امل وحيش – نسوان فويس
في مجتمع تتغلغل فيه النزعة الذكورية و التعصب ضد الأنثى ، يمتنع كثير من أفراد المجتمع عن منح الحق المشروع للمرأة في الميراث و يرفضون تطبيق القانون الذي استمد أنظمته من الدين الإسلامي الذي كفل للأنثى حقها دون تمييز ، إلا أن الرجل لا يعترف بأن المرأة لها حقوق و يسعى غالباً إلى وأد هذه الحقوق و لو استطاع لعاد لوأد المرأة إرضاءً لنزعته الذكورية المتسلطة.
التركيبة الاجتماعية القاصرة لدى الغالبية العظمى ترى أن المرأة لا يحق لها أن ترث فمنهم من يرى أن ميراثها سيذهب للغريب ، و منهم من يرى أنها غير مكلفة بالحفاظ على مالها لذلك يلجأ الكثير و خاصة الإخوة الذكور للضغط على أخواتهم كي يظل كل مالها تحت تصرفه و يجود عليها بالقليل تحت مسمى حماية حقها.
أكثر من 50 سنة حرمان
الحاجة (أم شاكر) من محافظة إب امرأة في منتصف السبعينات و هي الآن جدة لجيلين ، و إلى اليوم لم تحصل على حقها في الميراث كونها طوال فترة ما كان أخيها على قيد الحياة كانت تستحي أن تطالبه بحقها خوفاً من كلام الناس بأن يقال عنها أنها خرجت عن دائرة الاحترام و الأدب حين تطالب أخيها بالورث بحسب ما هو متوارث في منطقة إب ، و عندما قرر أخوها أن يبرئ من ذمته كتب لها قطعة أرض صغيرة دون أن يتم قسمة الميراث كما ينبغي قانوناً ، حرمها هي و شقيقتيها الاثنتين من بقية التركة و من نصيبها في البيت ، لكنها لم تكن تهتم كون زوجها لم يكن مقصراً في حقها كما تقول.
و عندما توفي زوجها تكفل أولادها بها و لم يجعلوها تحتاج لشيء إلا أنها عادت بعد هذه السنوات الطويلة تطلب من ابن أخيها أن يبرئ من ذمة والده و يعطيها حقها هي و شقيقتيها اللتان وافتهما المنية منذ سنوات ، لكن لهما ورثة أبناء و بنات و ظروفهم أسوأ ما تكون ، لكن طلبها قوبل بالرفض و بأن هذا الأمر مر عليه سنوات و تم التعذر بأن أخيها قد سدد ما عليه لها هي و شقيقتيها من ميراث في حينه.
تقول (أم شاكر) : “طلبت منه يعطي نصيبي و نصيب خواتي الثنتين لبنت اختي لأن هي تاعبة و ظروفها ترحم أقل شي يدي لها البيت القديم و ما اشتي أي شي بس ما رضيش قال ما بش عندي لكن شي قد أبي حاسبكن”.
و تختم الحاجة ” أم شاكر” كلامها بأنها فوضت أمرها لله و بأن ابن أخيها هو المتحمل فوق ذمته حد تعبيرها.
مراوغة و احتيال
كثير من الإخوة أو الأقارب الوارثين مع المرأة في التركة يعمدون إلى التحايل عليها فيما يتعلق بنصيبها في الميراث إما بمنحها جزء من الميراث بحجة أن المورث قد باع كثير مما يملك ، أو يقنعوهن بأن هذا المال للجميع و بأنهم سيوفرون لهن كل ما يرغبن به و من الأفضل عدم تقسيم تركة الوالد لأنها قد تكون وصيته كما يحدث ببعض المناطق أو يتم الاتفاق على أن تنصيب الأخ الأكبر و المتصرف فيما يملك البقية.
فهذه أم “أشرف” و أختها أم “أحمد” بعد وفاة والدهما اجتمع إخوانهما و اتفقوا أن يكون هناك واحد من أفراد العائلة من أبناء العمومة هو الوسيط و يحتكم الجميع لرأيه وأقنعوا الجميع بأن البنات “أخواتهم” سوف يقبلن برأيه أياً كان و بالفعل تم الاتفاق لكن دون الرجوع إليهن إلا بعد أن اتفقوا و تقاسموا كل شيء بعدها تم استدعائهن و إبلاغهن بأنهم قسموا البيت “قسمة إخوة “و بالتالي لن يكون ثمنه الحقيقي و تم إرضائهن بمبلغ بسيط من ثمن البيت و سهمهن من الأراضي و مع ذلك رضخن للأمر الواقع و قبلن مقابل إعطائهن حقهن في الأراضي و تم كتابة تعهد بأن يتم تسليمهن نصيبهن في الأراضي بعد عامين و إلى الآن لم يُسلم لهن شيء ، و تقول أم أشرف إنها هي و أختها طالبت أكثر من مرة إخوانها بتسلميهن فصول ورثهن من الأراضي كي يتم التصرف فيه كما يرغبن كونه حقهن و لم يعد لأي حد حق الوصاية عليه لكن في كل مرة تتم المماطلة و التأجيل و عن رفع قضية تقول أم أشرف : ” مستحيل أرفع قضية ما بش ما يستاهل صح معي جهال و حالتنا صعبة بس يظل أخ و حتى لو رفعت من أين لي حق المحاكم و يعلم الله أيحين نتخارج و ليش اخسر أخوتي و محد يسلم خبر الناس”.
