مروى العريقي – نسوان فويس
بين طابور ممتد على كراسي متفرقة في ممر المشفى ، تجلس أحلام مطهر (25 عاماً ) –اسم مستعار- تنتظر دورها في الدخول إلى غرفة غسيل الكلى ..
حين اقتربت منها للوهلة الأولى ظننت أنها مرافقة لأحد المرضى ، فالفتاة العشرينية تحمل معها حقيبة يد وعبوة ماء صحي صغيرة ، لا يرافقها أحد على الرغم من أن لديها خمسة من الأخوة و ثلاث أخوات ، و أبويها ..
تذهب أحلام إلى مركز غسيل الكلى التابع لمستشفى الثورة العام كل أسبوع ، تقول لنسوان فويس :” هذا المشوار أصبح جزء من يومياتي اعتدت عليه و لا اريد أن أكلف على أمي أو أبي مشقة الحضور معي أسبوعياً ..
في شهر أغسطس من العام الماضي شاهدت أحلام حادث سير على الخط السريع بينما كانت تهم اجتيازه برفقة زوجها السابق، و لبشاعة ما رأته أغمي عليها على الفور ، و ما أن فاقت بعد ساعتين كانت حالة الهلع التي اصابتها قد أنهت عمل كليتيها ، ما إن أصابها الفشل الكلوي سرعان ما تركها زوجها لتصارع المرض بمفردها و تزوج بأخرى..
من خلف النقاب تحبس أحلام دموعها بضحكة خفيفة كي تشعرني بأنها تبتسم ، تخرج زفيرها بتعبٍ أثقله المرض و سوء الحظ تسرد:
” فترة زواجي استمرت ثمانية أشهر فقط ، و كنت اظن أن الله رزقني زوج مثالي لكن محنتي هذه عرفتني من يكون ، حالياً ما أقدر اشغل وقتي بدراسة أو عمل جسمي ما يتحمل ، بطاقتي الشخصية موجودة معي على طول و كتبت أرقام أبي و أخوتي في ورقة ، أخاف يوم أسقط في الشارع أو أموت و ما أحد يعرفني و أهلي ما يحصلوني..”
يتألمون ليبقوا أحياء
تستغرق جلسة غسيل الكلى من ثلاث إلى أربع ساعات و تختلف من حالة إلى أخرى بحسب ما يقرره الطبيب المعالج ، و تمثل هذه الدقائق لمرضى الفشل الكلوي إنقاذ حياة مصحوبة بالألم بخلاف آثاره الجانبية و المضاعفات التي قد يسببها في حال عدم التزام المريض بتناول الأدوية و اتباع نظام غذائي و تعليمات وصفها الطبيب..
و يعتبر غسيل الكلى علاج وقائي يساعد المريض على البقاء على قيد الحياة فالمريض يتحمل الألم ليعيش لا ليشفي ، و التزامه بتعليمات الطبيب تساعد في عدم اصابته بأمراض إضافية خاصة إذا كان المريض مصاب بداء السكري أو ارتفاع بالضغط..
التعايش مع المرض
يستطيع مريض الفشل الكلوي التعايش مع مرضه كما وضح ذلك الدكتور عبد الرحمن العريقي – اخصائي جراحة الكلى و المسالك البولية – في حديثه لمنصة نسوان فويس : “مريض الفشل الكلوي إذا لم يلتزم بالغسيل بانتظام و تناول الأدوية كما وصفها الطبيب يؤدي هذا إلى الوفاة و لا يفرق المرض بين الرجل و المرأة أو الطفل ، إلا أنه يستطيع التعايش مع المرض حين يدرك إدراك حقيقي لاحتياجات جسمه و يتعامل مع المرض بما يحتاجه و يمتنع عما يجب الامتناع عنه ، و إذا كان المريض مصاب بداء السكري أو الضغط هذا يتطلب منه جهد إضافي بضبط السكر و ضغط الدم ، و بشكل عام أي مريض يستطيع التعايش مع أي مرض يصيبه..”
وجود الأهل
ويكون لتواجد الأهل جوار المريض دوراً هاماً في مساعدته على تجاوز مرضه يقول العريقي :” على الأهل تقبل حقيقة وجود مريض في المنزل مصاب بمرض الفشل الكلوي و أنه بحاجة إلى الرعاية و الاهتمام كأن يبادرون للذهاب معه الى جلسات الغسيل و هذا أقل ما يقدموه له..”
كغيرها من المصابين بهذا المرض تعاني أحلام الأمرين بصمت خانق ، و جُل ما تتمناه أن يخفف الله عن كل مريض آلامه التي لا يعلم بها سواه : ” تعودت على التعب لكن في ناس غيري المرض هذا يتعبهم قوي اشوف نساء رجال كبار في السن و يتعبوا تحسي أن الموت ارحم لهم ، أتمنى الله يخفف عنهم كل ألم يشعروا فيه”..
تمثل نقص الإمكانيات حجر عثرة أمام غالبية مراكز غسيل الكلى في البلاد ما يجعل هذه المراكز عاجزة عن استقبال الكثير من المرضى ، و بحسب فائزة مفلحي رئيسة تمريض مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة العام التي تحدثت لمنصة نسوان فويس فقد بلغ عدد مستفيدي المركز 500 مريض منهم 200 مريضة من مختلف محافظات الجمهورية يتلقون الخدمات في المركز..
و بحسب منظمة الصحة العالمية فإن عدد مرضى الفشل الكلوي في اليمن يتجاوز الخمسة آلاف مريض يتوزعون في 21 مركز في مختلف مناطق البلاد، و يغطي مركز الملك سلمان للإغاثة 50% من إجمالي تكاليف جلسات غسيل الكلى في جميع تلك المراكز..
و لا تزال المستشفيات و المراكز الصحية في اليمن تعاني من نقص حاد في الأدوية الضرورية و المستلزمات الطبية الأساسية، إضافة إلى نقص كبير في عدد الكوادر الطبية ، نتيجة الصراع القائم منذ ثمان سنوات..