دكتورة – بلقيس محمد علوان
الريادة، الشجاعة، الإصرار، الإيمان، القضية خليط من كل ذلك وأكثر كانت رؤوفة حسن.
فهل نسميها رائدة الأزمان غير المواتية؟
في حي الطبري بصنعاء القديمة وفي أسرة علم شرعي ولدت أمة الرؤوف حسين الشرقي، وكان من الطبيعي أن يكون لتلك الأسرة المحافظة بصمتها على شخصية تلك الطفلة، إلا ان ما حدث هو العكس فقد كان لها البصمة الواضحة على أسرتها وإخوتها واخواتها وأطفالهم أيضا، كما كانت لها بصمة على كل من تعامل أو عمل معها.
من كان يشاهدها أو يتحدث إليها يدرك أنها طفلة مختلفة، لعبت كرة القدم مرتدية الشرشف، وركبت الدراجة الهوائية في أزقة صنعاء القديمة في مشهد غير مألوف ولم يكن مقبولا حتى وإن صدر من طفلة.
كان من الممكن أن تنتهي مسيرتها التعليمية لعدم وجود مدرسة بنات عند الصف الرابع الابتدائي غير أنها وزميلاتها وبقرار شخصي توجهن إلى رئاسة الوزراء مطالبات بمواصلة الدراسة وبالفعل سمح لهن بمواصلة الدراسة في مدرسة البنين.
كان تألقها في الإلقاء بشكل ملفت طريقها للانضمام لبرنامج الأطفال في إذاعة صنعاء الذي قدمه الراحل بابا عبد الرحمن مطهر، وخلال فترة وجيزة أصبحت معدة ومقدمة برامج وقارئة أخبار حدث ذلك على غير علم من أسرتها وللتخفي كان ظهورها أثيرياً باسم رؤوفة حسن الاسم الذي عرفت به حتى اللحظة، إلا أن أسرتها تقبلت عملها بعد ذلك كما تقبلت كل مشاركاتها وليس من الغريب أن نجدها الأولى والمؤسسة في الكثير والكثير من المجالات. وفي سيرتها الزاخرة نجدها إما مؤسسة أو مشاركة في التأسيس، وفي خطوط متوازية نشطت كرائدة في المجتمع المدني وعملت في الصحافة، وأكملت دراساتها العليا ما بين مصر وأمريكا وفرنسا، وعملت ضمن فرق عمل بحثية وأكاديمية وخبيرة ومحاضرة في تونس وهولندا وألمانيا، والعديد من المنظمات الدولية.
إنها سيدة كل البدايات كما أطلقت عليها الناشطة الحقوقية بلقيس اللهبي، التي وصفتها أيضا بكاسحة الألغام التي عبدت لنا طريق الحياة المدنية التي رسمت ملامحها بدقة غير مسبوقة على حد تعبير الصحفي الكبير محمد جسار، ولأنها المرأة الكثيرة جدا كما وصفها الصحفي أحمد الزرقة فسنتعرض فقط لمحطات تمثل ملامح فارقة في شخصية وسيرة الراحلة رؤوفة حسن.
معارك انتخابية متكررة
في 1993 أول انتخابات برلمانية بعد إعلان الوحدة اليمنية ترشحت الدكتورة رؤوفة حسن وهي رئيسة لقسم الإعلام حينها لعضوية مجلس النواب كمرشحة مستقلة عن دائرة صنعاء القديمة مسقط رأسها، وكونها أكاديمية وامرأة فتلك مقومات تجعل فوزها مستحق لكن، لا الجغرافيا ولا القوى الاجتماعية ولا القوى السياسية بمرشحيها كانوا يسمحون بصعود امرأة مستقلة وأن كانت تحمل الدكتوراه وصاحبة مشروع ورائدة في العمل المدني والتنموي، وهي تدرك ذلك تماماً ولكنها كعادتها تعبد الطريق وتدفع الثمن.
ومجدد رشحت نفسها لمنصب نقيب الصحفيين اليمنين في العام 2009وكان فوزها قريباً لكنه لم يحدث! فقد عملت الأحزاب وعلى رأسها حزب المؤتمر الشعبي العام على الحيلولة دون وصولها للمنصب مستخدمة كل أساليب الضغط والترهيب لها ولفريق عمل حملتها الانتخابية مبتكرين كوتا من نوع آخر تحدثت عنها في لقاء أجراه معها الراحل فوزي الكاهلي حيث قالت: إن الحصيلة النهائية للانتخابات أثبتت وجود كوتا فقط للرجال، وصار هناك كوتا جغرافية على أساسها تم اختيار واحد من المحافظات الجنوبية في الهيئة الإدارية، وكوتا أخرى حزبية، بحيث يكون الرئيس من المؤتمر والأمين العام اشتراكي، والوكيل الأول إصلاحي، حتى المناطقية دخلت في الكوتا، وكذلك جميع أنواع الكوتا غير المعلنة في الدولة هي التي تم الالتزام بها، والكوتا الوحيدة التي تم التحفظ عليها هي الكوتا الخاصة بالنساء!
