يمنيات يواجهن الحرب وانقطاع الرواتب بمهن يمارسنها من المنزل    

شارك المقال

   أمل وحيش – نسوان فويس 

يشهد اليمن منذ ما يقارب 9 سنوات اضطرابات واسعة، نتيجة الحرب التي اندلعت مطلع مارس 2015، وأدت إلى مقتل وجرح ونزوح الكثيرين من منازلهم، وقد أفضى ذلك الصراع إلى تدهور كبير في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتلاشي الخدمات الأساسية، وانقطاع الرواتب لسنوات، كلها أسباب دفعت بالمرأة اليمنية إلى المشاركة الفاعلة والبحث عن مصادر دخل تساهم بها في تأمين ما يسد رمق أسرتها ويستر عورة الفقر والجوع الذي طال الكثيرين. 

باب رزق مفتوح

تعتبر مهنة الخياطة من أشهر المهن التي اعتمدت عليها كثير من النساء اليمنيات، و في فترة الحرب ارتفعت نسبة النساء اللاتي يعملن في مجال الخياطة وتصميم الملابس النسائية، الأمر الذي تعتبره الكثير من العاملات في هذا المجال بابًا مفتوحًا للرزق، وبحسب (أم إيمان) وهي إحدى النساء اللاتي يعملن في مجال الخياطة منذ أكثر من 20 عامًا، لم تكن تعتبرها مهنة قبل الحرب بل هوايه ، فقد كان دخل زوجها من وظيفته قبل الحرب كافٍ لها ولأطفالها، وكانت الخياطة بالنسبة لها مجرد زيادة خير حسب تعبيرها، لكن الحرب جعلت منها مهنة إلزامية لها خاصة بعد انقطاع راتب زوجها، وارتفاع الأسعار وغيرها من الأمور التي أجبرتها على التعمق أكثر في مجال الخياطة وبدأت في حضور بعض الدورات الخاصة بالمجال، إضافة إلى اعتمادها على الإنترنت والفيديوهات المتعلقة بالخياطة والتفصيل، ما جعلها تركز وتهتم بأدق التفاصيل في عملها، وأصبحت معروفة في الحي والأحياء المجاورة بإتقانها للخياطة، وهو ما أضاف لها دخلًا قويًا ساهم في تعليم أبنائها ودخولهم الجامعة، إضافة إلى مصاريف البيت، وتأثيثه، كل ذلك كان بفضل مهنة الخياطة التي تحمد الله أنها كانت سببًا في رؤية ابنها يتخرج من الجامعة أمام عينيها بعد صبر وعناء سنوات من الدراسة، وابنتها الأخرى على وشك التخرج، وعلى الرغم من عواقب مهنة الخياطة الصحية المتمثلة معظمها في آلام الظهر والرقبة، وضعف البصر بسبب العمل نهارًا وليلًا على ماكينة الخياطة، إلا أن (أم إيمان) تؤكد بأن الحياة مستمرة بكل متاعبها، وتشيد بدور النساء اليمنيات اللاتي ابتكرن وتعلمن مهن مختلفة من أجل مساعدة أزواجهن وأهاليهن في ظل الحرب والصراع القائم منذ سنوات.

نقش وكوافير 

تزوجت بعد أحداث 2015 بعامين، وفي بداية الأمر كان زوجها يعمل في أحد المصانع براتب شهري، فكان راتبه يفي بالغرض نوعًا ما، وبعد إنجابها الطفل الأول بدأت الالتزامات تزيد، ما جعلها تقدم في إحدى المدارس القريبة من منزلها لتدرس، ومع ذلك فإن دخل زوجها مع راتبها الذي لا يتجاوز 30 ألف ريال لم يكن كافيًا لتغطية إيجار ومصاريف البيت، واحتياجات طفل، وطفل آخر على وشك القدوم للحياة، فقررت (أم ربى) اسم مستعار أن تعود لموهبتها السابقة في النقش والكوافير التي كانت تمارسها قبل الزواج والتي توقفت عنها بسبب رفض زوجها أن تستمر في العمل، ولكن الظروف كانت أقوى منهما فبدأت منذ 3 سنوات تذهب للمنازل من أجل تجهيز العرائس ونقشهن، إضافة إلى التدريس لتصرف على البيت وتفي بالتزامات أطفالها، خاصة بعد ترك زوجها للعمل وعودته للقرية حيث أصبح عاطلًا، ولا يجد عملًا إلا بالأجر اليومي فهو يعمل يومًا وعشرة أيام لا يعمل بحسب قولها.

