مروى العريقي – نسوان فويس
في اليمن البلد المثخن بجراح الحروب و الصراعات ، يواجه المواطنين التهميش من مسؤولي الدولة المنقسمة ، وسط عزلة و حصار مفروض على عدد من مناطق البلاد ، تعيش الأُسر اليمنية حالة من الضياع بين فقر مدقع كشر أنيابه على أبناء الطبقة الوسطى فأزال عدد منهم ، و أمراض استعصى عليهم التداوي منها ، تكابد النساء الجزء الأكبر من تلك المعاناة ، فإما يصيبها المرض أو هي من تداوي و تعول ..
بينما كشف تقرير صادر حديثا عن حجم خسارة اليمن بسبب هذا الصراع و التي قدرها بين 170 و200 مليار دولار من ناتجه المحلي الإجمالي بين الأعوام 2015 إلى 2022، في حين غطت المساعدات ما بين 10 و12% من الاحتياجات.
وعلى الرغم من تقديم أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات الإنسانية كما يذكر التقرير الصادر عن مركز الأبحاث العربي “عربية برين ترست” الذي أعده مجموعة من الخبراء الاقتصاديين اليمنيين و الدوليين ، إلا أن الصراع و الحرمان مستمران ، و لا يزال أكثر من نصف اليمنيين يعانون من الجوع ، و من بين خمسة ملايين نازح داخلي يشكل النساء و الأطفال نسبة 80% منهم ، وفقا لموقع العربي الجديد..
أعمال سحر
لم تكن حياة أسرة حنان (اسم مستعار) كما هي اليوم ، فالزوج الذي كان مسؤولاً عن تلبية احتياجاتها أصيب بأعمال السحر كما تقول زوجته ، جراء خوضه تحدي مع منافس له في السوق ، غيرت طباعه تماما فأصبح عصبي لا يغادر غرفته ، و لا يريد رؤية أحد ..
بعد أن تخلى أهله عنه و تركوا مسؤولية علاجه على زوجته اضطرت حنان للعمل لتتمكن من دفع ايجار المنزل الذي يأويهم و بالكاد تستطيع توفير وجبة طعام واحدة لأسرة مكونة من ثمانية اشخاص..
أي عمل ستجده امرأة لم تحظى بفرصة تعليم جيدة ، بل لم يسبق لها أن عملت مسبقا ، و لا تعرف كيف يكون هذا العمل ، تجرعت حنان الأمرين و هي تستجدي و تتوسل الآخرين إيجاد عمل لها ، حتى وجدته في مصنع للوجبات الخفيفة – بفك- بالأجر اليومي ، تقول حنان لمنصة نسوان فويس : ” زوجي كان معه بوفية يشتغل فيها كان موفر لي كل شيء في البيت و كنت ما احتاج شيء ، ما قد احتجت حتى قرطاس صلصة من أحد..”
الاكتئاب
يرجح زوج ريم اصابتها بمرض الاكتئاب ، إلا أن أهلها يعتقدون أن (المس) أصابها فذهبوا بها لدى قارئ قرآن حتى تشفى من المس ، مرت سنوات و حالة ريم – و هو اسم مستعار بحسب طلب الزوج – تزداد سوءًا فهي تحتاج إلى استخدام العقاقير الطبية كما حددها الطبيب و هذا ما لا يقدر عليه الزوج ، لتكاليف العقاقير الباهظة ..
اليوم تعيش ريم حالة من اللاوعي بمحيطها فلا تعرف ابناءها الستة و لا تعرف زوجها ، لا تلتزم بالصلاة و تظل تقرأ القرآن و تقول لمن حولها أنها محمية به ، تحدثنا ابنتها البكر ذات 12 عاما التي تتناوب مع والدها للرعاية بأمها عن أملها في تعافي والدتها تقول لنسوان فويس: ” أحيانا أمي تكون ما فيها شيء و فجأة تتعب و تجلس أيام ما تعرف أحد مننا ، لو نقدر نوفر لها العلاج بتتحسن..”
يذهب الزوج للعمل صباحا بينما تظل ابنته تقدم الرعاية لوالدتها و تقوم بأعمال المنزل و تُعد الطعام ، حتى يعود والدها في الواحدة ظهرا فتتمكن من الذهاب إلى المدرسة و قد فاتتها الحصة الأولى ..
