خديجة الجسري ــ نسوان فويس
تدفع المرأة في مناطق الصراع ثمنًا باهضًا قد يكون حياتها، مثلما حدث مع عدد من النساء في مناطق التماس بمحافظة الضالع، التي قسمتها المعارك بين طرفين، وضاعفت معاناة المواطنين في ظل غياب الخدمات الأساسية.
تقع محافظة الضالع على بعد نحو 250 كم جنوب العاصمة صنعاء، وهي نقطة التقاء عدد من المحافظات كالبيضاء وأبين ولحج وأب وتعز.
كان لمديريتي قعطبة ودمت الحظ الأوفر من آثار الحرب، إذ أصبحت مناطق تماس، ونزحت عدد من الأسر، بينما بقي آخرون، وتقطعت بهم السبل، ليجدوا أنفسهم محرومين حتى من أبسط الخدمات كالطرق والمراكز الصحية.
إغلاق المراكز الصحية
منذُ اندلاع المواجهات في يناير عام 2019، وحتى لحظة كتابة هذا التقرير والوحدة الصحية الوحيدة في قرية (الرحبة) _التابعة لمديرية قعطبة إحدى مناطق التماس_ مغلقة.
وكان سكان 8 قرى مجاورة يعتمدون على الوحدة الصحية، اضطروا بعد إغلاقها للاعتماد على صيدليات المدينة، والطب البدائي بالأعشاب، وفي الحالات الخطرة يتم نقلها لمدينة دمت، لكن الطرق الوعرة، وإجراءات النقاط الأمنية قد تتسبب بالوفاة للحالات المرضية خاصة النساء الحوامل.
الموت أثناء الولادة
توفيت زوجة المواطن أبو عبدالرحمن من قرية (حجلان) بمحافظة الضالع بعد الولادة، نتيجة نزيف حاد، إذ اضطرت للولادة في المنزل؛ لعدم القدرة على الخروج من قريتها في ذلك الوقت.
حاولت أسرتها إسعافها، ووصلت لأحد المراكز الطبية الذي يبعد عن قريتهم نحو ساعتين، لكنها توفيت قبل أن تصل، وكانت الأسرة تعتقد أنها دخلت في حالة إغماء، لكن الطبيب أكّد أنها توفيت قبل وصولها للمركز الطبي.
حالة أخرى (ش.ع) توفيت قبل أن تصل المدينة، نتيجة وعورة الطريق وعدم توفر المواصلات بسهولة، ولم تصل إلى المستشفى إلا نعشًا، إذ تبين أنها فارقت الحياة نتيجة تفجر الرحم وحدوث نزيف داخلي، حسب التقارير الطبية، وفق ما تحدثت لنا والدتها.
وهذه نماذج تحدثنا إليها بينما العدد أكثر، إذ تموت النساء نتيجة مضاعفات تحدث أثناء فترتي الحمل والولادة وبعدهما.
وتشهد وفيات الأمهات ارتفاعًا غير مقبول في مناطق التماس، وسبب ذلك عدم توفر الخدمات الصحية الجيدة، وعدم تلقي الأمهات المساعدة الطبية اللازمة في الوقت المناسب، إذ أن أغلب الحوامل لا يحظين بفرصة زيارة طبيب إلا مرة واحدة في الغالب، حسبما تحدثت لنا والدة الأم المتوفية.
محدودية التدخل الرسمي
عن دور الجهات المعنية يقول محافظ الضالع عبداللطيف الشغدري، لمنصة نسوان فويس إن السلطة المحلية تقدّم ما في وسعها لكل المناطق، وتولي النازحين ومناطق التماس جل اهتمامها بتوجيه المساعدات الغذائية والدوائية؛ باعتبار هذه المناطق أشد تضررًا.
من جانبه أكّد مدير مكتب الصحة بمحافظة الضالع الدكتور عبدالملك الغرباني، عدم وجود إحصائيات دقيقة حول وفيات الأمهات في مناطق التماس، إذ أن بعض الحالات تتوفى في القرى ولا يتم إدراجها في السجلات، وأخرى في المستشفيات وتنقل للبيت وتدفن دون شهادة.
ويضيف الغرباني لمنصة نسوان فويس: “خلال السنوات الخمس الماضية وصل عدد الوفيات في هذه المناطق من النسوة سواء أثناء الولادة أو بسبب الأمراض المختفة إلى 45 امرأة، فيما يقول الأهالي الذين قابلناهم إن الحالات تتعدى ذلك العدد.
