أمل وحيش – نسوان فويس
تساهم المرأة اليمنية بشكل ملفت للنظر في عملية صنع السلام على المستوى المحلي والدولي منذ بدء الصراع في اليمن مطلع العام 2015، ويتجلى ذلك بشكل كبير في المساعدة بإجلاء المدنيين والجرحى من المناطق المتضررة من الصراع، إضافة إلى مشاركتها في التفاوض مع طرفي الصراع من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، وفتح الطرق المغلقة التي تسببت في معاناة كبيرة للمواطنين، وباستمرار تدعو لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وغيرها من المساهمات الفاعلة التي تعد حق من حقوقها تجاه مجتمعها.
واجهة
المرأة اليمنية تعتبر أيقونة نضال تسعى دومًا لتدعيم ركائز السلام، ولها مشاركات واسعة في هذا الشأن وهذا ما تؤكده الدكتورة شفيقة سعيد رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة وهي الجهة الأولى المعنية بقضايا المرأة، حيث تؤكد (سعيد) في حديثها لمنصة (نسوان فويس) أن المرأة اليمنية تعتبر أيقونة نضال وسلام وذلك من خلال القصص الواقعية للكثير من النساء اللواتي ساهمن في فض النزاعات ونشر السلم الاجتماعي وتقول: “توجد العديد من النماذج لنساء عملن على فض النزاعات وكانت حلًا لعدم وقوع ثارات قبلية ونزاعات”.
ومن أبرز الصعوبات التي تعيق مشاركة النساء اليمنيات في صناعة السلام بحسب الدكتورة (شفيقة سعيد) هي قلة فرص التدريب والتأهيل في مجال السلام خاصة وأن هناك الكثير من النساء لديهن الرغبة في المشاركة في فض النزاعات وإحلال السلام لكن حسب قولها فإنهن لا يعرفن من أين يبدأن لذلك فهي تشدد على ضرورة التدريب والتأهيل للمرأة في هذا الجانب، إضافة إلى معوقات أخرى ترى أنها تسهم في تقييد مشاركة المرأة الفاعلة في السلام وأهمها تركيز النساء على العمل المجتمعي والعزوف عن العمل السياسي، إلى جانب غياب الإرادة السياسية من قبل طرفي النزاع في ٲهمية مشاركة النساء في صناعة السلام، وتضيف: “كذلك محاربة الأطراف النسوية المحايدة والتواقة من قبل سلطات الأمر الواقع وهذا يتطلب حماية دولية لهن في ظل العمل في نشر ثقافة السلام، لٲنه في المقابل توجد ٲطراف تؤجج عملية استمرار النزاع”.
تأثير الحرب
ترى الدكتورة (شفيقة سعيد) بأن الحرب أثرت بشكل كبير على المرأة اليمنية من نواحي عديدة أهمها الناحية الاقتصادية التي جعلت الكثير من النساء بدون مرتبات، نازحات، ومنهن من تسربت من التعليم، إضافة إلى فقدان المعيل وتحملها عبء كبير على عاتقها يتمثل في تحمل مسؤولية البيت والأطفال، خاصة بعد خروج المعيل لجبهات القتال، أضف إلى ذلك فقدانهن للرعاية الصحية وزيادة وفيات الأمهات وإصابتهن بسوء التغذية، وزيادة معدلات العنف الأسري، كل تلك المعاناة ومازالت المرأة اليمنية تناضل لٲجل البقاء وتكافح وتعمل بكد في كافة المرافق وفي كافة الأعمال، مستمرة في نضالها لتربية أبنائها وتحمل مسؤولياتها حسب قولها.
أهمية القرار (1325)
قرار مجلس الأمن 1325 الذي صدر في أكتوبر عام 2000 و صُوت عليه بالإجماع -والذي ينص على ضرورة إشراك المرأة في صُنع القرار على كل المستويات المحليَّة والدولية، وصنع السلام وحفظه، بالإضافة إلى حماية النساء من أشكال العنف كافة، وتفعيل القوانين التي تكفل حماية المرأة- يعد قرارًا مهمًا تطالب النساء بتفعيله حتى يتمكن من المشاركة الفاعلة والمؤثرة في خدمة المجتمع.
وحول أهمية تفعيل هذا القرار ترى الدكتورة (شفيقة سعيد) أن هذا القرار سيساهم في الحد من الانتهاكات التي تحدث للنساء خلال النزاعات ٲو ما بعد النزاعات، كما سيلزم جميع الأطراف على احترام القانون الدولي الإنساني وعدم التعرض للنساء، إضافة أنه سيخلق بيئة آمنة للنساء حسب قولها وتؤكد على ضرورة التزام كافة الأطراف بمشاركة النساء في المفاوضات التي تجري من أجل الوصول لحلول تدعم عملية السلام وإنهاء الصراع.
