الأجهزة الالكترونية .. خطر صامت تعاني منه الأمهات و يتضرر منه الأطفال

شارك المقال

يعيش العالم في عصر التطور التكنولوجي المستمر، و في كل عام تظهر ابتكارات و اختراعات جديدة تضيف للبشرية و تساهم في تسهيل الحياة، و لكن في المقابل كما لهذه الاختراعات فوائد فإن لها أضرار جسيمة، خاصة الأجهزة الالكترونية التي يرتبط فيها الأطفال بمختلف أعمارهم ارتباطًا وثيقًا منذ الصغر و تحديدًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت حياة أطفالنا ملازمة للأجهزة الإلكترونية بشكل يومي ومرافقة لهم لساعات طويلة، و قد أثبت علماء النفس مدى التأثير السلبي للشاشات على القوى العقلية و الاجتماعية لدى الأطفال و قدرتهم على التفاعل مع الأشخاص و العالم المحيط بهم. منصة نسوان فويس رصدت معاناة بعض الأمهات مع أطفالهن و الأجهزة الإلكترونية و في السياق بعض الحلول للحد من خطرها.

أخلص من بكائه

أم (كنان) لديها طفلين أكبرهم في الرابعة من عمره و الصغرى في الشهور الأولى من عمرها تقول لمنصة نسوان فويس: “ولدي حركي قوي و يلعب و يكسر و يشتي واصل يخرج الشارع و عشان اخلص منه وما أخليه يخرج الشارع أجيب له التلفون يتفرج فيديوهات”.

تضيف بأنها منشغلة في تنظيف البيت و تجهيز الطعام و في أغلب الأحيان يكون لديها ضيوف في البيت و لا شيء سيسكت ابنها سوى إلهائه بالشاشة و فتح قنوات الأطفال كي يشاهد، أو إعطائه هاتفها المحمول كي يشاهد مقاطع الفيديو، و عن الوقت الذي يقضيه طفلها ذو الأربع سنوات في استخدام هذه الأجهزة تؤكد بأنها لا تدعها في يده إلا في حالة كانت منشغلة، و بأن المقاطع المتوفرة في الجوال هي مقاطع أغاني أو فيديوهات أطفال.

تعلق

“الولد متعلق بالتلفون أكثر من البنت” أم (غيث) لديها طفلة بعمر خمس سنوات، و طفل بعمر ٣ أعوام، تخبرنا بأن أطفالها ليسوا متعلقين بشكل كبير بالأجهزة الالكترونية، خاصة و أنها ترفض أن تلبي لهم رغباتهم باستمرار، و إنما في بعض الأوقات تضطر لمنحهم الجوال كي يتوقفا عن مشاجرتهما المستمرة: “أديه لهم عشان أهجع مضاربتهم و لو معي شغل أو اشتي استخدم النت”.

أم غيث تقول بأنها عندما تمنعهم من الجوال غالبًا يذهبون لشاشة التلفاز و بالنسبة لها هذا انسب، على الأقل لا تكون الشاشة قريبة لعينيهما كما هو جهاز الهاتف الذي يلتصق مباشرة بعينيهما و في كل الأحوال تؤكد أنه من الصعب التعامل مع الأطفال و إرضائهم في هذا السن بحسب رأيها.

ابني حصل له شحنات بالرأس

“طبعًا أنا أكثر واحدة حصل لها هذا الشي و بسبب التلفون و الآيباد و الشاشة حصل لواحد من عيالي شحنات برأسه و كان بدأ يتأتأ بالكلامً، هكذا تشكو (أم خالد) ما حدث لأحد أبنائها بسبب الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية بحسب ما أخبرهم الطبيب عند زيارته لعرض حالة ابنهم عليه، و الذي بدوره طلب منهم أن لا يسمحوا لابنهم باستخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل دائم و أن يبدأوا  بمساعدته بالتخفيف من استخدامها، و بالفعل بدأت (أم خالد) بحذف الفيديوهات التي أصبح مدمن على مشاهدتها، و تطبيقات الألعاب، وشرعت باستخدام أساليب أخرى كإخراجه للعب ، و إعطائه ألعاب ذهنية يلعب بها في البيت بعيدة عن الأجهزة الالكترونية و بعد ثلاث سنوات من العلاج المتواصل بدأت الشحنات الكهربائية تخف كثيرًا: “ثلاث سنوات علاج متواصل و على الوقت و بالملي و الحمدلله تحسن من الشحنات اللي كانت فيه بس بعد تعب”. 

و لأنها عانت من الأثر السلبي للأجهزة الالكترونية توجه أم خالد رسالة للأمهات قائلة: “أنصح كل الأمهات لا يخلوش التلفونات و الآيبادات و سيلة للتخلص من شقاوة الأطفال و يحاولين يلهين أطفالهن بأشياء أخرى مفيدة”.

منع و منح

(أم إيلين) لديها ابن  و ابنة في الصفوف الأولى من سنوات الدراسة ، تخبرنا كيف أنها تمشي على خطة معينة من أجل حماية أطفالها من أثر الأجهزة الإلكترونية، وتؤكد لنا أنها لا تحرمهم من مشاهدة الشاشة أو استخدام الجوال و الآيباد و لكن بحدود، حيث أنها تمنعها عنهم في أيام الدراسة و لا تمنحهم إياها إلا في إجازة نهاية الأسبوع بشرط أن يكونوا قد أنهوا مراجعة دروسهم ، و مع التعود تؤكد بأن أطفالها ملتزمين بذلك حرصًا على دراستهم، و صحتهم.

