تزوجن باكراً ففقدن الأمان.. يمنيات يروين حياتهن لنسوان فويس

شارك المقال

مروى العريقي – نسوان فويس

تحن عائشة منصر – 20عاماً – إلى طفولة لم تكملها كباقي الأطفال ، فقدت أبيها مرتين ، تربت مع أمها في منزل جدها ، بينما كان والدها يعمل في دولة أخرى حتى يؤمن لهن حياة كريمة ، عاد والدها و هي بعمر الثانية عشر ، ما لبث أشهر قليله حتى قُتل أمام عينيها جوار منزلهم ، بعد خلافه مع جاره على الطريق ، لتفقده مجدداً لكن إلى الأبد..

اليوم عائشة أم لطفلين ، بعد أن أُجبرت على الزواج من ابن عمها تقول لنسوان فويس: ” تزوجت صغيرة إلى بيت عمي ، و ما كملت الدراسة لأني كنت اهتم بالبيت و حبلت بسرعة ” تعتقد عائشة أنه يجب عليها الزواج لكونها فتاة يتيمة و دور والدتها يقتصر على الاعتناء بإخوتها الأبناء تقول : ” كان لازم اتزوج لأن عمي قرر كذا ، من جهة اخفف الحمل عن أمي و من جهة أخرى اساعد زوجته ، وعشان أكون في بيته زوجني ابنه “!

وفقاً لإحصاء صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “ اليونيسف ” في 11 فبراير 2019، تشكل نسبة زواج القاصرات نحو 21% من عدد الفتيات ، و تتزوج سنويا 12 مليون فتاة دون سن 18 سنة ، و تصف “اليونيسف” أي زواج يحصل قبل سن 18 على أنه انتهاك لحقوق الإنسان.

الطفلة الزوجة 

 ابتهال محمد -19 عاما- وهي أم لثلاث أطفال تقول لنسوان فويس: تزوجت بعمر 14سنة مثل بنات اعمامي ، كنت فارحة بهذا الزواج و أهلي شجعوني للزواج بحكم أني كبرت – بلغت- و صحيح أن عيالي أسعدوني ، لكن أوقات تجي لي لحظات أتمنى لو أني ما تزوجت !  

و في عرف القرية التي تنسب إليها ابتهال في منطقة جدر – شمال غرب العاصمة صنعاء – فالفتاة ليس لها سوى بيت زوجها بمجرد أن يأتيها الحيض .. 

التأثير النفسي

يشكل الخطر النفسي للزواج المبكر قنبلة موقوتة للأسر الناشئة ، إذ توجد أضرار نفسية عميقة خاصةً للشخصيات الضعيفة ، كما تبين ذلك الأخصائية النفسية ماجدة عبد الجبار في حديث خاص لمنصة نسوان فويس : ” الفتاة كانت ترسم حياة معينة في خيالها و جاءت حياتها الواقعية مغايرة ، فتستسلم للأمر الواقع و تدخل بحالة من الاكتئاب ، و تعمل عملية اسقاط لأبنائها ، بنتها حين تكبر تُزوج بسن مبكر، و تتكرر المأساة جيل بعد جيل ..

و توضح عبد الجبار الآثار النفسية للزواج المبكر على الفتيات في التسجيل التالي: 

https://youtu.be/Qnp0shq8odk

و لأن الزواج و بناء الأسرة مسئولية كبيرة تتطلب أن تكون الفتاة قد اكتمل نموها الجسدي و النفسي و الاجتماعي ، تتحدث إلينا حول هذا الخصوص البرفسور نجاة خليل أستاذ علم النفس بجامعة صنعاء: تواجه الفتاة صعوبات كبيرة في اداءها لواجبات الزواج و متطلباته مما يفقدها ثقتها بنفسها ، نجدها تعاني من القلق ، الاكتئاب ، العصبية ، الرغبة الدائمة في البكاء ، صعوبة في التفاعل الاجتماعي و غيرها من الأمراض النفسية و في أغلب الحالات ينعكس ذلك لديها على هيئة أمراض جسدية ، و ذلك كون نموها لم يتم بشكل سليم .. 

الوفاة

و بخلاف الأثر النفسي الواقع على الطفلة نتيجة زواجها قبل سن النضج ، فهناك أضرار جما تصيب الفتيات قد تصل في حالات إلى الوفاة كما توضح ذلك الدكتورة مريم وليد أخصائية نساء و توليد تقول في حديثها لنسوان فويس: ” مسألة الحمل و الولادة لابد أن تتم بعد اكتمال جسد المرأة أي بعمرها الطبيعي لنتجنب حالات الوفاة أثناء الولادة ، و مشاكل المواليد المختلفة ..

 كما أن اكتئاب ما بعد الولادة يكون مضاعف لدى المراهقات ، القلق و نوبات الذعر تكون أكبر من البالغات ، و بحسب مريم فإنه قد يأتيها تفكير بأن تأذي نفسها أو طفلها لغياب الوعي ، نتيجة كبر المسؤولية الواقعة عليها ، و احتياجها في هذا السن لوالديها ، فبكاء الطفل المستمر دون معرفة أسبابه لا تتحملها طفلة ، تتحمل كل هذه المشاكل امرأة بالغة مستعدة لأن تكون أم اختارت حياتها بعد أن عاشت كامل مراحل عمرها الطبيعية .. 

