تشريعات هشّة، عنف، وصمت.. ثالوث يطوّق نساء اليمن 

شارك المقال

نسوان فويس- مروى العريقي 

ذات نهار في بداية شهر جديد يستبشر الناس علّه يكون فاتحة خير، كعادتها كل يوم تقف فاطمة في الزاوية المخصصة لها من المول الذي تعمل به، لتفاجئ بتلقيها 10 طعنات إحداهن أصابت عينها، هجوم عنيف فارقت الحياة على إثره بعد وصولها المشفى، والعجيب أن الفاعل زميلها في ذات المول!.

لاحقًا كشفت التحقيقات أن سبب الجريمة هو تعبير الفتاة عن حقها المكفول، في رفض عرض الشاب للزواج بها، إلا أنه أقدم على قتلها، مجسدًا بذلك المعنى الحرفي لمقولة “من الحب ما قتل”!، والتي تعني الموت شوقًا للمحبوب وألمًا بفراقه لا القتل العمد.

وفي أغسطس 2023؛ أصدرت محكمة المنصورة الابتدائية حكمًا بالإعدام بحق القاتل محسن رشاد، والذي تقدّم بالطعن في الحكم، وبذلك أُحيل ملف القضية إلى محكمة الاستئناف ولازالت هناك حتى اليوم..

مسلسل عنف
ما إن يهدأ الرأي العام اليمني من الحديث عن جريمة عنف طالت إحدى النساء، حتى يستفيق على فاجعة عنف جديدة، ففي أكتوبر 2023 تعرّضت الشابة سجى محمد بجاش – 20 عام – لعدة طعنات أمام مرأى ومسمع المارة في شارع عام بمدينة عدن جنوب البلاد، ولازالت التحقيقات مستمرة لمعرفة ملابسات الحادثة..

زهور تذبل
مع دخول البلاد عامها التاسع من الحرب، تسجّل اليمن ارتفاعًا في الجرائم ومظاهر العنف بكل اختلافها وبشاعتها، وبمرور الوقت يتناسى الناس القضايا وإن كانت جسيمة، ففي صنعاء تراجع الرأي العام عن الحديث حول قضية اغتصاب ثلاث شقيقات قاصرات، بعد أن ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #زهور_تذبل قبل ما يزيد عن عام، لتذهب تلك القضايا إلى المحاكم، وتموت لدى الرأي العام؛ لكن تصاعدها بعد الحرب في اليمن يعد مؤشرًا خطيرًا يهدد أمن وسلامة المجتمع..

فتاة يريم 

في مدينة يريم التابعة لمحافظة إب وسط البلاد، دفع العفاف والحشمة بالشابة رباب بدير إلى القفز من على مركبة نقل (باص) وهي تسير، ما أدى إلى مقتلها على الفور بعد أن حاول السائق اختطافها، وبحسب وسائل إعلام محلية تمت إحالة السائق زيد الرياشي من إدارة أمن مديرية يريم إلى النيابة الجزائية بمحافظة إب، وبعد تجمهر العديد من المواطنين أمام إدارة الأمن وأصبحت قضية رأي عام، استبشر الناس بهذا الإجراء إلا أن المحكمة حكمت عليه بالسجن مدة ثلاث سنوات، ما تسبب بموجة إحباط لدى أسرتها وجميع المتعاطفين معها..

تحرش بالمحارم
وفي حضرموت لجأت أم لجين إلى تقديم بلاغ إلى اتحاد نساء اليمن تشتكي تعرض فتياتها الكبرى 10 سنوات، والصغرى 7 سنوات، إلى التحرش من قبل أبيهن بعد أن استمر التحرش بهن طيلة ثلاث سنوات..

وبحسب موقع يمن فويتشر لم تتجاهل الأم شكوى بنتيها المتكرر، وحين ناقشته قام بضرب الفتيات ضربًا مبرحًا، ولم تستطيع الدفاع عنهن، إذ أخذ السكين وهددهما بالذبح، وبعد هذا التهديد حرصت على مراقبتهن مع أبيهن حتى صُدمت بما رأته، وخاضت حربًا معه، ومع أهله الذين اتهموها بعرضها، وعرض بناتها لتتستر على الفاعل الحقيقي..

هشاشة التشريع 


وفقًا لقانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994م، الذي اعتبر هتك العرض بالإكراه أو الحيلة جريمة حدد عقوبتها بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات، كما نصت المادة (272)، ما يجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه لهذه الجرائم..

ولعل قضية الشابة مروى البيتي تُعد القضية الأولى التي انتصر فيها القضاء لصالح الضحية، ففي أواخر نوفمبر من العام 2020، أقدم زوجها على إحراقها بإضرام النار عليها أمام طفليها، في جريمة هزّت مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، وأثارت تعاطفًا واسعًا من الرأي العام، ما دفع بالقضاء إلى إدانة الزوج بجريمة القتل العمد، وقضت حكما بالإعدام قصاصًا وتعزيرًا، وإلزام المدان بتعويض أولياء الدم بسبب ما لحقهم من الأضرار المادية والمعنوية..

صمت مجتمعي
جاهدت اليمنيات على مدى عقود في محاولة منهن للحصول على تمييز إيجابي سواء في القانون، الذي تجاهل تمامًا العنف الذي تتعرض له النساء في اليمن، أو في حصولهن على التعليم الإلزامي ما يضمن تشكيل وعيهن قبل الزواج، إلا أن كل تلك الجهود لم تؤتِ أكلها، فالصمت هو سيد الموقف في أغلب حالات العنف التي تتعرض لها النساء..

تقول الاخصائية الاجتماعية وسيلة العمري في حديثها لمنصة نسوان فويس: “عواقب الصمت تقع على الحالة نفسها، وقد تقودها إلى الانتحار أو الإصابة بأمراض نفسية تجعلها غير قادرة على ممارسة حياتها بالشكل الطبيعي، وهذا يؤدي إلى تفكك الأسرة التي تُعد لبنة المجتمع، ومعه ينعدم الاستقرار والأمان المجتمعي..”

وتضيف في حديثها لنسوان فويس: “يجب توعية الأسر بوسائل التربية الصحيحة وعدم التفريق بين البنات والبنين حتى لا يترسخ في أذهان الأطفال أن الفتيات مصدر للخزي والعار أو أنهن سبب لتلطيخ الشرف في المجتمع، ويكبروا على مبدأ انتهاك شرفها يعني مقتلها دون التفريق بين أنها ضحية أم لا، وكذلك يجب أن يغرسوا في الفتيات الشجاعة لإخبار أهاليهن بما طالهن من أذى”.

القانون
لا يتخذ القانون عقوبة رادعة لجريمة بشعة كالإغتصاب، إذ يعاقب القانون اليمني جريمة الاغتصاب في المادة (269) عقوبات، بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، وبعد قضاء المدة يتم الإفراج عن المغتصب ليمارس حياته بشكل طبيعي، فيما الضحية لا تزال ندوب الجريمة عالقة في ذهنها..

وبهذا الصدد يقول المحامي فؤاد الكوكباني في حديثة لمنصة نسوان فويس: “يُشكل ضعف النص القانوني وعدم فاعليته في تحقيق العدالة بوابة استمرار ارتكاب مثل هذه الجرائم، ويعيق من إتاحة فرص للمعالجة، إذ يجب تشديد العقوبة وتغليظها من الحبس إلى الإعدام..”

وبين صمت يفرضه المجتمع وقانون لا يعترف بحقوق ضحايا المعنفات تضيع حياة عدد من النساء في اليمن.

مقالات اخرى