التسلط ضد المرأة.. يفتك بالأسر ويهدد بنية المجتمع

شارك المقال

تحقيق: يحيى الضبيبي

“كانت الحياة أمامي مليئة بالتفاؤل وأنا أطمح أن أكون محامية تساعد في كشف الحقائق وتحقيق العدالة، باعتبار المحاماة هي التي تحيا بها وفيها الحقيقة، وهي إحدى أوجه أسس العدالة، وعملتُ بكل الطرق على تنمية مهاراتي التي تتطلّبها المهنة بعد أن تخرّجت من الجامعة، مثل مهارات التواصل، والإقناع، والحوار الشفهي والكتابي، والتحليل، والتنظيم وغيرها، وطالما ترافعتُ ودافعت عن حقوق النساء، لكني لم أكن أعرف يوماً أني سأكون الضحية التي تبحث عن العدالة”.

بهذه الاستهلالة تبدأ المحامية “م.ح.” من أمانة العاصمة صنعاء، حديثها في روايتها لقصتها التي تتركز حول مفاهيم خاطئة لقوامة الرجل، وتقول: “لم تكن المشكلة التي واجهتها في إطار العمل، بل على العكس من ذلك، أشعر كل يوم أني ازداد حبّا للمهنة وتزداد المهنة حباً لي، لكن الإشكالية التي واجهتها كانت في إطار عائلي، أوصلتني لحالة من الإرهاق النفسي الذي عانيت منه طويلاً، قبل أن أتحرّر من القيود التي كبّلت انطلاقي لحياة أكثر إبداعاً وخدمة للمجتمع”.

وتضيف: “حين ارتبطت بالزواج، توقعت أن تكون وسيلة لتأسيس أسرة تنعم بالسعادة، يتكافل فيها الرجل والمرأة، ونحقّق معا النجاح لكلينا، لكن الأمر في الواقع كان مختلفا في ظل مفاهيم خاطئة رسّختها ذكورية المجتمع، التي فرضت سلوكيات باسم القوامة للرجل جعلت منه مستبدا، يفكر في تملّك المرأة واستعبادها”.

وتتحدث عن نوع الممارسات الخاطئة التي مارسها الرجل باسم القوامة لتسرد سلسلة طويلة من الإجراءات التي تسيطر على حياة المرأة الشخصية وتنتزع حقوقها المكفولة، فتقول: “بدأ الخلاف حول ترك المهنة الخاصة بالمحاماة بحجة المنع من الاحتكاك بالرجال في القضايا التي أترافع عنها، وتوسع ذلك لطلب عدم امتلاك رقم هاتف إلا في إطار تواصل محدود وتكون به فقط، ليس على مستوى العمل فحسب، وإنما على مستوى الأهل والأصدقاء والزملاء، ثم التسلط لمتابعة كل الجوانب الشخصية مثل الإيميلات الخاصة بالعمل، وصولاً إلى الرغبة في تقييد مستوى ما أفكر فيه، والمنع الكلي للخروج إلا في إطار محدود تحت رقابة خانقة”.

وتحت ظروف هذا التسلّط الذي فرضه الرجل على هذه المحامية والقانونية أشارت إلى محاولاتها المستمرة بالنقاش للوصول إلى قاعدة تفاهمات بحكم أن زوجها متعلم، إلا أنها كانت تفشل فيها؛ إذ يغلب على عقليته الرغبة في الاستبداد التي يبرر بها هذه التصرفات تحت سياط القوامة التي ضرب بها سعادة الأسرة، فسبب في فراقها وتشتتها بعد رحلة ارتباط دامت لعام واحد. تحت هذه المبررات الخاصة بالقوامة تقع كثير من الضحايا في المجتمع اليمني أسيرة لمفاهيم خاطئة تستدعي تسليط الضوء عليها إعلامياً وتعليمياً وأكاديمياً وثقافياً.

جدل فقهي

أخذ الحديث في قوامة الرجال على النساء جدلاً واسعاً بين الفقهاء حول مفهومه وأحكامه، وهو جدل يخرج المواضيع عن سياقها بين مؤيد ومعارض، في ظل التعصب للرأي، أو التوظيف الخاطئ للنصوص، أو الإلغاء والإقصاء، وغلب على ذلك تجاهل المفاهيم الخاطئة للقوامة التي تعود كثير منها لعادات اجتماعية خاطئة وفكر تسلطي، تكّون في إطار منظومة استبداد اجتماعي وسياسي وثقافي عاشته المجتمعات.