التدهور الاقتصادي
عانى اليمن و لا زال يعاني منذ عقود طويلة من وضع اقتصادي حرج اخرجه خارج الدورة الاقتصادية لأسباب عدة من أهمها صعوبة الحصول على الموارد المالية و عدم وضوح الرؤية خلال هذه العقود لمستقبل اليمن و هو الأمر الذي جعل من الاقتصاد الوطني لأن يكون متكشفا و استمرار معاناة المواطنين بتداعيات الحروب المتواصلة و بفعل الأزمات السياسية سوى كانت قبل الوحدة أو ما بعد مرحلة الوحدة خلال العقود الماضية كما يوضح ذلك الخبير الاقتصادي أحمد شماخ : ” هذه الأسباب جعلت الاقتصاد الوطني يعاني من شلل مزمن و عصي عن التعافي في ظل محدودية الموارد و الإمكانات المسحوبة بضغط النفقات المتأصلة بديمومة العجز في الموازين تبعا لانفراج الحل السياسي في البلد ، رغم أن البلد تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية و من الموارد البشرية و الاقتصادية و المالية التي يمكن أن تحسن الوضع الاقتصادي و المعيشي لعموم الناس..”
و بحسب شماخ فإن الحرب و الحصار على اليمن أديا إلى حرمان قرابة 90% من اليمنيين من الحصول على لقمة العيش اليومية و من حصولهم على الدواء و شربة الماء النقية و تلقي التعليم و ابسط مقومات الحياة الضرورية كالخدمات العامة بما فيها و المشتقات النفطية التي بقت محصورة على السوق السوداء و اصبحت أسعارها خيالية لا يستطيع المواطن البسيط الحصول عليها في ظل انعدامها و تراجع القدرة الشرائية بسبب انعدام دخله نتيجة غياب الأعمال و اغلاق المصانع..
أثر الحرب
دون أدنى شك أن لهذه الحرب الظالمة و السياسات الضعيفة تبعات و انعكاسات سلبية خطيرة سواء كان ذلك على صعيد الاقتصاد الكلي أو كان ذلك على مستوى المعيشة و حياة اليمنيين و احفادهم من بعدهم و التي ممكن أن تجعل الوضع الاقتصادي و الاجتماعي معضلة كبرى تتطلب مزيد من الادراك و الوعي في هذا البلد ، بحسب شماخ..
يوضح شماخ في التسجيل التالي أسباب اختفاء الطبقة المتوسطة في البلاد..
الحلول
قد يصعب وجود الحلول السحرية لبلد مثل اليمن ، لكنها ميسرة وفقا لشماخ إذ ما بنيت على أسس علمية و استندت لتجارب دول أخرى ، يقول شماخ فيما يتعلق بالحلول : ” يستلزم وجود الاستراتيجيات و البرامج و الخطط مزمنة سريعة تقوم بتحسن هذا الوضع الإنساني الكارثي و إلى زيادة الإنتاج الكثيف و اختيار المشاريع التي تتلأم مع استيعاب الكثافة العمالية اليوم و استيعاب البطالة في أوساط اليمنيين..”
و ناشد شماخ في ختام حديثه لمنصة نسوان فويس الجهات الدولية و الإقليمية في إغاثة الشعب اليمني من خلال إيقاف الحرب و إحلال السلام بأسرع ما يمكن و ليس فقط المطالبة بالهدنة ، واصفا استمرار الحرب بالكارثة الكبرى ، ما سيؤدي إلى قتل كثير من المدنيين و إلى تفشي أمراض منتشرة حاليا في أوساط اليمنيين منها المعروف و منها المجهول ، بحسب قوله..
ما تركته هذه الحرب من نزوح و تهجير قسري و اضطرابات داخلية ، أثرت على عصب الاقتصاد الوطني الهش أساسا ، تستمر آثارها إلى أجيال المستقبل و توقف حركة الحياة و تعطل دورة الإنتاج الاقتصادي لعقود طويلة ، الأمر الذي يتطلب فيه التحرك الجاد للحفاظ على ما تبقى منها ..