روسيا الجبلي: قصة نجاح فتاة ريفية من الضالع

شارك المقال

خديجة الجسري – نسوان فويس 

روسيا هي شابةٌ طموحةٌ ومتألقة، وُلِدَت في 17 أبريل من العام 2001 في قرية المسندة التابعة لمديرية دمت محافظة الضالع، بدأت روسيا مشوارها الدراسي في مدرسةِ (علي بن أبي طالب الابتدائية والمتوسطة) بقريتها المسندة عام 2007، ثم انتقلت إلى المرحلة الثانوية في (مدرسةِ عمار بن ياسر) بعزلة رخمة.

ولكن روسيا لم تكن كأي فتاةٍ أخرى في قريتها، فهي كانت تحلم بأن تصبح إعلاميةً مشهورة، وتستطيع أن تنشر رسالتها وأفكارها للعالم؛ لذلك كانت تبذل جهودًا كبيرةً في دراستها، وتشارك في الأنشطة المدرسية، خصوصًا الإذاعية منها.

مواجهة التحديات والصعاب

حلم روسيا لم يكن سهلاً، فقد عانت الكثير من المشكلات والصعوبات في طريقها، فروسيا كانت تعيش في مجتمعٍ ريفيٍ لا يُقَدِّر قيمة التعليم للفتيات، ويعتبرهن عبئًا على الأسرة، كما كانت تواجه انتقاداتٍ وسخريةً من بعض المعلمين والطلاب في مدرستها، الذين كانوا يرون أنها تخالف العادات والتقاليد بدخولها مدرسة ثانوية بين الطلاب الذكور.

وقالت روسيا : “كنت أشعر بالضغط والإحباط من نظرات الاستهزاء والتحقير التي كانت تلاحقني في كل خطوة، وكنت أسمع كلماتٍ قاسيةٍ ومؤلمةٍ من بعض المعلمين والطلاب، الذين كانوا يعتبرونني مُخربة ومتمردة على القيم الاجتماعية”.

الإصرار على تحقيق الحلم

روسيا لم تستسلم لهذه المعوقات، بل كانت تزداد إصرارًا وعزيمةً على مواصلة مشوارها التعليمي، وتحقيق حلمها في الإعلام، فهي كانت تطالب بحقها في المشاركة في الإذاعة المدرسية، وتثبت موهبتها وقدراتها في التحدث والإلقاء.

وأضافت روسيا: “كنت أحب الإذاعة المدرسية، وأشعر أنها فرصةٌ لي لأعبر عن نفسي، وأنشر رسالتي، وأثبت قدرتي. لذلك، كنت أصر على المشاركة فيها، رغم معارضة بعض المعلمين، الذين كانوا يرون أن هذا لا يليق بفتاة من قرية ريفية”.

وفي إحدى المرات، نجحت روسيا في إقناع مدير المدرسة بالسماح لها بإلقاء برنامج إذاعي، فأبدعت في تقديمه بطلاقةٍ وثقةٍ، مما جعل الجميع يشعرون بالإعجاب بها، والأسف على اعتراضهم على طموحها.

التخرج بامتياز والسعي للمزيد

في العام 2018، تخرجت روسيا من الثانوية العامة بمعدل 82%، وهو معدلٌ عالٍ جدًا مقارنةً بظروفها وبيئتها، وكانت روسيا قد حصلت على هذا المعدل بجهدها وكفاءتها الذاتية، دون أن تستخدم أساليب الغش أو التزوير.

ولكن روسيا لم تكتفِ بذلك، بل سعت للحصول على فرصةٍ للدراسة في كلية الإعلام، والانضمام إلى عالم الصحافة والإذاعة. 

 حساب فيس بوك في زمن المعارضة

روسيا أحمد صالح الجبلي، اسمٌ يجمع بين دولة عظمى وقبيلة شهيرة، لكنه يشير إلى شخصيةٍ فريدةٍ من نوعها في محافظة الضالع، فروسيا هي فتاة ريفية تحولت إلى إعلامية ناجحة، بفضل دعم والدها وحبها للقراءة والكتابة.

كان حسابها على فيس بوك نافذةً تطل من خلالها على العالم، وتشارك فيه منشورات ذات طابع ثقافي وأخلاقي، لكن هذا لم يمنع مجتمعها من معارضتها وانتقادها، فهي كانت البنت الريفية الوحيدة التي تملك حسابًا باسمها في تلك المنطقة.

 قارئة في زمن المحظور

لم تكتفِ روسيا بقراءة كتب المدرسة فقط، بل تعدَّتها إلى كتب الفلسفة والسياسة والأدب. كان هذا يثير دهشة جيرانها، عندما يرونها تحمل كتابًا غير مدرسيًا وغير دينيًا، لكن روسيا لم تُبَالِ بأي معارضات خارجية، فحبها للقراءة والاطلاع كان أقوى من أي عوائق.

مغامرة في زمن الخوف

من بين مزارع الذرة وأشجار السدر والطلح والرمان، ومن وادي الموردة الذي يمر منه وادي بناء، خرجت روسيا من حياتها الريفية إلى العاصمة صنعاء، لتلتحق بكلية الإعلام. كان هذا قرارًا جريئًا من والدها أحمد صالح الجبلي، الذي كان مساندًا ومشجعًا لابنته، لكنه أثار حفيظة المجتمع، الذي اعتبره تجاوزًا للعادات والتقاليد والأعراف. واجهت أسرة روسيا معارضة سرية وأخرى جهرية، لكنها صمدت بتحدي وثبات، وسارت نحو خطوة تاريخية في عزلة عمار ومحافظة الضالع ككل.

 نجاح في زمن الفشل

صدح صوت روسيا في الأفق، وحصلت على درجات جامعية متميزة، وحافظت على أخلاقها العالية التي تربت عليها. برعت في الإعلام، وأشهرت قلمها الذهبي بحجة ووقار في وجه كل معارض، واصلت مسيرتها العلمية بثقة ونجاح، وأصبحت نابغة في مجالها.

تأثير في زمن اللامبالاة

انقلب المجتمع المعارض والمؤيد إلى قلب مشجع واحد نحو تأييد روسيا، وجعل منها أسطورة خيالية يضرب بها المثل، تمنى كل أب لبنته أن تكون روسيا قادمة في تحقيق حلمها وحلم أبيها، صار كل أبناء مديرية دمت والمديريات المجاورة يتابعون حرفها في الفيس بوك بشغف، ويؤيدون كل ما تنشره على حسابها. ازداد عدد متابعيها إلى قرابة 110 ألف متابع، معظمهم من محافظة الضالع، تأثَّرَت بها الكثير من البنات، اللواتي اجتزن مرحلة الثانوية، وتقدَّمن إلى بعض المدارس والكليات، اقتداءً بروسيا.

رسالة في زمن الضياع

حققت روسيا نجاحًا هو الأول في محافظة الضالع، ولا تزال طالبة جامعية، كانت كقائد ثورة مجيدة حققت مكتسباتها وأهدافها المشروعة، من أبرزها التحاق الفتاة الريفية بالتعليم.

 

 

مقالات اخرى