هل تستطيع المرأة الطعن في قرار يصادر حقها المكفول قانونا والمتاح شرعا؟

شارك المقال

مروى العريقي – نسوان فويس

“جميل أن نرى من يهتم لمصالح المرأة ويقرر الأفضل لها، فما الذي تغير في زمن الحرب، في السابق كانت المرأة تعمل متى ما أرادت وفي مجالات محدودة كقطاع التعليم، ولكن الحرب وانقطاع راتبها وراتب عائلها أجبرها على العمل في أي مجال تجده كي تتمكن من العيش، فلماذا لا نرى قرارات لحل هذه المشكلة؟!” هكذا تتساءل وباستغراب الطالبة الجامعية هناء هاشم -25 عاما- عن الاهتمام المفاجئ بالمرأة، وصدور قرار يمنع النساء من السفر إلا بموافقة ولي أمرها..

فيما ترى مريم عبد الله –موظفة- أن القرار يشكل عبء إضافي على الموظفات، وقد يتيح ابتزازهن ماليا من قبل اقربائهن، وتتساءل كيف احضر موافقة أشخاص لا يتواجدون معي بنفس المدينة! فهذا عائق قد يفقدني عملي وفي أحسن الأحوال سيتسبب في تكبدي خسارة مالية كنت في غنى عنها. 

أما عن أمة الغفور علي – 29 عاما- وهي معلمة تربوية تقول: القرار يعيدنا إلى الوراء سنوات وسنوات، طالما البنت أهلها موافقين على سفرها ما علاقة الآخرين؟ مضيفة: في العالم كله الدولة تعمل قرارات تسهل حياة الناس إلا عندنا، الحياة تطورت وأصبحنا ننتقل من بلد إلى بلد بظرف ساعات وأصبح العالم أجمع قرية صغيرة، وبات أمر التنقل أسهل لم يعد بتلك المشقة وذلك البعد..

وهناك من يرى أن تعميم قرار منع المرأة السفر دون موافقة ولي أمر على جميع شركات النقل في صنعاء، جاء ردا على نجاح حملة جوازي بلا وصاية التي نُفذت في تعز، إذ أنهى القرار هامش الحرية المتاحة للنساء والضيقة أصلا، فضلاً عن أنه تسبب بعرقلة أعمال لهن، فوجود الموافقة يشترط حضور ولي الأمر شخصيا وفي الاغلب يتعذر حضوره لعدم وجوده في نفس المدينة ما يتعذر السفر..

المحرم

وعن هذا القرار من وجهة علماء الدين في اليمن، يؤكد علماء دين على ضرورة تواجد المحرم، حتى مع سهولة التنقل اليوم عبر المركبات والطائرات، وهنا يقول الباحث في القضايا الإسلامية الشيخ أحمد سالم لنسوان فويس: الإسلام لا يقرر شيء إلا لذي حكمة، والله سبحانه عندما قرر هذا على لسان رسوله يعلم أن العلم سيتطور وأن هذه الوسائل ستتوفر، وحكمته تبقى، فالمرأة لابد أن يرافقها محرم مثلاً سيرافقها محرمها للمطار وسيصل إلى نقطة محددة ولن يُسمح له بالدخول فستضطر هي للجلوس وحدها في صالة الانتظار، ربما يتأخر موعد الرحلة، وربما يحدث خلل في الطائرة، ربما تضطر الطائرة للهبوط في مطار آخر في غير المدينة المتفق عليها، وهناك لن تجد من يستقبلها، أو قد تحدث مشكله ما أيضاً في الطائرة، إذا أرادت شيء قد تضطر إلى محادثة الأجانب أو القيام بأمر يفترض أن يقوم به المحرم.. 

تعطل مصالح 

وعن الأثر الناجم على اشتراط وجود المحرم في السفر، يقول مدير مؤسسة بصنعاء رفض ذكر اسمه لنسوان فويس كانت تعمل لدينا فتيات في المؤسسة لكن منذ سنة تقريبا اضطررت إلى إلغاء كافة عقودهن والاستغناء عنهن تماما، وذلك بسبب مشاكل في التنقل كون عملنا في أكثر من محافظة ويتوجب تنقل الموظفين المختصين من محافظة إلى أخرى وأحيانا يكون السفر للموظفات ونجد صعوبة في سفرها، بسبب الإجراءات الجديدة المتمثلة في عدم وجود المحرم..

منوها إلى أن الكادر النسائي أكثر انضباطاُ في العمل وأكثر ثقة وإخلاص من الكادر الرجالي ..

تكلفة إضافية 

وبالعودة إلى السابق، فقد اعتادت اليمنيات السفر مع محارمهن، إلا أن ظروف الحياة تغيرت اليوم، فلم تعد المرأة مجرد ربة منزل، هي اليوم موظفة أو طالبة جامعية ما يعني أن أمر خروجها من المنزل لم يعد مقتصرا على الزيارات الاجتماعية أو المناسبات العائلية، ولكن قرار اشتراط وجود محرم في السفر أصبح يشكل عائقا أمامها.

