أمل وحيش – نسوان فويس
ما تزال كثير من القضايا التي تتعلق بحضانة الأبناء عالقة في المحاكم ولا يُبت في كثير منها بسرعة لأسباب كثيرة ،منها ما يعود لرؤية المحكمة بعدم أهلية الأم للحضانة، ومنها ما يرجع سبب التأخير لدلائل مشبوهة يقدمها ولي أمر الطفل كي يماطل في القضية متخذاً أسلوب العناد بينه وبين زوجته التي تطالب بحضانة أطفالها، وغيرها من الأسباب كثيرة.
مع أن قانون الحضانة واضح للعيان بأن الأم أولى بالحضانة كما جاء في المادة(141) من قانون الأحوال الشخصية اليمني لسنة 1992م التي تنص على أن الأم أولى بحضانة ولدها بشرط ثبوت أهليتها.
ورغم وضوح القانون إلا أن بعض الأزواج يبتدعون الحيل لحرمان الأم من أطفالها للفوز بالحضانة
أكثر من كونه شرع وقانون يلزمه بمنح الأم أحقيتها بحضانة فلذات أكبادها.
لماذا الانفصال؟
صفاء جميل أم لطفلين لينا ولؤي ، تزوجت من ابن عمتها الذي يعيش في محافظة عدن مع عائلته منذ سنوات طويلة، بينما تعيش هي وعائلتها في مدينة رداع في محافظة البيضاء، لم تكن تعرف زوجها مطلقاً كحال كثير من اليمنيات اللاتي يتزوجن دون معرفة الزوج من قبل وإنما يأتي عن طريق الأقارب في الغالب تمت الخطوبة في العام 2011 استمرت سنة كاملة بعدها تمت مراسيم الزواج، ثم انتقلت إلى العيش مع زوجها وأهله في عدن.
كان الاتفاق بين والدها وأهل زوجها هو أن تكمل دراستها الجامعية بعدن بحكم أنها كانت قد بدأت عامها الأول في رداع وتمت الموافقة على هذا الشرط من قبل أهل زوجها ، ولكن بعد الزواج لم تتمكن من التسجيل في الجامعة فقررت التسجيل في معهد حتى لا تضيع السنة كما تقول ، ولكن لم يدم الأمر طويلاً فقد بدأت المشاكل تدب خاصة بعد أن حملت بطفلها الأول ، فبدأت عمتها أم زوجها تختلق المشاكل حسب قولها على أبسط الأشياء.
يمتلك زوج صفاء محل تصوير تديره والدته، تُرك المجال لصفاء بأن تتعلم التصوير فيه لتساعدهم مقابل أجر يسير وفي حال لم يكن هناك دخل جيد لم يكن يصرف لها لكنها رضيت وتقبلت لأجل زوجها.
أصبحت صفاء أم لطفلين، وكان لابد عليها أن تعمل بشكل دائم فكانت تحاول أن توفق بين عملها في البيت، وتربية طفليها، وبين عملها في محل التصوير وما زاد معاناتها هو بعدها عن أهلها الذي استمر ست سنوات منذ أن تزوجت رغم أنها تعيش في محافظة أخرى وليس في دولة أخرى إلا أنها لم تستطع زيارتهم أو رؤيتهم بسبب انشغال زوجها الدائم وأعذاره المتكررة بحسب صفاء.
عنف جسدي ونفسي
تحملت صفاء كثيراً من أجل ولديها لينا ولؤي، تقول لمنصة نسوان: ” تحملت ضرب وإهانات منه ومن أهله وكنت أقول سهل عشان الجهال بتحمل وخلال التسع سنوات كنت رغم كل شيء ألاقيه منه ومن أهله إلا أنني أتحمل عشانه وعشان الجهال بس محد قدر هذا الشي”
تقول صفاء إن زوجها أساء معاملتها جسدياً ونفسياً وفي فترة من الفترات اشتدت حدة هذه المعاملة لدرجة قيامه بحبسها في البيت وقفل الباب من الخارج وأخذ أبنائه معه وجعلهم متمردين عليها كأم لأنها كلما حاولت أن تتدخل في تربيتهم الكل كان يعترض و يداومون على القول :” هم عيالنا مش عيالك”
بعد صبر لما يقارب تسع سنوات قررت صفاء أن تتحرر من هذه المعاملة التي تتسم بالذل والإهانة وطلبت منه إنهاء العلاقة فيما بينهما ويعطيها أطفالها، لكنه أوهمها بالموافقة و وعدها بأن يأخذها للمحكمة للفصل بينهما ،لكن ما حدث أنه تم خداعها وأخذها لبيت خالها في لحج وإبعادها عن طفليها وأصبحت في موقف لا تحسد عليه ، ومن هول الصدمة النفسية التي تعرضت لها سقطت مغشياً عليها وتم استدعاء والدها إلى عدن الذي بدوره صدم عندما رأى ابنته منهارة بعد أن وضعها بيد أخته وابنها واعتبرهم أهلاً لها ، فقدم شكوى ضد زوجها ووالده بتهمة السب والضرب والتهديد بالسلاح ، وبعد التحقيق معهم تحول الملف للنيابة ولكن للأسف لم تنتهي القضية نظراً لأن المحكمة كانت مقفله بسبب الإضراب وكل هذه الأحداث حصلت بداية العام 2021 . بعد يأسها من تحقق شيء يذكر في قضيتها عادت صفاء إلى رداع حاملة معها الخيبة والعجز عن احتضان أطفالها، اللذان لم تكن تستطع التواصل معهما أو سماع صوتيهما بل كانت تجمع اخبارهما من الجيران، دخلت على إثرها في حالة اكتئاب لشهور.
