليد 1996م مديرية الغيضة محافظة المهرة درست وأكملت مراحل التعليم الأساسية ومن ثم الثانوي حتى التحقت بالجامعة تخصص إدارة أعمال، ومتعاقدة حاليًا في مكتب المصايد السمكية بالمحافظة، ولديها عمل خاص تحت علامة تجارية (ماي سويت) كصانعة معجنات وحلويات .
تقول راوية: “أنا كأي فتاة التحقت بالمدرسة اجتهدت ونجحت بمختلف مراحل دراستي واكملتها ليس فقط من أجل تطوير ذاتي وامكانياتي وإنما كان لدي أيضًا إلى جانب ذلك، طموح ورغبة كبيرة بأن أعتمد على نفسي اتوظف وأعين نفسي وأسرتي على متطلبات الحياة”.
تضيف: “بعدما تخرجت من الثانوية التحقت بالمعهد دبلوم إدارة مكاتب وحصلت على تعاقد، تزوجت ومن ثم أنجبت طفلين وبالرغم من المسؤوليات الكثيرة قررت أن أكمل دراستي في البكالوريوس لم يكن الطريق سهلًا خصوصًا أن مسؤولياتنا كنساء متعددة و تفوق ما يقوم به الرجل ومع ذلك ولله الحمد نجحت وحصلت على الشهادة الجامعية”.
إذا كنتي موقنةً بعبارة “لا تيأس” فيمكنكِ أن تكوني من الذين يُشار إليهم بالبنان، وبدأوا رحلتهم من الصفر، ثم أثبتوا جدارتهم في تحدي الظروف، واجتياز الصعاب؛ حتى وصلوا إلى أهدافهم، وهذا هو النهج الذي اعتمدت عليه (راوية) لتعزيز دخلها وتحسين مستوى المعيشة لها ولاسرتها، ولأن الظروف الاقتصادية السيئة في البلاد اجبرت الكثيرين على التفكير بالمزيد من فرص العمل، اتجهت راوية للبحث عن عمل إضافي لتبدأ رحلة نجاح جديدة وتجربة مختلفة وفريدة، واضعة بصمتها الإبداعية عليها.
تعبّر عن ذلك بقولها: “في ظل الظروف المعيشية الصعبة في بلادنا، فكرت اشتغل عمل خاص في أوقات فراغي وما زاد رغبتي في ذلك أني نشأت وترعرعت في وسط عائلة تحب التعلم وتؤمن به وتشجع على التطور والاعتماد على النفس، جاءتني فرصة لدورة معجنات، تابعة لجمعية ائتلاف الخير، توكلت على الله وسجلت، كان لدي خيارين إما لأكون ميك أب ارتست أو في جانب الطبخ، ظهر اسمي في مجال الطبخ و بحكم أني معروفة بمهارتي في هذا الجانب والجميع من الأهل والأقارب يثنون على كل ما أقوم به فيما يخص مختلف المأكولات الشعبية وغيرها، تميزت في هذا العمل، استلمت الدعم وبدأت مشروعي، كان الوالد رحمة الله عليه أول الداعمين لي وكذلك أمي وأخي الكبير محمد، أول ما فتحت المشروع كانت ردود البعض بالنسبة لي مزعجة لأن بنظرهم من تشتغل في هذا المجال هن النساء الأشد فقرًا أو الذين لا يملكون قوت يومهم، وهذا الانطباع أو التصور غير صحيح فنحن بالأساس أسرة مستوانا المادي جيد، لكني حبيت أساعد أهلي واعتمد على نفسي بدل أوقات الفراغ التي تضيع بدون فائدة تذكر”.
تضيف: “واجهتني عدة صعوبات منها أني كنت أحتاج لكثير من الأغراض الخاصة بالمطبخ ولا أجدها، واضطر أدور أحد جاي من سلطنة عمان بحكم قربها من المهرة عشان أرسل معه متطلبات المشروع واحتياجاته، أيضًا عندنا بالمهرة لا يوجد أسواق للبيع أو للترويج ولم أجد محلات مخصصة تشتري ما أقوم بطبخه وصنعه، كنت اعتمد على نفسي في ترويج عملي، استمريت على هذا الحال إلى أن فتحوا محل رفوف للأسر المنتجة حيث استطعت أن أعرض مأكولاتي بنسبة معينة”.
