التمييز بين الأبناء بحسب الجنس.. أبواب مفتوحة للتفرقة والكراهية

شارك المقال

أمل وحيش –  نسوان فويس 

يفضل الكثير في المجتمعات العربية والعديد من الدول حول العالم إنجاب الأبناء على البنات كما يتعاملون بتمييز واضح بين الذكر والأنثى من الأبناء، وهذا ما يؤدي إلى حرمان الفتيات من أبسط حقوقهن الأسرية، سواء العاطفية، أو المادية، أو التعليمية، وترجع أسباب هذه التفرقة إلى الموروث الثقافي والمعتقدات الاجتماعية التي ترسخت في أذهان الناس، على أن الولد يستحق كل شيء بينما الأنثى تظل مجرد (أنثى) ، و في اليمن ما زالت هذه الظاهرة تؤرق الكثير من الفتيات اللاتي غالبًا لا يحظين بحقهن من الاهتمام والمساواة بينهن وبين إخوانهن من الذكور.
أنا مش بنتك!

قبل أيام وأثناء تواجدي في الباص سمعت إحدى السيدات يبدو عليها الانفعال من خلال حديثها وصوتها المرتفع تشكي لإحدى الراكبات معها من ابنتها التي رفضت الذهاب للمدرسة بسبب أنها لم تعطها مصروفًا أسوة بإخوتها، وتؤكد الأم أن ابنتها التي لا تزال في الصفوف الدراسية الأولى كانت تصرخ وتبكي بحرقة وتكرر قائلة: “ليش أنا ما تجيبي لي فلوس مثل عيالش، أو أنا مش بنتش؟”، ما يؤكد وجود العديد من الفتيات اللاتي يعانين مر التفرقة والتمييز بين الجنسين على مستوى الأسرة.
ويتفق الجميع بأن الموروث والمعتقد الثقافي الذي نشأنا عليه يعتبر أبرز سبب في التفرقة بين الذكور والإناث منذ القدم وحتى الآن، ولا يقتصر الأمر على التمييز بين الفتيات والأولاد ماديًا وثقافيًا، بل حتى عاطفيًا يتضح تأثر الفتاة التي لا تجد لدى أسرتها حضنًا دافئًا يحتويها، فتبحث عن هذه المشاعر خارج إطار أسرتها بحسب رأي (أبو أحمد) الذي يؤكد بأن قصص كثيرة صادفته لفتيات ونساء يبحثن عن الحب والاهتمام لدى رجال يعتبرهم حسب وصفه ذئاب بشرية يتصيدون الفتيات الضعيفات تحت مبرر أنهن ناقصات حنان واهتمام وبالتالي يفتح ذلك المجال لتعرضهن للابتزاز والاستغلال، وقد يصل الأمر لما هو أكبر حسب قوله إذا لم يهتم الآباء والأمهات لبناتهم ومنحهن حقهن من الاهتمام والاحتواء.
(أبو أحمد) لديه ولد وبنت وحسب قوله فإنه يسعى جاهدًا عند العودة من عمله لضمهم إلى صدره ومنحهم الحنان الأبوي اللازم، ويركز على مداعبة ابنته التي لا تزال في الرابعة من عمرها إلا أنها كلما رأته يدخل البيت تجري لترتمي بحضنه وتبدأ بسرد تفاصيل يومها على الرغم من أنه لا يفهم كثيرًا مما تقوله مع ذلك فهو لا يتجاهلها بل يستمر بسماعها ومجاراتها في الحديث حتى لا تشعر بأنه لا يهتم لما تقوله، ويؤكد أن الوالدين يتحملون أمانة وأن الأنثى مثلها مثل الذكر لها الحق في الحب والاهتمام بل أكثر من الذكر لأنها أكثر عاطفة، وعاطفتها إن لم تستقيها من والديها فستفتح أبواب شر لا يُحمد عقباها حسب تعبيره.
تمييز الأمهات 