آلية تنظيمية

أبرز ما تناولته بعض الدراسات من مفاهيم خاطئة حول القوامة تتمثل في اتخاذ القوامة وسيلة لاستعباد المرأة وإذلالها، وسلب حرية المرأة وأهليتها وثقتها بنفسها. والقوامة في الأساس آلية تنظيمية تستلزمها هندسة المجتمع واستقرار الأوضاع، وتفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة، وترتيب العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة، وما ينتج عنها من حياة سعيدة مطمئنة، انطلاقاً من أن قوامة الزوج على زوجته قوامة رعاية لا قوامة استبداد وتسلط.

قوامة قائمة على الشورى

حين شرع الإسلام القوامة للرجل، لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة، ولا بإرادة الأسرة، ولم يرد أن تكون تلك القوامة سيفا مسلطا على المرأة، وإنما شرع القوامة القائمة على التعاون والتفاهم، والتعاطف المستمر بين الزوج وزوجته، بإجماع الفقهاء والعلماء.

ومن المفاهيم الخاطئة اعتبار القوامة سلبا لحقوق المرأة أو حطّا من كرامتها، بل هي تقدير وتشريف لها ورفعة لشأنها، وإقرار بكرامتها، فالذي خلق الرجل هو الذي خلق المرأة وهو الذي شرع القوامة، وجعل لها حكمة مميزة لتنظيم حياة الأسرة في إطار تكاملي، ولا تعني وظيفة القوامة أيضا تهميش دور المرأة ووجودها في الحياة.

 ويرى كثير من الفقهاء أن القوامة في الشريعة الإسلامية لها مدى تقف عنده، وتنتهي إليه، فهي لا تمتد إلى حرية الدين والمعتقد، فليس للزوج أن يُكره زوجته على تغير دينها إذا كانت كتابية، ولا أن يجبرها على اتباع مذهب معين، أو اجتهاد محدد من الاجتهادات الفقهية إذا كانت من أهل القبلة مادام هذا الرأي لا يعتبر بدعة مضلة، ولا يخالف الحق وأهله.

وأكدوا أيضاً أن القوامة لا تمتد إلى حرية المرأة في أموالها الخاصة، ولا في المساواة بينها والرجل في الحقوق التي شرعها الله، وأن القوامة لا تعني إلغاء شخصية المرأة، فهي منذ أن أشرقت شمس الرسالة على البشرية، تتبوأ أدواراً عظيمة في حياة الأمة، وقد جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم التقرير بأن “النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ” رواه أبو داود، وصححه الألباني.

ويقول بعض الفقهاء والمفسرين “إنَّ هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني، وإنَّما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة، وصيانتها وحمايتها”، ويؤكدون أن وجود القيّم في مؤسسة ما، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها، فقد حدَّد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله.

بين التفسير الكلاسيكي والمعاصر

تحت عنوان “القوامة في الفكر الإسلامي بين التفسير الكلاسيكي والمعاصر” تؤكد دراسة للباحث في الإعلام والعلاقات الدولية عبد اللطيف حيدر، صادرة عن المركز الديمقراطي العربي 2019، أن مسألة القوامة في الإسلام من أعقد القضايا في الفكر الإسلامي تاريخياً، والتي أخذت سجالاً واسعاً بين المفكرين في سياق نقاش مكانة المرأة وموقعها الطبيعي في الإسلام، وكيف ينظر الإسلام إلى المرأة ودورها في المجتمع.

ويبين الباحث أنه رُكز على مسألة القوامة بشكل خاص؛ ذلك أن القوامة تمثل الجذور الأساسية في التأسيس لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في الفكر الإسلامي، إذ تصبح مختلف القضايا متفرعة بطريقة أو بأخرى من قضية القوامة، وقد اتخذ فهم مسألة القوامة أوجهاً عدة بين المفكرين الإسلاميين وغير الإسلاميين، فمن ناحية اتخذت قضية القوامة ذريعة لاتهام الإسلام باضطهاد المرأة، وسلب حريتها، وجعلها عنصراً ثانوياً خاضعاً لسلطة الرجل، ومن ناحية أخرى تتجسد في مستوى الخلاف في الفكر الإسلامي نفسه في تناول مسألة “القوامة” وفهم طبيعة علاقة الرجل بالمرأة ونظرة الإسلام إليها بصورة شاملة.

