أمل وحيش – نسوان فويس
يجدد اليمنيون اللقاء بالعيد وهم في حال ليس أفضل من ذي قبل بعد مرور أكثر من ثمان سنوات على الحرب التي أنهكت الأرواح والأجساد، وحرمتهم من اكتمال فرحتهم، نتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وانقطاع المرتبات، وارتفاع الأسعار، حتى وإن احتفل اليمنيون فإن احتفالهم لا يأتي إلا بعد مرورهم بمحطات كثيرة من الألم والحزن، والديون التي تثقل كاهلهم، فكسوة الأطفال، وشراء الحلويات، والأهم شراء الأضحية أصبحت من الممنوعات لدى كثير من الأسر بسبب تردي الأوضاع المادية، وارتفاع نسبة الفقر في اليمن.
حلم الأضحية
تعتبر الأضحية شعيرة من شعائر الدين الإسلامي، وتُسن الأضحية لكل مسلم قادر استوفى شروط الأضحية المتفق عليها وهي الإسلام، والعقل، والحرية، والإقامة، والاستطاعة المالية.
ولأن الاستطاعة المالية تعتبر شرطًا من شروط الأضحية، نجد كثيرًا من الناس أضحت لأضحية بالنسبة لهم كالحلم بسبب ارتفاع أسعارها، فمنهم من لا يستطيع أن يشتريها لعائلته كون ظروفه المادية لا تسمح، ومنهم من يكون غير قادر على شراء أضحية كاملة فيعمل على التشارك (شرك) مع مجموعة من أفراد العائلة أو الجيران حيث يقومون بشراء أضحية واحدة يتقاسمونها فيما بينهم كلًا بحسب استطاعته وذلك لكي تخف التكلفة.
(عبد الكريم علي) وبسبب ارتفاع أسعار الأضاحي قرر شراء أضحية بالشراكة مع إخوانه الثلاثة لتتشارك ثلاث أسر أضحية واحدة متمثلة في (خروف) بقيمة تصل إلى 70 ألف ريال يمني.
ويقول إن الأسعار أصبحت خيالية مقارنة بالوضع المادي الذي تمر به البلد، وانقطاع الرواتب لذلك فمن الأسهل أن يتشارك الناس الأضحية وحتى لو لم تكفي سوى يومًا واحدًا، فالمهم أنهم ضحوا واقتدوا بالسنة النبوية كما يقول.
وضع مأساوي
أحمد عبدالله، موظف في إحدى الشركات الخاصة يقول إن أغلب الناس لا يستطيعون شراء حاجيات العيد من أضاحي وكسوة وحلويات، إلا قلة منهم من يستطيعون توفير كافة المتطلبات العيدية، وذلك بسبب الحرب والارتفاع الجنوني في الأسعار وانقطاع الرواتب التي كانت تعيل ملايين الأسر، ويرى بأن الوضع المتدهور الذي تعيشه اليمن للأسف أصبح معتاد عليه فقد تعود الناس برأيه على الحرب ويعملون على مسايرة الوضع إجباريًا، ويرى أن الناس وصلوا لمرحلة من التعب والإجهاد النفسي بحيث أنهم لم يعودوا قادرين على التحمل ويتمنون لو أن هذه الحرب تنتهي، لتنتهي معها مأساة شعب، ويضيف أحمد “الناس مع الوضع تعبانين جدًا حد الفقر ومش طايقين نفسهم، ولكن كشعب صبور متأملين أن تحدث انفراجه قريبًا وترجع الرواتب وتنتهي الحرب”.
شعب مكابر
من جهتها ترى (ريم محمد) معلقة على استقبال اليمنيين للعيد والهموم التي تطالهم أن هناك أناس يتظاهرون بأنهم يمتلكون المال ويقومون بشراء أشياء بأسعار مبالغ فيها وقد لا تكون بتلك الأهمية خاصة في المناسبات والأعياد:” الشعب اليمني شعب مكابر رغم الأزمات فرغم أن الوضع خانق ولكن يضطر اليمني إلى المكابرة في المناسبات فبعض أسر ممكن تبيع ذهبها أو قطعة غالية لتعدي فتره العيد”.