من المتوقع أن تكون الأمهات أكثر حنية واهتمامًا ببناتهن وميلًا إليهن كونهن من نفس جنسهن وعشن ما عشنه بناتهن من معاناة تتمثل في التمييز والتفرقة وعدم الاهتمام، إلا أننا نصادف أمهات على العكس من ذلك يكون الولد هو الأقرب لقلوبهن ولجيوبهن معًا، فهذه (أم آية) لديها ابن وثلاث بنات أكبرهن في الخامسة، رغم صغر سنها إلا أنها تستوعب ما يجري من حولها ودائمًا ما تذكر والدتها بأنها غير عادلة ولكن بطريقتها، ففي كل مرة ترى أن والدتها ووالدها يمدحان أخيها الأكبر أو يمنحانه مبلغًا من المال وهي لا فإنها تتأثر وتلجأ للبكاء وتطالب والدتها بإعطائها المال كما شقيقها إلا أن الجواب يكون “أنتِ بنت وجالسة عندي بالبيت أيش تعملي بالفلوس”. تعترف والدة (آية) أنها تميز بين البنات والولد ويعود ذلك حسب قولها لأنه الوحيد والبكر، وتحبه أكثر من أخواته، لكن هذا المبرر لم يمنعها من الاعتراف بأنها تظلم ابنتها وغالبًا ما تتأثر من كلامها حينما تراها تبكي وتطالب بمساواتها بأخيها.
تمييز الأمهات
“أبي يحبنا بس العيال أكثر وأي شي يشتوه يديه لهم وما يصيح فوقهم مثلنا أما أمي واصل تمكنا أنتين بنات عتتزوجين وسرحتين عند أزواجكن” بهذه العبارة تبدأ حديثها (أسماء) 17سنة اسم مستعار التي تؤكد بأن الأهل في المجتمع اليمني يميلون إلى الذكور دائمًا ولكنها ترى بأن الأمهات هن الأكثر تمييزًا حسب رأيها وتقول بأن والدتها تحب الأولاد أكثر على الرغم من أن البنات هن القائمات على خدمتها وتسيير أمور البيت، إلا أنها تصر أن البنات مصيرهن هو الزواج وبأن الأولاد هم السند للأم حسب اعتقادها، وتؤكد أن هذا الأمر يضايقها أحيانًا كثيرة وتشعر بالغيرة من أشقائها حينما ترى هذا الاهتمام والعطاء لهم أكثر منها هي و أختها وكلما حاولت التعبير والاعتراض على هذا التمييز قوبلت بالعبارة الشهيرة “هو رجال” وكأن هذه العبارة أصبحت جبلًا يجب على الأنثى حمله فوق كتفيها كلما طالبت بالمساواة والعدل، و تضيف (أسماء) اسم مستعار أنها مع الوقت تأقلمت مع هذه التفرقة والتمييز من قبل والدتها التي تؤكد لهم في كل مرة يطالبونها بالعدل في التعامل والعطاء بأن الحب للأولاد من الله ولا يد لها به.
شخصية مهزوزة

(أم أمير) ترى بأن الأب والأم هما الأساس الأول والعامل الأهم في تكوين وصقل شخصية أطفالهم وتعديل سلوكهم وأفكارهم، وتؤكد على أن السلبية التي تحيط بالأبناء ستظل معهم مسببة لهم عقدًا نفسية يحاولون التخلص منها ولكنها في الغالب تظل مرافقة لهم طيلة حياتهم، وتشير (أم أمير) إلى أن التمييز على أساس الجنس يعد نوعًا من العقد النفسية التي تلازم الفتاة وتجعلها مهزوزة الشخصية أمام المجتمع وأمام زوجها وأطفالها في المستقبل، وترى أن الطريقة المثلى للتعامل مع الأبناء تتمثل بالتعامل بحسب الشخصية والقدرات لا حسب الجنس.
أكره أبي! 