مهنة النقش والكوافير بحسب (أم ربى) تدر دخلًا جيدًا خاصة في مواسم الأعراس حيث أن العروس وأهلها من النساء جميعهن يطلبنها، الأمر الذي يفرحها وإن تطلب ذلك ساعات طويلة من الجلوس بكيفية تتسبب في مشاكل صحية كثيرة أهمها آلام الظهر إلا أنها تقول كل ذلك يهون مقابل أن تجد مبلغًا من المال تشتري فيه حاجياتها وحاجيات أطفالها.

صناعة اللحوح 

(أم سامية) اسم مستعار هي الأخرى لم تقف مكتوفة اليدين إزاء التدهور الاقتصادي الذي عصف بالبلاد، وبعد نزوحها من الحديدة هي وأبنائها إلى العاصمة صنعاء، وبعد أن كان اعتمادها على ما تجود به المنظمات من معونات بين فينة وأخرى، إلا أنها لم تحتمل انتظار طرق بابها لاستلام معونتها فقررت أن تعين نفسها بنفسها وتعتمد على ذاتها، من خلال مهنة توفر لها دخل يومي يغنيها عن مد يدها للناس، فعملت على صناعة اللحوح وبيعه في إحدى البقالات الموجودة في الحي، وبعد فترة توسعت وأصبحت تقنع كثير من البقالات أن تضع اللحوح لديهم لبيعه مقابل نسبة بسيطة يأخذونها من صافي الربح، و استطاعت بذلك أن تؤمن لأولادها دخل يومي يساعدهم في تجاوز مرارة النزوح وتكاليفه الباهظة، ومازالت (أم سامية) تمارس هذه المهنة وتتمنى أن تنتهي الحرب وتعود لمدينتها حيث يوجد بيتها الذي هجرته وإلى حياتها الطبيعية التي تعتبر أنها كانت أسهل بكثير مما هي عليه اليوم.

تطريز 

يعد فن التطريز من المهن الفنية التي تحتاج إلى صبر ودقة في التنفيذ، وهذه المهنة لا تحبذها كثير من النساء كونها تجهد النظر، إلا أن (أم عبده) امتهنتها بعد الحرب نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة، فأثناء خروجها للسوق ذات مرة سمعت أحد الباعة في محل عباءات يتحدث عن التطريز اليدوي ما دفعها للسؤال عن الأمر، فأخبرها أنه يتعامل مع سيدات يقمن بتطريز (العبايات) بمقابل مادي، فطلبت منه أن يمنحها هذه الفرصة، وهذا ما تم ومنذ عامين وهي تعمل معه ومع محلات أخرى في مجال التطريز هي وإحدى بناتها، تقول بأنه دخل بسيط لكنه يفي بالغرض وتؤكد بأن الأوضاع المالية لعائلتها ليست جيدة، وهذه المهنة رغم عنائها إلا أنها رزق تحمد الله عليها، وتؤكد بأن كل من تعرفهن من النساء أصبحن يعملن من البيت لمساعدة أزواجهن لأن الوضع كما تقول لا يكفي أن يعمل شخص واحد ليكفل أسرة بل يتطلب عمل وتكاتف الجميع.   

تسويق إلكتروني

كثير من النساء لجأن للبيع عبر الإنترنت وذلك من خلال التسويق لمجموعة من المنتجات عن طريق الواتساب خاصة المنتجات التجميلية، وملابس النساء والأطفال، أو عبر التسويق لمنتجات تتبع شركات عالمية معروفة في السوق، كما عملت (إشراق) وهي طالبة جامعية وتعتبر نفسها حديثة العهد في هذا المجال، إلا أنها تؤكد أنها فرصة جيدة للعمل من المنزل وتستطيع من خلالها أن تعمل وتكمل جامعتها دون عوائق، وتقوم هذه المهنة على تجميع نقاط من خلال الترويج للمنتجات وكلما تم شراء مجموعة من المنتجات عن طريقها كلما أضيفت لها نقاط واحتسب لها مبلغ مالي، وتعتبر (إشراق) هذا العمل مريح جدًا مقارنة بغيره، وبأن أرباحه جيدة وإن كانت غالبًا آجلة ولا تأتي بسرعة إلا أنها تأتي بشكل مُرضي بالنسبة لها.

مهن كثيرة تمتهنها النساء اليمنيات ويمارسنها من المنزل ساهمت بشكل أو بآخر بتأمين ولو الجزء اليسير من احتياجات الأسرة الحياتية، وأثبتن أنهن مصدر الدعم الأول للأسرة، وبأنهن لا يقفن موقف المتفرج، بل يعملن بكل طاقتهن من أجل البقاء والاستمرارية وإن كانت تلك الأعمال تأخذ من صحتهن الكثير إلا أن سعادتهن تكمن في الاكتفاء الذاتي وعدم الاتكال، إضافة إلى رؤية من يحببن سعداء، ويملكون ولو الجزء اليسير من احتياجات الحياة التي تأتي في مقدمتها لقمة العيش.

 

مقالات اخرى