التحرش في اليمن جريمة محمية بالقانون!!

شارك المقال

مروى العريقي نسوان فويس

تفاجأت سمية -49 عاما – (اسم مستعار) ، بتعرضها لتحرش جنسي لم تتوقعه تحكي لنسوان فويس ما حدث معها قبل نحو خمس عشر عاما : ( كنت داخل الباص بالمقعد قبل الأخير و شعرت بيد تمتد إلى جهة اليسار من الخصر ، لم اعرف كيف اتصرف و جدت نفسي التفت للخلف و اقول للراكب الذي بجانب ذاك الشخص قل للذي جنبك يحترم نفسه ، وعلى طول الكل التفت إليه ما جعله يغادر الباص ) ..

فيما تتذكر رقية -33 عاما – (اسم مستعار) حادثة تعرض صديقتها للتحرش الجنسي بينما كانتا في أحد المحلات التجارية تقول : رأيت يد تتحسس صديقتي و رأيت فزعتها فسارعت لصفع صاحب تلك اليد على خده ما شجع صديقتي لصفعه أيضا ، و تجمع الناس حولنا و بادروا بضربه حتى أفصح عن عدم تكرار فعلته ..

لا تختلف قصة عبير -40 عاما – (اسم مستعار) عنهن تقول : كنت في الشارع امشي فلحقني شخص بسيارة و اعترض طريقي و رمى لي بورقة مكتوب عليها رقم هاتف ، أخذت الورقة و مزقتها و اتجهت للمنزل و صعدت إلى السطح و نظرت للأسفل فوجدته يلم الورقة الممزقة فأخبرت زوجي بما حدث ، ذهب إليه وضربه أعطاه درساً ، بعد ذلك لم أره مطلقا..

أما هند -25 عاما- (اسم مستعار) فقد واجهت المتحرش بشجاعة لا مثيل لها تقول لنسوان فويس : كنت بداخل الباص و شعرت بشيء يلامس جسمي التفت للخلف و نهرت الرجل الذي يجلس خلفي لكنه كرر الفعل مجددا ما كان بي إلا أن اخرج المشرط الخاص بالرسم الذي في حقيبتي و اصوبه تجاهه و اتحدث بحده ألا يقترب مني فما كان منه إلا أن أسرع بالنزول من الباص ، من يومها و المشرط لا يفارق حقيبتي ، تقول هند ..

على عكسهن تماما فضلت خلود – 22 عاما – (اسم مستعار) الصمت، حينما تحرش بها أحد الجيران عندما كانت طفلة ، إذ شعرت بالخوف و لم تخبر أهلها حتى اليوم ..

القانون 

 حين يتم القبض على المتحرش في اليمن يتم حلاقة شعر رأسه كعقوبة على فعله السيء هذا ، و يعتبر المحامي زياد الدبعي هذه العقوبة اجتهاد شخصي من قبل الجهات الأمنية ، يقول لنسوان فويس : عندما تكون الجريمة غير مشهودة ، أو يكون هناك شبهة ، تكون هذه العقوبة كنوع من الزجر ، و نستطيع القول بأنها باتت عرف مجتمعي سائد ..

فيما اعتبرت المحامية و الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان سماح سبيع هذه العقوبة استهتاراً ، مشيرة إلى أن القانون اليمني لم يعطي لهذه القضية أهميتها فهي تمس كل فرد في المجتمع و يجب أن يكون هناك عقوبة رادعة ..

عادات و تقاليد

تشكل العادات و التقاليد في اليمن عائقا أمام تقديم النساء بلاغات شكاوى ضد المتحرشين ، فنظرة المجتمع للمرأة بأنها السبب في التحرش تحجم عن فضح المتحرشين ، كما توضح ذلك الدكتورة افتكار المخلافي -أستاذ مشارك بكلية الشريعة و القانون بجامعة صنعاء- تقول لنسوان فويس : غير العادات و التقاليد لدينا الخوف من تعنيف العائلة ، على الرغم من كونها ضحية ، و مع ذلك لا ينظرون لها على كونها ضحية بل يرونها مجرمة و قد تفقد ثقة العائلة بل قد تفقد أسرتها و حياتها في حال إبلاغ أهلها بما تعرضت له من تحرش ..

و تعتبر المخلافي ضعف المرأة في اثبات الجريمة عائقاً أمام تقديم بلاغ الشكوى لأقسام الشرطة و قصور عمل تلك الأقسام ، ” الكثير يعتبر لجوء المرأة لأقسام الشرطة لتبليغ عن أي جريمة تتعرض لها عيب ، كون أقسام الشرطة لا تقوم بأداء عملها وفقاً للقانون ، و لا تتوفر فيها أدني مقومات تقديم الخدمات بل أقسام الشرطة أمكان مخيفة ” ..

و بحسب المخلافي فإن المرأة قد تتعرض للابتزاز من الأقسام ذاتها ، فكيف بالأمر في حالة التبليغ عن جريمة تحرش جنسي ستتعرض هي لتحرش آخر من الأقسام أيضاً طوال فترة إجراءات التقاضي ، غير أن إثبات الجريمة يُعد عائق أخر أمام النساء ، و كذا تكاليف التقاضي هو عائق ثالث ..