محددات التأويل

يشير الباحث عبد اللطيف حيدر إلى تعدد أوجه الخلاف بين فكر يجعل من حرفية النص محدداته الأساسية في التفسير والتأويل للغاية التي يريدها الإسلام، فلا يعطي مجالاً لتفسير السياقات المختلفة للنص القرآني، وفي المقابل توجه آخر يسعى إلى البحث في مقصدية النصوص والغايات الكبرى التي يريد الإسلام تحقيقها بهذه التشريعات.

وبيّنَ أن هذا الفكر يتجه نحو دراسة كل العناصر والمتغيرات المختلفة التي تُسهم في مقاربة تفسير النص بصورة تتناسب مع متغيرات العصر، باعتبار أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، وبالتالي يجب السعي إلى فهمٍ مركبٍ ومتداخلٍ لفهم مقاصد النصوص وطبيعة الظروف التي نزلت فيها الآية، ومراعاة المتغيرات المختلفة التي يستحدثها كل زمان ومكان، باعتبارها عناصر مهمة في فهم مقاصد النصوص بصورة أكثر مرونة واستيعاب لمتغيرات حركة الزمن، وذلك من شأنه أن يحقق فهما صحيحاً لشرائع الإسلام، ويزيل حالة اللَّبس في المفاهيم التي تسببت في إساءة فهم مقاصد الإسلام وتشويهه.

وخلصت الدراسة إلى القول: “من المسَلّم به أن الفكر هو طريقة إعمال العقل في التفكير، وأن التفكير عملية متجددة باستمرار قابلة للتطور والتحول بحسب المعطيات التي تحفل بها مختلف البيئات التي يعايشها المفكر، ولذا فإننا نلحظ أن مسألة الفكر الإسلامي في قضية القوامة أخذت في التحديث والتجديد بشكل ملحوظ من جيل إلى آخر”. وأكدت أن الفكر المعاصر يمتلك رؤية تحديثية في تعاطيه مع النصوص المقدسة بطريقة تختلف عنها في الماضي البعيد.

وبحسب الدراسة من خلال استعراض تفسير آية القوامة بين التفسير الكلاسيكي والتفسير المعاصر وجود توجهات حديثة وأكثر نضجاً في فهم شمولية الإسلام والسعي لفهم الغايات الكبرى بصور أكثر عمقاً، والتي من شأنها أن تُسهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة عن مسألة القوامة وطبيعة علاقة الرجل بالمرأة من منظور شراكة وتكامل بدلاً عن مفهوم التابع والمتبوع.

ووفقاً للدراسة فإن “تحولات الفكر المعاصر في مسألة القوامة تُشير إلى تطور مهم وفاعل في الفكر الإسلامي، ومحاولات جادة في إجلاء الشبهات عن روح الشريعة الإسلامية، ودحض للتفسيرات والتأويلات الضيقة التي اجتهد بها أصحابها في ظروف زمنية معينة، وفي مستويات معرفية لا تُراعي الأبعاد المختلفة التي ترمي إليها الشريعة الإسلامية بصورة عامة، كما أنها تتسق والظروف الزمنية في تلك العصور، وبالتالي فإن هذا التطور والتحديث حالة طبيعية تُشير إلى أهمية إعادة قراءة النصوص وتفسيرها بصورة مستمرة في كل عصر بما يتوافق مع متطلبات ذلك العصر ووسائله المختلفة، وذلك من منطلق أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، وهذا ما تقتضيه سنة الله في خلقه”.

تماسك الأسرة

الأسرة هي أهم مؤسسة في المجتمع، واللبنة الأساسية التي تضمن تماسكه وتقوي لحمته، ومن أجل ذلك أولاها الإسلام عناية كبيرة دلّت عليها عدد من النصوص الشرعية التي جاءت لتضبط العلاقات بين أفراد الأسرة، وتنظم شؤونها وتحميها من كل ما من شأنه المساس باستقرارها وتماسكها وفق نظام دقيق لا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الأحوال والظروف.

