امل وحيش – نسوان فويس
ذكريات غير مألوفة
لكل منا ذكريات يحب أن يحتفظ بها خاصة وإن كانت تخص أشخاص يعنون لنا الكثير، وتختلف الأشياء التي نحتفظ بها كذكرى ممن نحب من شخص لآخر، لكن قصتنا لليوم ذكرياتها مختلفة تماماً، ليست مقتنيات شخصية مطلقاً، إنما كائنات حية أليفة رغبت بأن تحتفظ بها كذكريات من والدها ورفضت بيعها أو الاستغناء عنها.
راوية عبدالله فتاة جامعية من مواليد محافظة عدن خريجة آداب فرنسي ، شابة في العشرينيات من عمرها، توفي والدها في بداية الحرب في العام 2015 وتركها هي وأخوتها الأحد عشر وترك لهم بيتاً يأويهم، ومصدر رزق لم ينتبه لأهميته أحد نظراً لأنهم يعيشون في المدينة ولا يرغب أحد بتربية الماشية أو الاحتفاظ بها في منزله، إلا أنها أصرت أن تحتفظ بشيء من ذكرى والدها، وعملت على تربية الأغنام التي تركها والدها رغم انشغالها بالدراسة الجامعية، وبعدها بالعمل في عدة أماكن ، إلا أنها لم تنفُر من ذلك أو ترى عيباً أو حرجاً بل على العكس تقول راوية لمنصة نسوان:” قمت بتربية الأغنام منذ عام 2016 بعد وفاة والدي بعام وفي 2021 قدمت مشروعي لمنظمة أشادت به وأعجبت كثيراً ، ودعتني لعرض فكرة مشروعي الذي يعد مشروع مختلف ولم يقدمه أحد من قبل خاصة وأنه في المدينة لم يكن الأمر بتلك السهولة و الحمد لله لاقى دعم معنوي وتم تدريبنا في ريادة الأعمال وكيفية صناعة المشاريع وهذه النوعية من التدريب تساعدنا في اكتشاف نقاط قوتنا وإثبات أنفسنا من خلال مشاريعنا وإن كانت بسيطة”.
عادات يومية
تستيقظ راوية مبكراً كل يوم وغالباً في السادسة صباحاً لتبدأ رحلتها مع الأغنام وصغارها، تقوم بإخراجهم للمنطقة المحيطة لمنزلهم لرعيها ، وفي كل يوم تقوم بمساعدة والدتها بتنظيف مكان مبيت الأغنام دون أن تتحرج من ذلك أو تتكبر كونها خريجة جامعية وموظفة في إحدى المنظمات.
بعد جولة تستمر من ساعة إلى ساعتين تعود راوية مع الأغنام إلى البيت، وتضع لهم الأعلاف والماء، ثم تتجه لتجهيز نفسها للذهاب إلى مكان عملها الذي يبدأ في التاسعة صباحاً، وتعمل راوية في منظمة الغد المشرق كمسؤول لقسم الأيتام، ومن يحن على حيوان أليف كالأغنام لن يبخل بحنانه على الأيتام الذين حرموا حنان الأب أو الأم أو كليهما.
بعد انتهاء دوامها تعود راوية للمنزل لتناول وجبة الغداء وتأخذ قسطاً من الراحة، ثم تبدأ الشوط الثاني مع أغنامها التي تربطها بهم علاقة ود، تقوم من جديد بإخراجهم للشارع للبحث عن المرعى بعد العصر مباشرة وحتى قبل غروب الشمس ثم تعود هي والأغنام وصغارها إلى البيت.
وفي كل يوم تتفقد راوية صغار الأغنام وتقوم بمنحهم مساحة من الحب حتى أنها تعتني بهم في غرفة نومها إن لزم الأمر ومن خلال رعايتها لاحظت وجود مشكلة صحية لدى صغار الأغنام وخاصة المواليد منها.
مصدر رزق واكتفاء ذاتي
ترى راوية أن تربية الماشية ليس عيباً بل رزقاً كبيراً لمن يدرك ذلك، راوية تضيف أنها تبيع الأغنام في المواسم الأمر الذي يدر عليها هي وأسرتها دخل جيد ينسيها تعب العام ، وتقول” استفدت كثير من ناحية المواليد فهي تتكاثر وبالتالي نقدر نبيع في المواسم وفي نهاية كل سنة اجمع محصول المبيعات ويكون عندي دخل” وعن أهمية المشروع تضيف:”مشروع مهم في ظل الأوضاع التي نمر بها في الوقت اللي ارتفع فيه سعر الصرف والغلاء أشوف إن هذا المشروع ناجح جداً”
وكبداية أي مشروع لابد من تقديم تضحية كي ينجح وينطلق، حتى وإن كانت انطلاقته أو دخله يسير تقول راوية:” يخسرني كمشروع شخصي ويجعلني مكتفية ذاتياً وقادرة على مساعدة أهلي ونعيش بشكل أفضل وأكيد فيه خسارة من ناحية الأعلاف والأدوية الخاصة بالأغنام، ولكن تتسهل والنتيجة تكون إيجابية لأنه يعود علينا بدخل جيد ويستفيد منه الجميع” حسب ما قالت.
توجهت راوية برسالتين الأولى للمنظمات والجهات المعنية بدعوة للالتفات للأسر المنتجة التي تقوم بتربية الأغنام داخل المدن ومساعدتهم في توفير أهم المتطلبات لأغناهم كاللقاحات والأدوية والأعلاف أسوة باهتمامهم بالمناطق الريفية.
والرسالة الأخرى للفتيات اللواتي يرغبن أن يكن رائدات أعمال تنصحهن أن يجتهدن في تقديم مشاريعهن الخاصة لأن المشاريع الذاتية كما تقول مفيدة وتجعل الإنسان مكتفي ذاتياً بدلاً من أن يقضي عمره في انتظار الراتب.
قصة راوية تدل على شجاعة وثقة امرأة في زمن يرى فيه الناس بعض الأشغال لا تليق بها وبأنها معيبة ، بينما تؤكد راوية بأن العمل لم يكن عيباً وبأن مهنتها هي مهنة زاولها نبينا محمد وأنبياء آخرون .