لم تكن (سهام) اسم مستعار تتوقع أنها ستصل بالكره لوالدها لهذا الحد نتيجة التمييز الذي عانته منذ صغرها وحتى اليوم تقول إنها تكره والدها ونادرًا ما تتعاطف معه لكبر سنه ويعود ذلك الكره إلى أسلوب التفرقة الذي كان ولا يزال ينتهجه مفرقًا بينها وبين إخوانها الذكور عاطفيا وماديًا فهو منذ الصغر كان يردد باستمرار: “العيال رزح” وكان يعطيهم الأموال ببذخ بينما هي و أخواتها البنات لم يكن يحصلن على ما يطلبن إلا بصعوبة بالغة، حتى بعد أن كبرن وأصبحن في الجامعة تؤكد أنه لم يتغير، وإن وهن جسده، إلا أن روحه معلقه بالأولاد وخاصة الصغير الذي اشترى له كل ما يحلم به أي شاب، وعلى الرغم من أنه عاطل ولسانه بذيء ويرفع صوته فوق والدها حسب قولها إلا أنه يبرر له باستمرار ويصفح عنه، بينما هي وأخواتها لم يحظين بربع ما حظي به إخوانها في التعامل، وتقول إنها تكره إخوانها أيضًا بسبب تفضيلهم عليهن، وتقول إنها تأتي أيام لا تجد مصروفًا للجامعة وعندما تطالبه بإعطائها مبلغًا من المال يطلب منها ترك الجامعة فهي لا فائدة منها برأيه وأن نهايتها هي وأخواتها هو الزواج حسب قولها وهذا ما زاد حقدها ونقمتها عليه.
بُعد تاريخي
ترى (إيناس عبدالوارث) مدربة ومستشارة علاقات أسرية أن موضوع التفرقة بين الذكور والإناث موضوع متشعب جدًا وله بُعد تاريخي قديم، حيث أن نظرة أغلب الرجال تكون مختلفة وتمييزية بين الذكر والأنثى كون الذكر هو العون الأساسي للأسرة بعكس الإناث اللواتي يرى الكثيرون بأنهن يشكلن عبئًا ثقيلًا عليهم، ومن هذا المنظور نشأت التفرقة في المعاملة حسب قولها، وتضيف أن النساء عبر التاريخ حاولن الوصول لمبدأ المساواة ولكن رغم كل الحقوق التي حصلن عليها سواء في التشريع الإسلامي أو حتى في الدول الغربية فهن ما زلن يقبعن في مربع أنهن (مواطن درجة ثانية) حد تعبيرها.
انكسار
وعن العواقب المترتبة على التمييز بين الأبناء ترى (عبدالوارث) أن التفرقة تؤدي إلى نشوء نوعين من الفتيات إما اتكاليات يعتمدن على الآخرين بكل شيء أو منكسرات وقاسيات يحاولن إثبات أنفسهن للعالم، ورغم وجود عدد من الأصوات التي تنادي بالمساواة في مجتمعنا إلا أن الغالبية العظمى من المجتمع تدعم الذكور على جميع المستويات مما أنتج حسب رأيها حروبًا إضافية تخوضها الفتيات على مستوى الحياة اليومية وتضيف: “مجرد المرور في الشارع العام يعتبر تحدي يجب أن تخوضه الفتاة للخروج منه دون أذى نفسي على أقل تقدير”.
وتختم (عبدالوارث) بالتأكيد على أن الاضطرابات النفسية التي قد تحدث للفتيات نتيجة للتمييز والتفرقة تتأثر بالعديد من العوامل أهمها قسوة المجتمع التي تعتبرها السبب الرئيسي وراء هذه الاضطرابات وليس التربية فحسب.

خلاصة
تمييز الآباء بين الذكور والإناث من أبنائهم يمكن أن يؤثر عليهم بشكل كبير ويؤدي لكراهية بعضهم البعض، كما قد يؤدي هذا التمييز إلى ضعف تقدير الذات بالنسبة للفتاة وعدم ثقتها بنفسها بالإضافة للقلق المستمر والاكتئاب، وتعثرها في بناء العلاقات مع الآخرين، لذلك يجب أن يكون الآباء حذرين في التعامل مع بناتهم والسعي جاهدين لعدم التمييز بينهن وبين إخوانهن ومنحهن الحب والاهتمام وتعزيز الثقة ما يساعدهن على تخطي مشكلات الحياة والتطور والتوازن في ظل وجود بيئة أسرية عادلة ومتفهمة.
ويكفينا قول رسول الله : “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم”، كما أنه عليه الصلاة والسلام جعل عدم المفاضلة والتمييز بين الأبناء سببًا في دخول الجنة حيث يقول: “من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة ” رواه أبو داود.

مقالات اخرى