و عن نص القانون اليمني تقول المخلافي : القوانين النافذة لا تحمي النساء من جرائم التحرش الجنسي بالشكل المطلوب و لا تفرض عقوبات تحد من هذه الجريمة ..

سمة سائدة

من جهتها تعزو أستاذ علم الاجتماع و العمل بجامعة تعز ذكرى العريقي وجود هذه الظاهرة على المجتمع ذو الدور السلبي في هذه القضية ، تقول في حديثها لنسوان فويس : لأننا في مجتمع يلقي اللوم على المرأة حتى و إن كان التحرش بها ، فبدل ما يلام الفاعل لعدم احترامه يذهبون إلى القول بأن الفتاه هي السبب بملبسها أو بطريقة سيرها اللافتة للانتباه ..

و عن الأسباب التي تمنع المرأة من تقديم بلاغ الشكاوي للجهات المختصة تقول العريقي : نحن في مجتمع المرأة مظلومة جدا فيه ، تعاني من اضطهاد ذكوري متأصل في ثقافة المجتمع حتى النساء الآن يحملن الثقافة الذكورية يتعاملن مع بعضهن البعض بدكتاتورية ذكورية ، بالتالي حين تفكر المرأة و هي تعرف هذا المجتمع و كيف يتعامل مع المرأة مجرد أنها تشكي إلى أي جهة تعرف أنها تُنظر بنظرة كلها ازدراء ، و أن المرأة المتحرش بها هي امرأة سيئة ، و لعل هذا ما يجعلها تتحمل ثقافة التحرش من الرجال المتحرشين على أنها تواجه بتهم من الناس و خاصة الأقربين ..

فيما يرى محمود البكاري -أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز- أن السكوت على ظاهرة التحرش أصبح هو السمة السائدة في المجتمع ، لعدم وجود مؤسسات تعنى بحل و معالجة مشاكل التحرش ، و يرجح أسباب إمتناع المرأة عن تقديم الشكوى بالمتحرش أنها تعود إلى طابع اجتماعي ، حيث تخشى الفتاة من تفاقم المشكلة و التأثير على سمعتها و شرفها و مستقبلها أيضا من المجتمع ، إضافة إلى عامل الخوف من ردة فعل الأهل التي قد يترتب عليها الحرمان من مواصلة التعليم أو منعها من العمل ..

التنشئة

و ترى المحامية سماح سبيع أن المرأة اليمنية و جدت الخذلان في جميع مراحل حياتها بدءاً من التنشئة تقول في حديثها لنسوان فويس : المرأة لم تتجه لأقسام الشرطة كونها تعيش خذلان داخلي ناتج عن الطريقة التي نشأت بها ، فالثقافة المجتمعية لدينا تتوجب على البنت السكوت باعتبار أن البنت المؤدبة هي التي لا ترد ، البنت المؤدبة لا يرتفع صوتها ، لا تتكلم بالشارع ، بل ينظر إليها أنها من تأتي بهذا النوع من التحرش بلبسها أو بمشيتها ، فيتولد بداخلها شعور بالصمت ..

و تشير سبيع إلى الدور السلبي للجهات الأمنية في مراكز و أقسام الشرطة التي تنظر لهذا الأمر باستهتار من باب أنه لا داعي للفضيحة ، على الرغم من أن هذه المؤسسات الأمنية يجب أن يكون لها دور في إيقاف مثل هذه الانتهاكات كونها تمس المجتمع بشكل عام .. 

و نوهت سبيع في حديثها إلى غياب التشريعات الصارمة و الرادعة لهذه الجريمة ، تقول : التشريع اليمني لم يضع تشريع صارم و رادع في هذا الصدد ، و في القانون اليمني لا يوجد شيء اسمه تحرش ، يوجد “هتك العرض” و هذا بحسب المادة (270) فاعتبرت كأنها مخالفه فقط ، إذ لا توجد عقوبة تتجاوز مدتها سنة ، و الغرامة لا تتجاوز 3 ألف ريال فقط للهتك بدون إكراه ..

و تضيف : وضع المشرع مسمى أخر ” الفعل الفاضح ” و حدد عقوبته بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر ، و إذا ما قارنا بالقانون المصري الذي تم التعديل عليه ما بعد ثورة 25 يناير فالقانون صارم تصل فيه أدني عقوبة إلى السجن سنتين و في بعض الحالات إلى الإعدام وهناك عقوبات المؤبد وعقوبة الحبس مدة 15 سنة ، بالإضافة إلى الغرامة التي تفرض و تصل إلى 100 ألف أو 300 ألف جنية مصري .. 