أم أشرف حالها كحال كثير من النساء اليمنيات غلبتهن عاطفتهن فاخترن الأخ و القريب على القطيعة مقابل الورث بينما آخر هم الذكر هو الأخت أو القريبة فيطمع و يحتال و يأكل مالها ظلماً و بهتاناً بغير وجه حق ، و يظل قلب الأنثى هو المنتصر ، لكن حبذا أن الحصول على الحق المشروع هو الانتصار الحقيقي.
سجن و حرمان
الطمع قد يصل بالكثيرين إلى استخدام أساليب يحرمها الشرع و يجرمها القانون ، و ترفضها الإنسانية من ذلك الصراع من أجل الميراث.
هذا ما قام به إخوة “جميلة” من ريف محافظة تعز و هي امرأة مطلقة في بداية الخمسينات من عمرها و أم لثلاث بنات أصبحن أمهات و لم ترزق بالأولاد الذين يستطيعون إخراج حقها كما تقول.
جميلة لديها تركة من والدها تتمثل هذه التركة في نصيبها من البيت الكبير، بالإضافة إلى أراضِ زراعية ، و نصيبها من دكاكين والدها و اخراج المحاصيل التي تزرع في الأراضي التي لم تستطع أن تأخذ شيء منها في وجود والدها و حتى بعد وفاته لكنها قررت أخيراً أن تنطق بعد أن سكتت دهراُ و تطالب إخوانها بمنحها حقها الشرعي ، و كل أمنيتها أن تبني لها بيتاً صغير اً من نصيبها الذي ورثته من والدها يأويها لأنه لا مكان لها سوى بيت والدها الذي توفي ، انتقلت السلطة ليد إخوانها الذين حرموها من أن تخرج أو تدخل على الرغم من أنها تجاوزت الخمسين عاماً إلا أنهم ضيقوا عليها الخناق و حرموها من أمور ٍ كثيرة كونها مطلقة و لا يحق لها أن تطالب بشيء ، لذلك قررت أن تكسر قيد الخوف و الخضوع لسطلة الإخوان فكان نصيبها من التعنيف أقوى من قدرة جسدها النحيل على التحمل ، فضربت ، و عنفت نفسياً و سجنت في غرفة منعزلة و منعت من لأيام حتى يتم إرغامها على التوقيع على التنازل عن كل نصيبها من ميراث أبيها أو توكيل أخيها الأكبر ببيع كل ما تملك له ، و لأنها رفضت أن تخضع تم حبسها ، و منع الزيارة عنها ،حتى شاءت الأقدار بعد أيام أن استطاعت الفرار بعد خلعها شباك نافذة الغرفة التي كانت محبوسة بها فرت هاربة لا ترتدي شيئاً سوى “روب” غادرت بيت أبيها فارة من بطش إخوانها و ظلمهم ، و ظلت ساعات طويلة تتخبط من مكان لمكان حتى استطاعت الوصول لبيت ابنتها الأرملة التي تسكن هي و أطفالها.
و بعد معرفة إخوتها هروبها اتهموها باتهامات باطلة كي يستروا فعلتهم، و تمت مطاردتها من مكان لمكان حتى تعود للبيت و تم تهديدها بالقتل.
“جميلة” أرادت حقها فقط و هو نصيبها من الأراضي و البيت و الدكاكين الذي تتجاوز قيمتها الملايين و هذه الملايين تتمناها كي تشتري لها بيت صغير يأويها كامرأة مطلقة ولديها بنات تتمنى أن يجدن هن الأخريات بيت يأويهن كونهن يعشن في حالة متذبذبة مع أزواجهن و حسب قولها : ” محد يأمن ، اذا معي بيت أنا و بناتي هذا يكفيني و يخلوني بحالي مشتيش حاجه من أحد”.
بعد استقرارها لأشهر و اختفائها عند أقارب لها في صنعاء قررت جميلة أن ترفع قضية على إخوتها تطالبهم بحقها الشرعي من تركة والدها ، و بالفعل باعت ما تبقى لها من ذهب كانت تخبئه لوقت الحاجة و وكلت محامي للترافع في قضيتها ، لكن القضية للأسف لم تصل إلى نهاية بعد ، فكلما بدأت الأمور تتضح و بدأ الحق يعود لأصحابه ، يظهر أصحاب الضمائر النائمة ممن يلتحفون غطاء العدالة و فراشهم الرشوة و الظلم و المماطلة ، ممن يعملون على تمميع مصالح الناس من أجل مصالحهم الشخصية ، ضاع ملف القضية ، كيف ؟ لا تدري جمليه كيف و لكنها اتهمت إخوتها بدفع رشوة للقاضي أو أشخاص لهم نفوذ في المحكمة و تم إخفاء الملف، أحبطت جميلة كثيراً خاصة بعد التكاليف الباهظة التي يطلبها المحامي في كل مرة و نفقات القضية مكلفة لم يعد باستطاعتها تحملها ، قاومت فترات و وهنت قواها فترات أخرى لكن القوى خارت في نهاية المطاف على الأقل لفترة زمنية لا تعلم هي متى لكن كلها ثقة بأنها بعد أربع سنوات من التعب و الخسارة ستكمل ما بدأته و ستأخذ حقها ممن ظلموها و سجنوها و قهروها حسب قولها.
