التحرش…ظاهرة تتنامى وسط خوف الضحية و صمت القانون

شارك المقال

امل وحيش – نسوان فويس

حديث ممنوع

الحديث عن التحرش و تحديداً التحرش الجنسي كان و مازال من المحرمات ، و من العيب التطرق إليه خاصة في المجتمعات العربية ، و منها اليمن التي تزيد فيها ظاهرة التحرش في وسط تجاهل القانون و صمت الضحية خوفاً من الأهل و حرجاً من المجتمع الذكوري الذي يسقط اللوم عليها غالباً بحجج واهية ، و كما هو معهود فهي تتحول من ضحية إلى جلاد .

شكاوي كثيرة نسمعها من الفتيات و النساء عن تعرضهن للتحرش في وسائل المواصلات من قبل أشخاص لا يخجلون و هم يرتكبون فعلاً مؤذياً و مخلاً أمام الملأ ظناً منهم أن هذه المرأة لن تتكلم و ستسكت و هي ترى أحدهم يمد يده ليتحسس جسدها أو يرمقها بنظرات جنسية ، أو يتلفظ بألفاظ بذيئة .

( أ.ص) تعرضت للتحرش أكثر من مرة في الباصات و لكنها كانت تتجاهل بعض التصرفات لأنها لم تتعدى النظرات أو ألفاظ المعاكسة و كذلك تجنبا للشوشرة حد تعبيرها ، لكن جاءت المرة التي لم تتحمل أن يتم التحرش فيها بالنظرات و تطاول المتحرش حد اللمس ما جعلها تنتفض و تصرخ في وجهه ساردة لنا ما حدث : ” كنت جالسة و جنبي واحدة في الكرسي قبل الأخير  و الكرسي اللي خلفنا كان فيه واحد ما ارتحت له من لما طلع شويه أحس فيه شيء  يدحش برجلي ، قلت لنفسي يمكن اني اتخيل ، شويه رجعت نفس الحركة و النار اشتعلت بداخلي التفت للخلف أشوف الرجال جالس وسط الكرسي مع انه كان فيه فضاوة و جلس بالقرب من الكرسي اللي احنا فيه و مقرب رجله لجنب رجلي ما دريت بنفسي  إلا و أنا أصيح ملان الباص  و ألعن و من خوفه التافه وقف الباص و نزل “.

وعن ردة فعل الركاب تقول : ” للأسف اللي قهرني المرة اللي جنبي كانت تسكتني اص يا بنتي لا احد يسمعش اتركيه حسبه الله ، قلت لها هو هذا السكوت حقنا اللي يخليهم يتمادوا “. 

” كم يا مواقف كم أحكي و كم ابقي ” هكذا ترد (زهرة البستان) اسم مستعار مجيبةً على سؤال هل تعرضت للتحرش في وسائل المواصلات حيث تحكي لنا زهرة البستان أنها تعرضت لمواقف كثيرة من التحرش في وسائل النقل من أبرز هذه المواقف إدخال أحد المتحرشين رجله من تحت الكرسي الذي تجلس عليه و مع تكراره للحركة لم تسكت و قامت بدهس قدمه حتى صرخ من الألم “دعست رجله لما عرف إن الله حق “.

أما الموقف الثاني و هو حين استقلت تاكسي للبيت و أثناء مد يدها لتحاسبه قام بمسك يدها ولكنها لم تسكت كعادتها : ” تفلت لا وجهه و سمعت به “، هكذا تقف زهرة البستان في وجه المتحرشين و تدعو كل فتاة و امرأة تتعرض لمثل هذه الممارسات ألا تسكت ولا تخاف من الأهل لأنها لم ترتكب جريمة “هي ما عملت غلط عشان تخاف هي دافعت عن نفسها ولو سكتت بيخليها تتعرض لمواقف أسوأ بسبب سكوتها ” ، كما تطالب زهرة البستان بوجود قانون يحمي المرأة من التحرش لأنه كما تقول زاد و المتحرشين تمردوا و يجب أن يوضع لهم حد.