يحرجوني

“لما أحد يكون عندي ضيوف بالبيت أحرج من دوشتهم فاضطر أجيب لهم التلفون يلعبوا أو يتفرجوا فيديوهات عشان ما يحرجوني قدام الضيوف”، (أم عبدالرحمن) إحدى الأمهات اللاتي يعانين من كثرة استخدام أطفالهن للجوال، أو مشاهدة مسلسلات الأطفال على الكمبيوتر، و ما يزعجها حسب قولها هو اقترابهم كثيرًا من الشاشة خاصة ابنها الذي يبلغ من العمر عشر سنوات كونه عنيد و لا يستمع للكلام و يتسبب لها بالإحراج غالبًا عندما يكون لديها ضيوف فيستغل الوقت ليطلب منها الجوال و إلا فإنها لن تتخلص من إزعاجه و كثرة حركته لو لم تلبي له طلبه، كذلك أخوه الذي يعتبر في سن الرابعة عشرة من عمره و الذي تعتبره مدمن للمحمول لأنه غالبًا ما يستخدم الجوال لمتابعة مقاطع التيك توك أو الفيديوهات المتعلقة بالرياضة. وعن تعاملها تشير بأنها من النادر تستطيع السيطرة عليهم فهم لا يسمعون الكلام فتضطر لتركهم حتى يملون و يتركون الأجهزة من تلقاء أنفسهم .

 

أضرار صحية ونفسية

عصام الأحمدي باحث و رئيس رابطة الأخصائيين الاجتماعيين اليمنيين يرى أن هناك أضرارًا صحية منها التأثير على العيون و الدماغ بسبب الأشعة الناتجة عنها، كما أن للأجهزة الالكترونية أضرار نفسية و اجتماعية كثيرة لاستخدام الأجهزة الذكية على الأطفال بالإضافة إلى ضياع الوقت و التأخر الدراسي بحسب الأحمدي الذي يشرح كيف يمكن لهذه الأجهزة أن تؤثر نفسيًا على الأطفال: “في الجانب النفسي الاجتماعي يؤدي استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية بشكل مفرط إلى انعزال الطفل و تفكك علاقاته الاجتماعية داخل الأسرة و عدم رغبته في التفاعل مع محيطه الاجتماعي و فقدان الاتزان الانفعالي و الميل إلى السلوك العدواني بسبب بعض المشاهد و الألعاب التي تدور حول المعارك و الحروب وترسخ ثقافة العنف لدى الطفل”.

مخاطر

لا شك أن هناك مخاطر كثيرة للاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية و تزيد هذه المخاطر عند تلبية أولياء الأمور رغبات أطفالهم خاصة الأطفال الأصغر سنًا : “هناك مخاطر كثيرة لتلبية طلبات الطفل عند البكاء أو غيره من المواقف غير المريحة لأنها تجعل الطفل يلجأ إلى هذه الطرق للحصول على طلباته بما في ذلك الحصول على الأجهزة الذكية التي قد تخلف كثير من الآثار السلبية النفسية و الاجتماعية و الصحية على الطفل و تصيبه بضعف الشخصية و الانعزال و فقدان الاتزان الانفعالي”. 

كيف نتفادى المشكلة؟

و عن الحلول البديلة للتقنين من الاستخدام المفرط للأجهزة الالكترونية يقول الأحمدي: ” هناك حلول بديلة لبكاء الأطفال من خلال عمل فحوصات للطفل و التأكد من عدم وجود مرض عضوي قد يكون هو سبب البكاء و في حال كان سليم فهناك طرق أخرى للترويح على الطفل من خلال الألعاب العادية و الحركية و جلسات النقاش و الحوار داخل الأسرة” . كذلك يضيف “هناك طرق للتخفيف من إدمان الأطفال لاستخدام الالكترونيات تتمثل في تقنين استخدام هذه الأجهزة من قبل أولياء الأمور، و تخصيص وقت محدد لاستخدام هذه الأجهزة بالإضافة إلى إلهاء الأطفال بالأنشطة الرياضية والحركية والاستماع لهم، وعمل مسابقات تحفيزية داخل الأسرة ومراقبة سلوكيات الطفل باستمرار”. وشدد على أن التعامل بتلك الطرق الصحيحة ستحد من الآثار النفسية أو الاجتماعية التي قد تتسبب بها الأجهزة الذكية. 

دراسة حديثة 

في دراسة حديثة نُشرت في مجلة JAMA Pediatrics أظهرت أنّ تهدئة الطفل باستخدام الأجهزة الرقمية قد يؤدي إلى مزيد من المشاكل مع تفاعلهم العاطفي.

و نظر الباحثون في 422 ردود فعل من الوالدين و مقدمي الرعاية لتقييم مدى احتمال استخدامهم للأجهزة من أجل إلهاء أطفالهم، الذين تتراوح أعمارهم من 3 و5 سنوات، و كيف كان سلوكهم على مدى ستة أشهر.

و بحسب الدراسة، فإن استخدام الأجهزة الرقمية على نحو متكرّر لصرف الانتباه عن السلوك المزعج و المضطرب، مثل نوبات الغضب، كان مرتبطًا بمزيد من الاضطراب العاطفي لدى الأطفال.

من الصعب أن تمنع الأمهات أطفالهن من التعرض لشاشات الأجهزة الذكية، رغم الآثار السلبية التي يسببها الاستخدام المفرط لها مثل الإضرار بالصحة و التوازن و الأنشطة الفكرية و الثقافية، إلا إنها تسهم في تحسين اكتساب الصغار للمعرفة و المساهمة في تشكيل فكرهم، لذلك للإمساك بزمام الأمور على الآباء أن يخصصوا فترة زمنية محددة لكل طفل تتناسب مع عمره.

 

نسوان فويس – أمل وحيش

مقالات اخرى