استعادة الروح
بدأت صفاء تخرج من عزلتها وتستعيد قوتها وبحثت عن عمل في مجال التصوير حتى وجدته فبدأت نفسيتها تتحسن تدريجياً ، في هذا ا لوقت كانت تجري وساطة لتعود لزوجها وطفليها ولكن بشروطهم ، لكن والدها رفض ، وبعد فترة فوجئت بورقة طلاقها تصلها في منتصف أغسطس 2021م ، الصدمة تضاعفت هنا فقد فقدت الأمل بعودة طفليها إلى حضنها. وحاولت توكيل محامية لتتكفل برفع قضية حضانة ، لكن المحكمة في عدن رفضت ذلك وطالبت بحضور صاحبة الشأن الأمر الذي صعب عليها المهمة كون السفر إلى عدن أصبح مكلف والطريق وعرة، لكنها تجاوزت كل ذلك وبدأت تعمل لتكسب مبلغاً من المال كي تستطيع رفع قضية للمطالبة بحضانة طفليها ، وفعلاً جاءت اللحظة التي تركت فيها صفاء مدينة رداع متجهة إلى محافظة عدن باحثة عن طفليها اللذين حرمت منهما منذ ما يقارب عام ، في نهاية يناير 2022 وصلت صفاء لعدن ، وباشرت برفع قضية حضانة ومن هنا بدأت معاناة جديدة في عدن كما تقول صفاء :”كنت عملت وكالة من رداع بس رفضوها عشان كذا نزلت عدن وبالبداية رفضوا القضية لأني من المناطق الشمالية وبعد ما تم توضيح ظروفي تم قبول القضية” شهرين وصفاء تسكن عند صديقة لها بعدن ولم يفصح عن شيء في المحكمة بل يتم التأجيل ومن جلسة لأخرى كما هو حال كثير من القضايا :”للآن شهرين وانا ما خرجت لأي طريق يماطلوني من يوم لا يوم مع انه الحق والقانون معي أتعبوني ورفضوا يعطوني الأولاد وإلى الآن وانا أحاول معاهم بس بدون فايدة وفي الأخير أجلوا قضيتي ل21 مارس عيد الأم الذي سيأتي وأنا محرومة منهم” وفعلاً كانت الجلسة ولكن للأسف نظراً لأنه اقترب موعد شهر رمضان المبارك تم تأجيل الجلسة إلى ما بعد انتهاء إجازة عيد الفطر.
بحرقة تدعي صفاء على من ظلمها وحرمها من أمومتها قائلة:” ماعد فيش إنسانية ولا ضمير ماتت الإنسانية عندهم وأصبحوا قادرين يحرموا أم من أولادها وكلت امري لله وحده ربنا يأخذ بحقي منهم كلهم”.
قصة صفاء هي قصة وجع لكثير من الأمهات اللاتي حرمن حقهن في الأمومة ظلماً وافتراءً، والبعض منهن تنازلن عن الحضانة لعدم قدرتهن المادية على رفع قضايا طلب حضانة أطفالهن، أو لضغوط من الأهل والمقربين. بينما استطعن أخريات نيل حقهن في الحضانة مع التزام الأب بالنفقة، في المقابل هناك من اضطرت إلى التنازل عن النفقة الملزمة للأب تجاه أولاده وتكفلت هي بأولادها مقابل بقاء أطفالها معها.