دور المجتمع

يظهر دور المجتمع من خلال تبني الأسرة لخطوات معالجة هذه المشكلة كما يوضح ذلك البكاري : مطلوب أن يكون للأسرة دور من خلال رفع حاجز العيب و العار من الشكوى أو الابلاغ لحالات التحرش كونها من المشاكل التي يعاني منها المجتمع ، و لابد من مواجهة تلك المشاكل و التغلب عليها بدلاً من السكوت عنها ما يؤدي إلى تفاقمها أكثر ..

فيما ترى سبيع أن المنظومة القانونية تتحول إلى جانب أخلاقي ، فالمجتمعات المتحضرة كانت لها قوانين صارمة و تم تنفيذها بشكل صحيح ، بعد ذلك أصبحت هذه القوانين أخلاق و قيم فنحن بحاجة إلى قانون صارم و قانون قوي ينفذ كي يحد من الجرائم ..

و تبين العريقي أن دور المجتمع يتمثل في التغيير من وجهة نظر المرأة عن نفسها ، تقول : ” لازم المرأة تشعر بقوة و تحس أن قيمتها في ذاتها ، لا في شكلها و أن المتحرش رجل مريض و أن التحرش هو ثقافة الناس المتخلفين (الأمراض) فلا تخاف و تكون قوية و تواجه ، فنحن بحاجة إلى مواجهة المجتمع و العمل على إعادة تشكيل الوعي في الموروث الثقافي الموجود خاصة المتعلق بالمرأة ..  

نصائح

وجهت المحامية سماح نصيحة إلى الأسرة اليمنية بأن تقوم بتربية بناتها على الثقة بالنفس ، و عدم كسرهن ، و دفعهن إلى الاعتزاز بذواتهن منذ الصغر ، ” لا يمكن لفتاة و امرأة المستقبل أن تواجه أي مشكلة من مشاكل الحياة وهي ضعيفة أو مكسورة ، فحين تُنشئ الأسر بناتها على الانكسار و الخنوع هذه الفتاة لن تكون قادرة على مواجهة أي شخص يعترضها ” ..

و تقدم سبيع نصيحتها للمرأة اليمنية فتقول : أنتِ من أقوى النساء في العالم من تواجه و تعيش في وضع مثل اليمن ، و تخاطر و تتجاوز الصعوبات ، إذ استطاعت كثير من النساء مواجهة قسوة الحياة ، ليس صعباً عليها مواجهة متحرش هو أضعف ما يكون ..

و ترى سبيع أن إيقاف المتحرش لن يكون إلا من خلال المرأة ذاتها ، و تضيف : من تجربة شخصية لي قبل أن أصبح محامية توجهت إلى أقسام الشرطة لتقديم بلاغ ، ولمست أن هذا الأمر شكل وعي بالقانون بالنسبة للعاملين في الأقسام .. 

و تؤكد : الموضوع ليس له علاقة بالدين و لا بالحياء ، له علاقة بأنه أنتِ تحترمي ذاتكِ و تقدريها ، و أن جسدك ملككِ و ليس لأحد أي وصاية عليك حتى الأسرة طالما أنتِ امرأة واعية متعلمة و تأتي الأسرة نتيجة التربية الخاطئة و تقول بنت الناس تسكت ، الرجل الذي يقول لواحده من نساء اسرته اسكتي نستطيع اعتبار هذا الموقف منه نوع من الدياثة .. 

من جانبها تنصح العريقي النساء باتخاذ موقف قوي و شجاع بعيداً عن الذهاب لتقديم بلاغ الشكوى ، و أن تلقن المرأة المتحرش درساً إلا في حال وصل التحرش إلى اعتداء سافر انتهك فيه عرضها هنا يفترض تقديم الشكوى ، و تشير العريقي إلى أن هذا الأمر بعيداً كوننا بحاجة إلى إعادة تشكيل وعي المجتمع كي يبدأ الناس بتقبل فكرة أن المرأة تشتكي بالرجل ، و أنها مظلومة بدل من النظر لها بنظرة ازدراء . 

فيما تتحدث المخلافي في هذا الجانب ، حول اصلاح منظومة متكاملة تبدأ باتجاه وسائل الإعلام وسائل التواصل الاجتماعي و المنظمات المعنية بحقوق النساء ، بتبني حملة مناصرة و توعية للنساء و الرجال بخطورة هذه الجريمة على النساء و أنه يجب تشجيع النساء على الابلاغ عن جريمة التحرش و عدم الخوف و الصمت من ذلك ..

و تطالب المخلافي بتأهيل و تدريب أقسام الشرطة و النيابات و القضاء بما يؤدي إلى إعادة الثقة بهم و تحقيق الحماية الكاملة للمرأة و صون كرامتها و حرمتها ، بالإضافة إلى توفير الدعم و العون القضائي لكل امرأة تعرضت لتحرش .. 

في حال تحقق ذلك انصح كل النساء اللاتي تعرضن لتحرش عدم السكوت و الخوف و اللجوء للقضاء لإنصافهن ، كما انصحهن ببناء الثقة مع اهلهن و إبلاغهم في حال تعرضهن لتحرش ، تقول المخلافي ..

مقالات اخرى