وتركز (ريم) على موضوع الاستهلاك الشرائي للملابس من قبل الكثير حتى وإن لم يكن هناك حاجة لدى البعض، فيما البعض الآخر لا يقدرون على شراء ملابس لأبنائهم ولو بأسعار زهيدة لأن أسعارها مرتفعة جدًا، وترى بأن زحمة الأسواق قبل العيد ليست دليلًا على أن الجميع يشتري وإنما للدخول في أجواء العيد “باتت الأسعار مبالغ فيها وترتفع خاصة وقت العيد فالقلة القليلة اللي يشتروا وقت العيد والتسوق وزحمته فقط للشعور أن هناك عيد وممكن يخرج من السوق بدون شراء حاجة”.
أما أم (أحمد) اسم مستعار تقول بأنها هذا العيد لم تشتري ملابس لطفليها كما العيد السابق وإنما النواقص وعلى الرغم من قلة ما اشترت إلا أن المبالغ التي صرفتها كبيرة بسبب ارتفاع الأسعار خاصة عند اقتراب العيد، وتؤكد أنها صرفت ما يقارب 70 إلى 80 ألف لكل واحد منهما، وتقول بأن هذا المبلغ كبير جدًا ولكن الأسعار لم تعد كما كانت زمان حسب قولها، وهي مجبرة أن تشتري بضاعة خامتها جيدة حتى تدوم فترة أطول حسب قولها.
أم (سيرين) تقول بأنها حذرة وقد تعلمت أن تكسو أطفالها قبل رمضان للعيدين وذلك لأن الأسعار ترتفع في الأعياد لذلك فهي تعمل على شراء الملابس قبل رمضان لأنه يعد موسم والمواسم عادة ما ترتفع فيها الأسعار لذلك فهي تأخذ الحيطة وتشتري مسبقًا.
(أم جنى) لديها طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات وهي منفصلة عن زوجها وتعمل سكرتيرة في إحدى العيادات، رغم أن لديها طفلة واحدة إلا أنها إلى الآن لم تستطع أن توفر لابنتها كسوة العيد، وتقول بأنها خرجت للسوق وعادت محبطة نتيجة للأسعار التي تكسر ظهر المواطن.
مع ذلك تقول بأنها طلبت سلفة من مديرها من حساب الشهر القادم كي تستطيع أن تفرح ابنتها الوحيدة بالعيد، لأنه لن يهنأ لها عيد وابنتها بدون ملابس جديدة كما تقول.
جعالة العيد
للعيد نكهته وجماله في كل البلدان بما فيها اليمن وإن اختلفت الظروف وساءت الأوضاع إلا أن العادات باقية، خاصة ما يتعلق بعادة شراء جعالة العيد التي تعتبر من الطقوس العيدية التي لا غنى عنها، إلا أنها أصبحت محصورة على البعض بسبب الأوضاع المعيشية السيئة التي يعاني منها معظم اليمنيين.
أم (إبراهيم) امرأة في الخمسينات تقول “كان زمان كل شيء رخيص وقبل العيد بيومين ثلاث وقد جعالة العيد مخبأه في البيت لما يجوا المعايدين نضايفهم بالعيد ما ذلحين كل شيء نار ما عاد احد بيشتري إلا بعضهم”.
توافقها الرأي (أم عبده) التي تقول إنها خرجت للسوق ووجدت الأسعار مشتعلة كالنار والجميع يشكي لهيبها، وعن شراء جعالة العيد تقول إنها سألت ولكنها وجدت الأسعار غالية، ومع ذلك ستشتري القليل من كل شيء حتى يتسنى لها إكرام ضيوفها الذين يأتون لزيارتها أيام العيد.
بينما ترى (أم أفراح) بأن العيد عيد العافية وأهم ما تتمناه هو أن تفرج على اليمنيين أزمتهم وأن تنام وتصحو وقد انتهت الحرب التي دمرت كل شيء جميل في الوطن كما تقول.
هو العيد وبأي حال سيأتي سيحل ضيفًا عزيزًا على اليمنيين شاءوا أم أبوا، وأيًا كانت ظروفهم سيستقبلونه ويهنئون بعضهم، ويتزاورون فيما بينهم، معلنين أن فرحة اليمنيين لا ينبغي أن تموت، وبأن أعيادهم حتمًا ستتوالى عند انتهاء الحرب، ودفع رواتب الموظفين، وخفض الأسعار، وعودة اليمن سعيدًا كما كان، فهذا هو عيد اليمنيين الحقيقي.