دمج
لاشك أن المعوقات التي تقف حاجزًا أمام مشاركة فاعلة للمرأة في عملية بناء السلام وفض النزاعات كثيرة إلا أن هناك حلول تقترحها الدكتورة (شفيقة سعيد) لتقوية دورها وتساهم في تمكينها بجدارة من المشاركة القوية في عملية السلام في اليمن، أولها تدريب وتٲهيل وبناء قدرات النساء المهتمات على التفاوض ومعرفة طرق بناء السلام وهن كثر بحسب قولها.
كما تشدد (سعيد) على ضرورة تفعيل الدور الأممي وممارسة الضغط على أطراف الصراع في اليمن من ٲجل تفعيل مشاركة النساء في المفاوضات وصناعة السلام، بحيث تكون هؤلاء النسوة هن صاحبات قرار ولاتفرض عليهن ٳملاءات من قبل تجار الحروب وتضيف: “وحين نتحدث عن السلام لايعني ذلك سقوط الحقوق وسقوط جرائم الحرب، حيث توجد هناك عدالة انتقالية ورصد للانتهاكات ويجب ٲن تعاد الحقوق لٲهلها”.
كما تطرقت الدكتورة (شفيقة) في ختام حديثها مع منصة (نسوان فويس) إلى أهمية نشر الوعي القانوني ونشر ثقافة السلام في ٲوساط المجتمع من قبل النساء لكي يؤمن المجتمع بقدرتهن علۑ إنهاء النزاع.
عن دور إدارة الإعلام في اللجنة الوطنية للمرأة في دعم ومساندة المرأة من أجل صناعة السلام تقول (ماريا راشد) مدير إدارة الإعلام لدى اللجنة الوطنية للمرأة إن الإدارة تسعى إلى نشر الوعي من خلال اتجاهات ثلاث بدءًا من التوعية بشكل عام لأهمية مشاركة النساء في صناعة السلام وهنا يتم استهداف المجتمع وصناع القرار، الأمر الثاني توعية المرأة وتحفيزها لتكون صانعة للسلام، كذلك توعية المجتمع بأهمية دور النساء في ترسيخ مبادئ السلام، وذلك من خلال حملات توعوية عبر وسائل التواصل والتوعية المباشرة والغير مباشرة.
وتتفق (راشد) مع زميلاتها بأن من أهم الطرق والوسائل التي تمكن المرأة من المشاركة في بناء السلام هي وجود الإرادة السياسية الحقيقية في إشراك النساء في عملية السلام والمفاوضات وبناء قدرات النساء في بناء السلام، وتوجه كلمة للنساء من أجل التمكن من المشاركة في عملية بناء السلام والمفاوضات مفادها أن الانخراط في النشاط المجتمعي والحكومي لإيصال صوتها مهم جدًا إضافة إلى توحيد الجهود مع بقية النساء، والاطلاع والقراءة حول قصص البلدان الأخرى ومشاركة النساء في عملية صناعة السلام لضمان تواجدها بقوة كصانعة للسلام.
صانعات سلام
تسعى النساء اليمنيات للمشاركة في عملية بناء السلام ودعم الاستقرار في البلاد وحل النزاع وإيقاف الحرب، كغيرها ممن يعنيهم استقرار الوطن والمواطن، فهن صانعات سلام على كل الأصعدة.
الأستاذة (نسيبة مدغة) المدير التنفيذي لمنظمة جسور للسلام والتعايش تؤكد أن المرأة اليمنية تبذل جهدًا كبيرًا من أجل دعم السلام في اليمن وتقول: “النساء اليمنيات يقمن بالعديد من الجهود لتعزيز مشاركتهن في بناء السلام ودعم الاستقرار، فهن يعملن كأول مستجيبات وصانعات سلام غير رسميات على المستوى المحلي وتضيف بأن النساء يطالبن باستمرار بحقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهن مشاركات فاعلات في مؤسسات وشبكات وتحالفات تدعم قضايا المرأة والسلام والأمن.
وتؤكد أن هناك نساء ساهمن في تحقيق إنجازات كبيرة في مجال السلام وفض النزاعات متطرقة إلى (ارتفاع القُباطي) كونها أول امرأة ترفع مخلفات الحرب في اليمن ومديرة مركز التوعية البيئية حاليًا، ولذلك اختيرت سفيرة النوايا الحسنة من قبل المنظمة النرويجية للعدالة والسلام.