جميلة و هي تسير في درب تحقيق العدالة تعثرت و فقدت ما كان بحوزتها من حق دون أن تصل للحق الذي اغتصبه إخوتها دون أي حق.
رأي قانوني
حول انتهاك حقوق المرأة خاصة في الميراث تقول المحامية حياة ناجي علي منصر مسؤولة العلاقات بصندوق القانونيين اليمنيين و مدربة دولية إن أبرز الأسباب هو عدم وجود الوازع الديني و قلة وعي المجتمع بخطورة ما قد يترتب على ذلك الانتهاك من أضرار ، فعند انتهاك حقوق المرأة و ظلمها ينتج عن ذلك مجتمع مخلخل يسوده الفساد و الإفساد حسب قولها و تضيف : ” من الأسباب في ذلك أيضاً العادات و التقاليد التي ورثت من الأمهات أنفسهن كون النساء في المجتمع اليمني هن أكثر جهلاً فيتربى لدى المجتمع أن الابن له الحق وأن الابنة سيعود ورثها لزوجها و لا حق لها أن تأخذه”.
و توضح منصر بأن الإسلام حدد و وضح حقوق المرأة في كتابه العزيز قائلة : ” الله سبحانه و تعالى شدد في حقوق المرأة سواء كان في إرثها أو مهرها أو أي حق لها، فسبحانه تعالى يقول :” و الذين يأكلون التراث أكلا لما و يحبون المال حباً جما ” و المقصود بالآية هم الرجال الذين يأكلون أموال النساء
كما أن الله تعالى قد شدد في الإرث بقوله تعالى:” و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه”.
و تضيف:” الإسلام أعطى المرأة حقها كاملاً إنما الجهل الذي توارثه الآباء و الأمهات بأن المرأة لا تأخذ حق فكان هذا ظلماَ شديداً لم يكن من الإسلام بشيء”
و تشدد منصر على ضرورة التوعية المجتمعية:” يجيب أن يكون هناك وعي مجتمعي بأن هذا جهل و ظلالة عما أنزله الله و ما يترتب على هذا الظلم من عقوبات في الدنيا و الآخرة “.
و عن الحلول المطلوبة لحصول المرأة على حقوقها الشرعية خاصة حقها في الميراث تقول منصر: “أرى أن يكون هناك جدية في الدولة و أن تعطي للمرأة حقها إما بفتح مراكز لتقديم المرأة للشكوى فيها في حال لم يعطيها أخيها حقها أو أحد أقاربها فبداية الشكوى قبل الذهاب للمحكمة عسى أن يتم الصلح و ييتم تسليم المرأة حقها دون قضايا”.
و تطالب المحامية حياة منصر المحاكم بعدم إطالة أمد النزاع سواء كان في الإرث أم الفسخ أو النفقة أو الحضانة أو أي حق كان للمرأة
لأن المرأة لا تستطيع رفع قضايا نظراً لظروفها المادية السيئة لدى الغالبية من النساء ، كذلك من العواقب التي تترتب على رفع المرأة دعوى قضائية ضد أخيها أو أحد أقاربها مطالبة بالورث يترتب عليه تهديدها و أذيتها ، لذلك طالبت المحامية حياة منصر بضرورة توعية المجتمع بحقوق المرأة مضيفة :” يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي بحقوق المرأة و خاصة فيما يتعلق بالإرث سواء في المساجد أو المدارس و الندوات ، فالوعي المتكامل يجعل المجتمع أكثر تماسكا و يجعل المرأة تأخذ حقها كونها نصف المجتمع”.
و تدعو منصر أولياء الأمور إلى التمسك بالدين و أن تمنح المرأة حقوقها قائلة:” حقوقها المطلوبة جاءت من التشريع الإسلامي”. كما توصي بمنحها حقها في التعليم و الاحترام و منحها حقها في الميراث كي تستطيع بناء مجتمع متكامل غير منقسم.
كفل الدستور حقوق المرأة ” النساء شقائق الرجال و لهن من الحقوق و عليهن من الواجبات ما على الرجل” و قانون الأحوال الشخصية اليمني النافذ برقم 34 لسنة 2003، بين ميراث الرجل والمرأة، و فصل ذلك وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
لكن تظل قصص التعنت و المنع و الحرمان هي السائدة و المتصدرة للمشهد فيما يتعلق بقضايا الميراث و حرمان المرأة منه ، و يجب على المرأة ألا تتنازل عن حقها الذي شرعه الإسلام و كفله الدستور.