هذا ما تؤكده الباحثتان فاطمة الزهراء وغلانت، وليلى سية من جامعة باتنة – الجزائر، في بحثهما الموسوم بـ “قوامة الرجل وتجلياتها على الأسرة المعاصرة والمجتمع في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية”. وأشارتا إلى أن من أهم الشبهات الواردة في هذا الصدد ما أثير حول مسألة القوامة التي قرنها البعض بالقهر والاستبداد والتسلط، متجاهلين عددا من النصوص الشرعية والمواقف النبوية التي تثبت عكس ذلك، وقد خوّل الله عز وجل للرجل مسؤولية القوامة وجعلها له حقاً وواجباً منوطاً بها، لكن الشارع الحكيم حرص على منع أي تعسف وظلم في ممارسته لمسؤوليته، إذ وضع لها ضوابط، وحدد لها لوازم تحفظ للمرأة مكانتها، وضبط القرآن الكريم معالم علاقة الرجل بالمرأة، ولم يتركها لأهواء البشر تتلاعب بها وتتخبط بشكل عشوائي.

علاقة تكامل لا تماثل

وبينت الباحثتان فاطمة الزهراء وليلى سية أن علاقة الرجل بالمرأة علاقة مساواة الشقين المتكاملين لا الندين المتماثلين، وذلك حتى تدوم سعادة الجنسين بالتكامل، ولا يحدث التنافر بسبب التماثل، فالعلاقة بينهما علاقة تكاملية وظيفية.

وأفادتا بأن هذه العلاقة التي ضُبطت في سياق الشريعة الإسلامية حرصاً على تحقيق مقصد السكن والاستقرار في مؤسسة الأسرة، فالقوامة ترجع أساساً إلى اختلاف التكوين الجسماني وطبيعة الخلقة الفطرية لكل منهما، حيث جعل الله الرجل أكثر تحملاً للمشاق والمصاعب، ومن ثم كلفه الشرع بتوفير حاجات المرأة المادية والمعنوية، ورعايتها، والنفقة عليها، والذب عنها في مختلف حالاتها وشؤونها.

والقوامة مثل أي مصطلح شرعي يُفهم في سياق الآية وبنية النص ووظيفته وبيئته وأبعاده، من أجل استنباط مقصود الشارع من وضعه، ثم بجمع النصوص التي أسست لمؤسسة الأسرة يتضح المعنى أكثر، وحتى لا يلتبس المقصد الجزئي بالمقاصد الكلية لنظام الأسرة، وهو ما يمكننا من الوصول إلى تصور سليم بعيداً عن الغلو في مفهوم القوامة، إلى جانب تكوين رؤية شاملة لهذا المفهوم بمقاصده وغايته وضوابطه ومستلزماته، وهو ما أسهبتا فيه بالتفصيل في بحثهما.

ثقافة سلوكية

يقول الكاتب والباحث “أمجد خشافة” إن “القوامة نظام مفهوم في ذاته يعمل على تحديد العلاقة بين الرجل والمرأة، أي أنه نابع من الثقافة السلوكية في المجتمع، يهدف لبناء علاقة عقلانية بينهما.

والعقلانية هنا، هو السلوك الذي يضبط حركة الأسرة بما يتوافق عليه الطرفان في شؤون الحياة، وما دام أنه اتفاق، فهذا يعني أنهما يتوصلان إلى مقاربة بينية تحفظ مصالح وكيان كل منهما من دون إلغاء الآخر، ما يعني أن ما يقابل العلاقة العقلانية هو الطغيان والاستفراد بالأسرة”.

من جانبها أشارت المحامي العام الأول القاضي “منى صالح محمد” رئيسة شعبة حقوق المرأة والطفل بمكتب النائب العام بعدن، إلى أن استثمار قوامة الرجل لفرض سلطة على النساء، موضوع يتضمن كثيرا من المعايير التي يفترض أن تكون قوام أساس العلاقة بين الرجل والمرأة.