تحرش و محاولة اختطاف

( أم رأفت ) اسم مستعار هي الأخرى لم تسلم من التحرش و لكن هذه المرة بنية الاختطاف من قبل صاحب الباص ، حيث كانت مستقلة باص إلى الزبيري باب اليمن بعد خروجها من عملها و لكنها لاحظت أنه ينظر إليها كثيراً من خلال المرآة الأمر الذي جعلها تبعد نظرها و تخفي توترها بأن انهمكت بالجوال حتى أنها لم تنتبه بأن مسار الباص قد تحول خاصة بعد أن نزل جميع الركاب تقول : ” بدلاً من أن أذهب إلى باب اليمن وجدت نفسي قريبة من حي الأعناب ، انتبهت أن الطريق مختلف و صرخت في وجه السائق الذي ادعى أنه طريق مختصر و أنه يريد أن يزود الباص بالبترول و من لطف الله أني كنت قريبة من إحدى الجولات و على الفور نزلت من الباص لأنه كان واقف ينتظر أن تفتح الجولة ” ، و وترجع ذلك إلى جهلها بالشوارع فهي لا تستقل وسائل المواصلات فغالباً هناك من يوصلها من العائلة.

و عن تقديمها لبلاغ لقسم الشرطة أو إخبار أهلها تؤكد أنها لم تخبر أحد فقد كانت مرتعبة  و خائفة و غير مدركة لما حصل و تحمد الله أنها بخير ، و لم تقدم بلاغ أو تتكلم مع أهلها خوفا من أن يمنعوها من العمل أو يطلبوا منها عدم الخروج مرة أخرى .

موقف آخر مشابه تعرضت له ( د.ع ) حيث كانت تستقل باص صغير(دباب) من جولة المصباحي حتى شارع الستين و كان في الباص فتاة أخرى و خلال الطريق كان ينظر إليهما في المرآة و لم ترتاحا له على الإطلاق ، فما كان من الفتاة التي كانت بجوارها إلا أن أوقفت الباص و نزلت بسرعة و بينما (د.ع) كانت تريد اللحاق بالفتاة كان مكر السائق  أسرع حيث مضى مسرعاً حتى أغلق الباب من تلقاء نفسه لشدة السرعة ، صرخت و بكت و حاولت أن تفتح الباب لكنه لم يسمع لصراخها تقول أنها أسوأ لحظة في حياتها كانت تتمنى الموت على أن يمسها أذى ، و لكن شاءت قدرة الله أن يصل لجسر مذبح و هناك كان يوجد رجال مرور و مركبة عسكرية  و السيارات مزدحمة فصرخت و بكت حتى لاحقوه و أوقفوه و هدأوا من روعها و استمعوا لقصتها ، و طلبوا منها أن تذهب للبيت و سيتكفلون هم بهذا السائق ، لكنها بعد ذلك لم تعرف ما فعلوا به و كلها ثقة أنهم تركوه و شأنه لحسابات أخرى هي لا تعرفها ، و ما يهمها هو أنها نجت من محاولة حقيرة كهذه و تنصح كل فتاة أن لا تكون مستسلمة و ضعيفة و يجب أن تدافع عن نفسها و أن تكون قوية فالمتحرش دائماً جبان حسب قولها.

أثر نفسي

التحرش هو فعل الوحش المختبئ داخل الإنسان  و هو ليس وليد اللحظة و لكن السكوت عنه يعد جريمة إنسانية و جريمة بحق المرأة التي تعاني الأمرين بسبب هذه التصرفات المسيئة للمرأة 

يقول الدكتور هاشم العطاس و هو مختص نفسي بأن التحرش أنواع و قد يكون إشارة أو تلميح لفظي أو تعدي جسدي.

 و يرى أن المرأة التي تتعرض للتحرش بشكل عام تتعرض لضغوط نفسية كثيرة منها ما هو مؤقت و منها ما يطول مداه لأيام .

” الأثر النفسي قد يصيب المرأة و يكون مجرد وقت و يذهب في وقته أو بعد أيام “. هناك ما هو حدث ضاغط حسب تعبيره يسبب التوتر و العصبية و قد يؤدي إلى اضطراب نفسي و يضيف : ” أيضاً قد تصاب بصدمة نفسية خصوصا إن كان التحرش قويا و مفاجئا و هنا الصدمة النفسية قد تزول لاحقا بعد أيام و قد تبقى على شكل اضطراب نفسي ” . و يرى الدكتور هاشم العطاس بأن أبرز الأسباب للتحرش تعود إلى سوء تربية الرجل .

نسب و أرقام

بحسب صحيفة الإندبندنت فإن واحدة من أصل ثلاث سيدات تتعرض للتحرش كل يوم حول العالم ، أما في الدول العربية فتصل نسبة التحرش بالنساء بشكل يومي إلى 37 بالمئة .

و بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة المعنية بشؤون المرأة فإن 35% من نساء العالم عانين إما من عنف جسدي أو جنسي من قبل شركائهن في الحياة أو عنف جنسي من قبل أشخاص مجهولين في مرحلة ما من حياتهن

التحرش اللفظي  تتعرض له النساء حول العالم كل يوم ، و بحسب التقرير  فإن 40-60% من النساء و خصوصا في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا يتعرضن للتحرش اللفظي في الشوارع

المصدر: UN Women

أما عن الأرقام و الإحصائيات حول عدد حالات التحرش المرصودة في اليمن فهي غير دقيقة و اختلفت من عام لآخر بحسب منظمات و تقارير عربية منها إحصائية في عام 2009 م أعلن عنها المؤتمر الإقليمي العربي لحقوق المرأة الذي تم تنظيمه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للسكان والوكالة السويدية للتنمية الدولية أن 90% من النساء في اليمن اشتكين من تعرضهن للتحرش سواء في الأماكن العامة أو أماكن العمل.

و في دراسة ميدانية قامت بها مؤسسة إيثار اليمنية بالتعاون مع مبادرة شراكة الشرق الأوسط في عام 2009 م ذُكر فيها أن 98.9% من النساء في العاصمة صنعاء تعرضن للتحرش الجنسي باختلاف أنواعه ، و ذلك بحسب ما ذكر في مواقع إخبارية  كموقع الحوار المتمدن، ويمن فويس 

صحيفة الحياة اللندنية في عام 2012 م أوردت تقريراً ذكرت فيه أن 90% من النساء في العاصمة صنعاء يتعرضن للتحرش .

لكنها بعد ذلك سحبت التقرير بعد موجة غضب من القراء اليمنيين الذين أنكروا ذلك معتبرين هذه الأرقام مبالغ فيها ، و لكنها من خلال المشاهدات اليومية موجودة و في تنامي في ظل التهرب من مواجهتها بحجة العيب و الحرج ، فسبب الاعتقادات الثقافية تكون لدى المتحرش جرأة ليكرر فعله في كل مرة.

قانون و عقوبات

يُعرف التحرش الجنسي ، بحسب مبادرة «خريطة التحرش» ، بأنه أي صيغة من الكلمات غير المرحّب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما و تجعله يشعر بعدم الارتياح ، أو التهديد ، أو عدم الأمان ، أو الخوف ، أو عدم الاحترام ، أو الترويع ، أو الإهانة ، أو الإساءة ، أو الترهيب ، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد .

لذلك فإن كثير من البلدان سنت قوانين تحرم و تجرم التحرش و تعاقب المتحرش ، لكن في اليمن لا يوجد نص قانوني صريح يجرم التحرش و يعاقب عليه ، فقد اكتفى الدستور اليمني بنص قانوني يعاقب فيه مرتكب الفعل الفاضح المخل بالحياء بحسب قانون العقوبات و عرف الفعل الفاضح بحسب المادة رقم (273)على أنه : ” كل فعل ينافي الآداب العامة أو يخدش الحياء و من ذلك التعري وكشف العورة المتعمد و القول و الإشارة المخل بالحياء و المنافي للآداب ” بينما حُددت عقوبة لمرتكب هذا الفعل الفاضح بحسب المادة المــادة(274): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة كل من أتى فعلا فاضحا علانية بحيث يراه أو يسمعه الآخر “. و هذا ما يراه مراقبون نص غير منصف للمرأة التي تتعرض للتحرش و يجب مراجعته و سن قانون جديد يعاقب المتحرشين ويحد من هذه الظاهرة .

مؤخراً في مصر تم  تعديل قانون عقوبة التحرش بموجب تحويل واقعة التحرش إلى جناية بدلًا من اعتبارها جنحة ، و بعد التعديل على هذا القانون تم تشديد العقوبة على المتحرش ، كما جاء في نص المادة 306 مكرر (أ) التي تنص على الآتي :” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز 4 سنوات و بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه و لا تزيد على 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية ، سواء بالإشارة أو بالقول أو الفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية أو  وسيلة تقنية أخرى  بحسب موقع اعرف قانونك

كم نتمنى أن تجد مثل هذه القوانين طريقها إلى بلادنا حتى نتمكن من ردع مثل هذه الأفعال المشينة التي تتسبب في التأثير على المجتمع أخلاقياً و سلوكياً ، كما تؤثر نفسياً على المتعرض للتحرش. 

فالتصدي للتحرش ليست مسؤولية فردية بل مسؤولية تقع على عاتق الجميع بما فيها الحكومة ، وسائل الإعلام ، والسلطة التشريعية التي يجب أن تشرع قانون يجرم التحرش كجريمة يعاقب عليها القانون الأمر الذي سيسهم في الحد من هذه الظاهرة في حال علم المتحرش أن هناك عقوبة تنتظره

مقالات اخرى