392صوتا حصلت عليها في انتخابات نقابة الصحفيين 2009 وفي المقابلة نفسها تصف الطريقة التي تصرف بها الصحفيون بأنها ردة فعل من الصحفيين المهنيين سواء كانوا حزبيين أو مستقلين الذين عبروا عن غضبهم ورفضهم للتدخل السافر للأحزاب وتقول: إن ذلك يحمل ثلاثة مؤشرات: الأول بأن الحزبي الذي رشحها لم تكن إرادة حزبه هي التي فرضت عليه ذلك، والمناطقي الذي صوت لها لم تعد الجغرافيا هي قضيته، والأشخاص الذين يشعرون أنهم مستبعدون ومهمشون وصوتوا لها كان دافعهم الشعور بأن مهنتهم هي التي تربطهم مع بعضهم البعض وهي طريقهم إلى أن يصبحوا غير مهمشين، وقالت: أنا أستطيع أن أدعي بأن الـ 392 صوتا التي حصلت عليها هي أصوات إرادة حرة وجريئة وتغلبت على عنصر الخوف والتخويف، وعلى التهديدات التي تعرض لها بعضهم داخل وظائفهم، وما حصل في نقابة الصحفيين يعطيني أملا كبيرا رغم ما تخللها من إشاعات وأكاذيب ومحاولات تشويه سمعه، إلا أن الحقيقة التي ترتبط بكوني مستقلة وأعمل في خدمة المجتمع الإعلامي منذ أعرف نفسي هي التي دخلت عقول هؤلاء الزملاء الذين منحوني أصواتهم.
التكفير التهمة الجاهزة
التكفير المتكرر لرؤوفة حسن وسيلة اتخذها معارضوها في الأحزاب الدينية لتأليب المجتمع ضدها، وفي ظل تنصل السلطة عن حمايتها، وتواطؤها مع الأحزاب الأخرى بالسكوت على أقل تقدير كانت رؤوفة تتخذ حيالها خيار البعد الجغرافي الذي لم يبعدها فعلياً عن اليمن وقضايا إنسانه رجالاً ونساءً، كما لم يثنيها عن العودة متى هدأت العاصفة.
كانت المواطنة، الحقوق، الحريات، وحقوق الفئات الأضعف قضيتها الأولى بعيدا عن الانتماءات الضيقة حزبية أو مناطقية، والنهوض بالنساء والرجال على حد سواء بما تتطلب أوضاع النساء من تركيز أكبر لتجاوز الفجوة الكبيرة المبنية على النوع الاجتماعي همها الذي كرست له الجهد والبحث والعطاء.
علاقة رؤوفة حسن بمن حولها
زملاء الدراسة والمهنة، أصدقاؤها، طلابها وفريق عملها ملمح آخر لا يمكن تجاوزه وهي التي احتفظت بصداقات قوية بزملاء مقاعد الدراسة ومنهم السياسي والصحفي الكبير ورجل الأعمال وربة البيت والرائدة وأولئك المنسيين منهم ومنهن، قالت لزميلها وصديق العمر الصحفي الكبير عبد الرحمن بجاش بعد أن استدعته لمكتبها: سنبدأ بالاتصال بزملاء المدرسة، وزملاء العمل وبالأصدقاء، سنجدد علاقتنا بهم، سنسألهم عن أحوالهم وأولادهم وسننظم لقاءات نتذكر فيها أيام المدرسة والحارة والجامعة، وفعلا بدأ ذلك التواصل والتجديد، لم تكن تلغي أو تغفل أي صداقات اكتسبتها بمرور الوقت واختلاف الزمان والمكان.
كانت تجهد فريق عملها لأنه لا أحد يجاريها في الإنجاز والإنتاج الفكري، لكنهم يتمسكون ببقائهم ضمن فريق عملها لأنهم يعملون ويتعلمون ويتطورون ويتغيرون.
أما طلابها في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا فيحلو للكثيرين نعتهم بأنهم عيال رؤوفة وكلهم يفخرون بتلك التسمية، أما هي فكانت تقول الناس ينجبون أولادهم ثم يربونهم، أما أنا فأختار أولادي ثم أعلمهم وأربيهم، الغريب أن كل واحد وكل واحدة من طلابها يعتقد اعتقاداً راسخاً، أنه صاحب المكانة الأثيرة في قلبها، لأنها ظلت تتعهدهم، وتسأل عنهم، وتشاركهم نجاحاتهم وانكساراتهم، وتأخذ بيدهم حتى أيامها الأخيرة.
ظلت مستقلة لا تنتمي إلا لقضايا الإنسان، والتنمية، العلم، وانتهجت لنفسها مساراً كلفها الكثير وأبقاها بعيدا عن المناصب والوظائف العليا، لكنه اكسبها نفسها ومكانة تتسع سنة بعد أخرى في ظاهرة فريدة
رؤوفة حسن بجسدها الصغير، وابتسامتها التي لا تفارقها في كل وقت، وحركتها الدائمة وقضاياها التي شغلت حياتها القصيرة عمرا، العامرة إنجازا نعت نفسها قبل رحيلها واختارت لشهرزاد أن تسكت، لكن الواقع يقول إنها لم تسكت، ولن تسكت، ستظل سيدة البدايات، ورائدة التنوير، ولن يكفي موضوع أو عشرة أو الفاً للكتابة عنها، مما يجعل توثيق سيرتها وإنتاجها أصبح امرأ حتمياً لابد من تبنيه.
بلقيس محمد علوان