وتعليقاً على قرار المحرم، يقول المواطن صالح أحمد -50 عاما: أنا واثق ببنتي تسافر أي مكان، كما أن لو قررت أن يسافر معها أخوها فإني سأدفع تكاليف إضافية ووضعي المادي لا يسمح، ولذلك طالما البنت ليست متخوفة من السفر أنا لا أخاف عليها، وتساءل صالح.. عن وضع المرأة التي والدها متوفي ومحارمها لا يسكنون معها بنفس المدينة كيف ستتصرف؟ 

حق التنقل

ومن منظور قانوني فيما يخص حق التنقل والسفر للمرأة، فهو أمر مكفول للجميع سواء قانوناً أو وفقا لمواثيق حقوق الإنسان ولا يصح أن تُمنع المرأة من السفر لغياب محرم، كما يوضح ذلك المحامي والمدافع عن حقوق الانسان ياسر المليكي، ويقول لنسوان فويس: اليوم العالم أصبح قرية واحدة و وسائل السفر أصبحت آمنه لا يخاف فيها  ولا سيّما في أوقات السلم، وبالتالي ليس هنالك ما يبرر تجريم سفر المرأة. 

ويضيف: برأيي المرأة إذا أرادت ألا تسافر إلا بمحرم هذا من حقها، خصوصاً إذا كانت لا تقدر على تدبير أمرها، أو أنها بحاجة لمحرم إذا كانت مريضة مثلاً، والإسلام ليس بهذا التشدد حتى يحرم سفر المرأة، كالمرأة التي تريد السفر للعلم فلا يعقل أن يكلف الإسلام على الرجل مشقة الإقامة وغيره وهو بحاجة لتعليم البنت أو الأخت.

ونوه المليكي إلى أن القوانين اليمنية مستمدة من الشريعة الإسلامية ولا يوجد في القوانين ما يمنع سفر المرأة لمفردها، وبالتالي هذا يعني أن العلماء لم يصلوا لدرجة اليقين في الاقتناع بهذه النصوص ناهيك عن أن مقاصد الشريعة هي من تحكم هذا الأمر، طالما الإسلام سكت عنها ولم يأتي بنصوص قطعية للتحريم..

وبين المليكي أن غياب نص قطعي يحرم سفر المرأة إلا بمحرم فإن هذا يخول السلطات تنظيم هذه الجزئية وفقا لإشباع رغبة الناس في هذا الأمر من أنهم بحاجة لأن تسافر المرأة دون محرم كون مقتضيات الحاجة تستدعي ذلك، والمرأة لها الحق في أن تأخذ بهذا الأمر أو تترك.

فيما يرى الدكتور هلال سند أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة العلوم والتكنولوجيا في حديثه لنسوان فويس: أن الإسلام حرص على المرأة المسلمة في جميع أحوالها، وأولاها عنايةً خاصةً تمتاز عن باقي الديانات، وكرَّمها أيضاً تكريماً؛ ومن ذلك أن حفظ لها حقوق وجعل لها أمور لم تُعطها لها شريعةٌ أخرى غير الإسلام، ومن تلك الحقوق أن جعل المرأة مصونةً في عرضها ونفسها وأمر الرجال بالاهتمام بذلك وبذل جميع الوسائل المتاحة صوناً لكرامة المرأة وآدميتها..

شروط السفر

 ولما تقتضيه طبيعة المرأة فقد جعل الإسلام لسفرها قواعد وأحكام تختلف عن سفر الرجل المجبول على الذهاب والمجيء دون ضابط، وذلك دليلٌ على أن للمرأة شأنٌ في الإسلام يفوق شأن الرجل؛ إذ جعله حارساً لها في أسفارها حامياً لها. كما يوضح ذلك سند: العلّة من تحريم سفر المرأة بدون محرم هو السفر ذاته، وليس ما يتعلق به من ظروف؛ والأولى بالمرأة ألّا تسافر بدون محرم إلا وفق شروط محددة، وهي: أن يكون السفر لحاجةٍ مُلِحَّة، أن تحصل على إذن وليّها، أن يصعب على المحرم مرافقتها، أو أنّه امتنع من ذلك وكان في ترك السفر تفويتٌ لمصلحةٍ لها، أن يكون سفرها برفقة نساء؛ كي تضمن الأمن التام، ألّا يكون السفر طويلاً أو يُخشى فيه من الإجراءات الكثيرة المعقّدة، وأن يوصلها محرم لها إلى المطار الذي ستسافر منه، ويستقبلها محرم آخر لها في المطار الذي ستصل إليه.

القانون

من جهته يؤكد المحامي زياد الدبعي على حق حرية السفر يقول لنسوان فويس: الدستور اليمني منح المواطن اليمني حق حرية التنقل في أي مكان داخل الجمهورية اليمنية -ولم يميز بين المرأة والرجل- دون أن يعترض أحد طريقه استناداً إلى نص المادة رقم (57) من الدستور اليمني وبالتالي الأصل حرية التنقل.

ويبين الدبعي أن المادة رقم (41) الفقرة 4 من القانون اليمني والتي تتحدث عن خروج المرأة من بيت زوجها بموافقة وإذن زوجها لم يشمل الفتيات غير المتزوجات والبالغات السن القانونية ما يعني حرية تنقلها وأن القرار مخالف للقانون استناداً لنص المادة (57) من الدستور.. 

ختاما

 تُحرم المرأة اليمنية من حقٍ كفله الدستور لها، وجعلته الشريعة الإسلامية متاحاً بين يديها متى أرادت استعماله كي لا تضيع حقوقها، تعميم موافقة ولي الأمر على سفر المرأة كانت متزوجة أو لا هو قرار إداري، يجوز الطعن فيه عن طريق المحكمة الإدارية بصنعاء في حال أن توفرت في الطاعن الصفة والمصلحة، ومن الحق أن يطعن فيه بموجب القانون، لكن يبقى السؤال من التي ستطعن بهذا القرار؟!!

مقالات اخرى