وتنوه مريم إلى أن العملية الجنسية للمراهقات لا تكون آمنة سواء كان الزوج كبير في السن أو مراهق ، و نتيجة لجهل الزوج أو نفاذ صبره قد يحدث لها تمزق أو ناسور مهبلي ..

وبحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان في سبتمبر/أيلول 2021أفاد أن زواج القاصرات آخذ في الازدياد كآلية للتكيّف من قبل الأسر الفقيرة مع استمرار الصراع. 

الوضع القانوني 

كان القانون يحدد السن الأدنى للزواج ب 16 عاماً في الجنوب و 15 عاماً في الشمال ، و بعد الوحدة تم تحديد السن القانوني ب 15 عاماً ، لكن تم تعديل قانون الأحوال الشخصية في عام 1999 و إلغاء السن الأدنى للزواج ، إذ يعرف بها ولي أمرها و يُكتب في العقد عَرف بها ولي أمرها..

الانفوجرافيك التالي يوضح نسبة زواج القاصرات و أثر الخدمات الصحية المتردية في تفاقم وضعهن :

غالبا ما تتسرب الفتيات اللاتي يتزوجن في سن صغيرة من التعليم ، و هن أكثر عرضة للوفاة أثناء الولادة ، ويواجهن خطراً أعلى بالتعرض للاعتداء الجسدي و الجنسي ، مقارنة بالنساء اللاتي يتزوجن عند سن الثامنة عشرة أو بعدها. 

الحلول

تؤكد خليل على أن معالجة هذه المشكلة تتم بتزوج الفتاة أو الفتى بعد اكتمال نموهم الجسدي و العقلي و الاجتماعي، بحيث يصبحوا قادرين و مؤهلين لتحمل تبعات الزواج و بناء الأسرة ، و ترى خليل أنه يجب توعية من تزوجوا صغار و توعية المحيطين بهم بضرورة تأجيل الانجاب حتى تصبح الفتاة جاهزة لذلك ، و تخفيف الأعباء الملقاة على عاتقها و المفترض أن تقوم بها كزوجة و عضو جديد في أسرة زوجها ، و تدريبها على كيفية مواجهة الضغوط النفسية و الاجتماعية التي تواجهها كزوجة صغيرة في السن.

في المقابل ترى ماجدة أن التخفيف من هذه المشكلة لا يأتي إلا بتوعية الأهل بمخاطر الزواج المبكر سواء على المرأة أو الرجل ، و قد يكون الزواج المبكر هينًا على الفتاة في حال أن الزوج شخص واعي و كبير يستطيع التعامل مع هذه الطفلة ، و هذا ما قد يساعد في تخطى الفتاة لهذه المرحلة الصعبة من حياتها ، و الصعوبات التي تواجهها من هذا الزواج.. 

غالباً ما يتم إهمال الوضع النفسي للفتيات فبمجرد زواجها يعّدها المجتمع امرأة ناضجة و يلقى عليها الأهل مسؤوليات تكبرها سنوات ، و لأن طبيعة صغار السن دوماً الفرحة بأعمال الكبار تفرح الفتاة بمسؤوليات الزواج في بادئ الأمر ، و تكتم ما يحز في نفسها من أثر الطفولة ، ما يؤدى إلى تفاقم الأثر النفسي للزواج المبكر و الذي يتحول إلى مرض جسدي كما توضح ذلك ماجدة تقول : ” إذا أُهمل المرض النفسي قد يتحول إلى مرض جسدي كتعبير للمشاعر فتأتي عن طريق المرض ، أو قد يتجه الرجال إلى الزواج مرة أخرى بحجة أنه لم يختر شريكة حياته ، فمشاعره تتغير بسبب اكتمال نموه ، و يبدأ يبحث عن امرأه اختارها هو و يشعر بالحب لأول مرة في حياته..

 على عكسه تماماً فالمرأة مغلوبة على أمرها في مجتمعنا فليس من حقها أن توافق أو ترفض بل لا يمكنهن اتخاذ القرار خاصة في وجود طفل ، تقول الاخصائية النفسية ماجدة : ” قد تتزوج البنت لمدة شهور أو سنة و توصل لمرحلة الحمل و الخلفة و تعود إلى بيت أهلها ، فيلومها الأهل لعدم صبرها و تحملها المسؤولية ، متغافلين أن هذه المسؤولية كبيرة عليها و أنها لا تزال طفلة ، لا مشاعرها مستقرة ، و لا تفكيرها مستقر ، لا أهدافها مستقرة ، و نحن البشر ننضح بناء على تجارب نمر بها ، و نتعلم منها ، فشخص لم يمر بجميع المراحل بترتيبها من الطبيعي أنه لن يتمكن من اتخاذ قرار سليم في حياته ، و لن يشعر بالرضى ، من طفولة مبكرة إلى مسؤولية زواج الذي يجب أن يكون بسن الرشد أي تفكير مستقر و مشاعر مستقرة ، فهي عدت كل المراحل و أخذت المرحلة الأخيرة ، الأمر الذي ينعكس سلباً في حياتها لأنها لا تتخذ قرارات صحيحة في حياتها ..

مقالات اخرى