وتحدث مدير مكتب الصحة بالضالع عن خطة لفتح الوحدة الصحية في (الرحبة)، والعمل على توسيع الخدمات الصحية إلى الأرياف بشكل عام، وأماكن التماس بشكل خاص، وتفعيل المبادرات المشتركة بين المجتمع والجانب الرسمي؛ بهدف إنقاذ حياة الأمهات، ورفع بعض المعاناة عنهن أثناء الحمل والولادة.
“نقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية بشكل جزئي بحسب الإمكانيات المتاحة، ونعاني من نقص في الخدمات الطبية اللازمة بسبب ضعف البنية التحتية؛ لكنّ الأهالي يشكون غياب الخدمات بشكل كلي” يقول الغرباني
منظمات تخاف على موظفيها
ولأن الجهات الرسمية باتت بحاجة ماسة إلى تدخل المنظمات لتغطية الفجوة في بعض الخدمات الأساسية، التقينا مدير منظمة الصليب الأحمر الداعم الرئيس للمجال الصحي في محافظة الضالع أحمد عبيديل، الذي أكّد أن موظفي المنظمة لم يصلوا إلى مناطق التماس لأسباب أمنية.
وأضاف: “ندعم المرضى ونقلهم من مناطق التماس للمستشفيات، وهي الخدمة التي قال سكان قرية حجلان ومناطق مجاورة إنهم لم يسمعوا بها، حتى أنهم يحرمون من الالتحاق بالتدريبات التي تقام في مجال الإسعافات الأولية”.
من جانبه علّق نائب مدير المجلس الإنساني ياسر الشامي لمنصة نسوان فويس على دور المنظمات الإنسانية قائلاً: “لا يستطيعون الدخول لمناطق التماس إلا بالاتفاق مع الجانبين، وتدخل الأمم المتحدة”.
يضيف: “أن ذلك أدى لعرقلة عمل المنظمات، وتزايد أعداد الوفيات خاصة بين النساء الحوامل والمرضعات”
الأهالي من جانبهم تحدثوا عن استمرار معاناتهم لعدم توفر الخدمات الصحية، وغياب المساعدات التي يمكن أن تقدمها المنظمات الدولية؛ لـخوفهم على موظفيهم
كابوس الحمل والولادة!
حالة من القلق والخوف لا تزال سائدة في أوساط النساء الحوامل اللاتي أكّدن أن فترة الحمل والولادة تمثل لهن أمرًا مرعبًا، إذ حصدت حياة الكثيرات منهن أثناء الحمل والإجهاض والولادة.
وعن الواقع الصحي في المنطقة، تحدث أيضًا الدكتور مجيد الضحياني، الذي يملك مركزًا صحيًا يعتبر الأقرب لتلك المناطق، قائلًا: “خلال الثلاث السنوات الماضية استقبلنا عشرات الحالات الحرجة أغلبهن نساء حوامل في حالة إجهاض أو أثناء الولادة”.
وأضاف الضحياني لمنصة نسوان فويس: “عمل المركز على تقديم الرعاية الطبية للكثير من الحالات، وقدّم الإسعافات الأولية للحالات الأشدّ ضررًا قبل نقلها إلى محافظتي ذمار أو صنعاء.
يشير الضحياني أيضًا أن مركزه استقبل عددًا من الحالات المتوفية التي فارقت الحياة قبل الوصول للمركز؛ لأسباب منها النزيف الحاد أثناء الولادة أو ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل أو المضاعفات الناجمة عن الوضع أو الإجهاض غير المأمون.
وتبرز خطة مكتب الصحة بالمحافظة التي تحدث عنها الغرباني بتوسيع الخدمات الصحية إلى الأرياف وفتح مرافق صحية جديدة، واستقطاب كادر طبي متميز خاصة في مجال النساء والتوليد وتوفير العلاجات اللازمة، كأولوية تنتظرها المئات من الأسر.
يقول الأهالي إن الأمنية الوحيدة هي وجود مخيم طبي متنقل، أو وحدة الصحية مدعومة بالأدوية والمختصات، مع استعدادهم للمشاركة في تحمل نفقات تلك الخدمات، من أجل الحصول على رعاية تنهي الكارثة الإنسانية التي يعيشونها، وباتت تشكل كابوسًا للنساء.