يقال أن الحياة شبيهة بلعبة الشطرنج، قبل أن تتحـرك في أي مربع، يجب أن تعرف أين تذهب؟ ولماذا؟ وماذا يمكنك أن تقدم؟ والأهم: ما هي الفــرص التي ستتوفر لك في كل مربع تتحرك إليه؟ فالنجاح يعتــرف بمن يأخــذ خطوة، ولو كانت صغيرة، فقط حـاول أن تنظـر للأمور بنظـرة مدققة فاحصــة، واستغل كل الإمكانيات لديك لتحظى بفرصة تستطيع من خلالها أن تنقل مستواك المعيشي للأفضل، وحتمًا بداخلك موهبة ما، بما لا يقبل النقاش، صوتك، طريقة تعاملك، عقلك، أفكارك، فقط حددهــا ووظفهــا، ثم سوّقها..
تكمل راوية حديثها وتقول : “الحمدلله هذا العمل قدم لي كثير من الاشياء، والحاجة اللي ما بنساها أن هذه المهنة ساعدتني كثير بمرض والدي رحمة الله عليه فأبي تعرض لجلطة بشكل مفاجئ، ونقلناه على إثرها للمستشفى بالغيضة وجلس بالعناية ثلاثة أيام لأن وضعه الصحي كان صعب، كانت حالتي النفسية سيئة جدًا وشعرت إنه لو حصل لوالدي شيء أني خلاص بانتهي وما بقدر اتحمل اعيش من دونه، بهذيك الأيام تطلب الأمر نقل والدي لسلطنة عمّان عشان يتلقى العلاج، كان أخي الأصغر مني بيدرس ويشتغل بتركيا، وأنا أيضًا كان معي شغلي وأولادي، فكان معنا أخي الثالث الأصغر منا قررنا يكون المرافق لوالدي اللي جلس مرقد بمستشفى في صلالة ٩ أشهر، وأنا جلست أشتغل وأكافح وأجمع الفلوس واحولها بالعملة العمانية عشان نقدر أنا وأهلي نزور الوالد ونكون معه، بعد هذي المدة الطويلة ما قدرنا نتحمل ونبعد أكثر فذهبت أنا والعائلة لصلالة عشان نشوف الوالد ونطمئن علية ونكون بجانبه، استأجرنا شقة لمدة ثلاثة شهور ب٣ ألف سعودي وساعدني أخي الأصغر مني، طبعًا المصاريف، والكهرباء، والماء، كلها تحتاج لفلوس فكنت أزور الوالد ساعتين وبقية اليوم اشتغل بالطلبيات في صلالة واجهزها وأخي الله يحفظه ما كان يقصر بيصرف معي أيضًا والحمدلله اعتمدنا على أنفسنا وما كنا عالة على أحد، بعد شهر شاءت الأقدار وتوفى الوالد رحمة الله عليه، ورجعنا للمهرة، كنت حزينة جدًا على رحيل أبي لكني كنت فخورة بنفسي وبإخواني وبتربية أبي لنا..”
تختم راوية حديثها وتقول : “نصيحة أقدمها لكل امرأة أنتِ سند لنفسك اولًا وأخيرًا ومهما كان ومهما يكن، لا تخلي أي شيء يوقفك عن عمل أو مهارة أو مهنة بتقديمها، حاولي تطوري من نفسك في مجال عملك وصدقيني لا الناس بتدوم لك، ولا شيء بيبقى على حاله، سوى شغلك وكفاحك وكوني قوية وقد حالك مهما واجهتي من صعاب”.
ربما تكون الظروف القاسية التي يمر بها الإنسان دافعًا قويًا لتحسين اتصاله مع نفسه، سواء كان الأمر يتعلق بالتعامل مع الفشل، أو مواجهة عقبات غير متوقعة، أو التعامل مع الإجهاد، فيمكن للأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة التكيف والمثابرة، فهم ينظرون إلى التحديات على أنها فرص للنمو، ويحافظون على التفاؤل، ويجدون حلولًا مبتكرة تخرجهم مما وقعوا بها من أزمات.