وتضيف (مدغة): “ساهمت النساء في مجال السلام عبر مبادرات لتقديم خدمات اجتماعية للتخفيف من آثار الحرب خصوصًا خلال النزاع، وانخرطت الكثير من النساء -لم يسبق لبعضهن العمل في المجال العام- في مجالات التعليم والتأهيل، ووفرن الخدمات مثل خدمات الإغاثة الطارئة أو الدعم النفسي إلى النازحين داخليًّا كما عملن على بناء القدرات لمساعدة النساء على توفير دخل من خلال برامج التمكين والمبادرات الطوعية”.
ضعف الإرادة السياسية
وفيما يتعلق بالتحديات التي واجهتهن وتواجهن كناشطات في عملية السلام تؤيد (مدغة) ما سبق من حديث حول ضعف الإرادة السياسية الوطنية لإشراك النساء في المفاوضات الرسمية لبناء السلام حيث يعد من أبرز العوائق حسب رأيها، إضافة إلى الأعراف والمعتقدات الثقافية المتجذرة في العادات القبلية والاجتماعية والتي تحدد أن دور المرأة يقتصر على أعمال المنزل والأولاد. كذلك التحديات الاقتصادية وتأثيرها، والتطبيق غير الكامل للقوانين، كما أشارت إلى غياب الحماية الكافية لحياة وأسر النساء صانعات السلام اللاتي يتعرضن للتهديد والاختطاف وتشويه للسمعة والاتهامات غير الأخلاقية، كذلك عدم وجود آلية تضمن مشاركتهن في بناء السلام بشكل آمن، إلى جانب عدم احترام قرارات مجلس الأمن بشأن المرأة والسلام والأمن، كل هذه تحديات تحول دون وجود دور أكبر وفاعل للمرأة اليمنية في عملية بناء السلام بحسب رأي (مدغة).
تفعيل دور المرأة
دور المرأة اليمنية وإدماجها بقوة في عملية بناء السلام وحل النزاعات المسلحة، والمفاوضات وغيرها لا يتم إلا بخطوات بحسب (مدغة) تركز فيها على ضمان مشاركة المرأة في جميع مستويات السلام وفقًا لقرارات مجلس الأمن بشأن المرأة والسلام والأمن، وتشدد على أهمية تخصيص الموارد والدعم لبرامج تدريب وتأهيل وتعليم المرأة في مجالات مختلفة تساهم في تحسين قدراتهن وفرصهن في المشاركة الفعّالة في بناء السلام، وتنوه إلى ضرورة رفع الوعي والتثقيف في المجتمع عن أهمية دور المرأة في بناء السلام وفض النزاعات، وتغيير الصورة النمطية عن المرأة كضحية فقط إلى شريكة في صنع التغيير.
وعن دور منظمة جسور للسلام والتعايش في تعزيز دور المرأة ودمجها في عملية بناء السلام وفض النزاعات تقول (مدغة): “تعتبر منظمة جسور للسلام والتعايش إحدى المنظمات المهتمة بتعزيز دور النساء في مختلف المجالات خصوصًا دورها في بناء السلام والأمن والوساطة المجتمعية، حيث سعت المنظمة من خلال برامجها على تنفيذ الأنشطة التي تدعم دور النساء والفتيات في عملية بناء السلام والأمن بمختلف المستويات والمجالات”.
مشاريع كثيرة نفذتها منظمة جسور للسلام والتعايش معظمها تهدف إلى تعزيز قدرات المبادرات الشبابية والنسوية في إطار تدخلات داعمة للسلام وتعزيز الاستقرار.
في ختام حديثها لمنصة (نسوان فويس) توجه الأستاذة (نسيبة مدغة) المدير التنفيذي لمنظمة جسور للسلام والتعايش رسالة للنساء اليمنيات قائلة: “نحن حفيدات بلقيس والملكة أروى، سنواصل مسيرتنا في دعم قضايا النساء اليمنيات وتفعيل إشراكهن في عملية بناء السلام والأمن، حتى نحقق الاستقرار والعدالة في المجتمعات المحلية”.
تظل عملية إشراك المرأة اليمنية في عملية بناء السلام وفض النزاعات، والمشاركة في المفاوضات الجارية لإنهاء الحرب، عملية تحتاج إلى إرادة قوية من المرأة بأنها قادرة وتستطيع أن تكون شريك فاعل في الوصول لحلول تعمل على إنهاء الأزمة وإحلال السلام، إضافة إلى وجوب وجود إرادة سياسية من كافة الأطراف لدعم وتعزيز تواجد المرأة في عملية صناعة السلام كونها المتضرر الأكبر من الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من ثمان سنوات.