وقالت: “إذا عدنا إلى قوامة الرجل من الناحية الشرعية وكيف تفهم بمفهومها الصحيح، وجدنا أن العلاقة هي أساسها المودة والرحمة التي أوجبتها الشريعة الإسلامية، بل ألزمت بها الطرفين كلا على حدة سواء الزوج أو الزوجة، والآية 34 من سورة النساء، توضح وتفسر كيفية قوامة الرجال على النساء، قال تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، وهي توضح بأن القوامة تعني القيام بأمر المرأة، والسهر على راحتها، والعناية بها، بما يعني أن القوامة تكليف لا تشريف”. 

وتضيف: “الإسلام كرم المرأة، وجعلها قائمة بحقوقها من باب الحق والعدل، ولكننا نجد أن مفهوم القوامة عند بعض الرجال يفهم بطريقة خاطئة خارجة عن الشرع والدين، وهناك فرق بين الحق والعدل والمساواة، فعلى سبيل المثال الإسلام أعطى مكانة مميزة للمرأة ورفع من شأنها، ولكن للأسف الشديد هناك مفاهيم خاطئة عند بعض الرجال الذين يستخدمون فرض سلطتهم المطلقة على النساء بحجة أنه قائم عليها، وهو من يأمر وينهي بأي شيء كان، بما معنى التصغير من شأنها، والتقزيم لكثير من خصوصيات المرأة والذي يفهم بمنحى سلبي مما يؤدي إلى أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة سيئة للغاية، وهذا بسبب الفهم القاصر لمعنى القوامة”.

وتتابع: “إلى جانب أن هناك خلطا بين الحق والعدل والمساواة، فالمرأة تريد مساواة مع الرجل، ونحن نقول إن الحق والعدل أن المساواة تكون وفقاً لما ورد في الشريعة الإسلامية، وأي تناقض مع ما جاء به الإسلام لا نعتد به، ونحن ندرك الفروقات الوظيفية والجسدية والعاطفية، التي ينبغي فهم القوامة في إطارها، ووفقاً للواجبات المناطة بالرجل والمرأة”.

أما “سوسن الجوفي”، باحثة وربة بيت، فترى أن القوامة هي مسؤولية تقع على عاتق الرجل تجاه التزامات متعددة منها بيت وأسرة وأطفال وزوجة، وليست بالمعنى المغلوط الذي يتداوله الكثير، والذي ارتبط مفهومه بالتسلط والاستبداد والتحكم.

وتؤكد على أهمية تصحيح المعنى أو توضيحه على الأقل لكي يتفهم الطرفان أن الشراكة بين الرجل والمرأة تقوم على علاقة تكاملية كل منهما يكمل الآخر. وتقول الجوفي: “الرجل باعتباره السند الذي تتكئ عليه الزوجة أو الأم وهي كتلة المشاعر والأحاسيس التي تغمر الأسرة بوجودها واهتمامها وواجباتها”.

وتشير إلى أن هذه المفاهيم الخاطئة في القوامة منطلقها التأويلات والتفسيرات والاجتهادات الخاطئة، ومع الانفتاح المعلوماتي عبر الميديا انتشرت وتوسعت، وكل يضيف ويحذف حسب قناعاته واتجاهاته وتأويلاته الخاصة، وتلفت إلى أن استغلال المصطلح، خصوصا في الأسر محدودة التعليم، يفرز كثيرا من المشاكل ويؤثر على تنشئة الأجيال بالنمط نفسه، والمأساة تتكرر في أمثلة كثيرة في المجتمع، والنتيجة أسرة متصارعة مفككة يسودها الاضطهاد والظلم.

يوافقهم الرأي الناشط النقابي والمدرب في مجال نهج النتائج السريعة والمشاركة المدنية، ياسر الصلوي، الذي يقول: “هناك تسلط من نوع ما يمارسه الرجال في مجتمعاتنا انطلاقاً من فهم خاطئ أو قاصر لمفهوم قوامة الرجل تخالف المراد من الآية الكريمة التي تناولت القوامة”، ويضيف: “يعود الفهم الخاطئ لجوانب متعدّدة منها المرجعية الدينية والفهم القاصر للنصوص، أو لثقافة اجتماعية من خلال التأثر بسلوكيات وعادات اجتماعية يفرضها المجتمع، وهو ما نلاحظه في كثير من القصص التي نسمع عنها ونعايشها، خصوصا في الأسر التي تسودها الأمية والفقر”.

فيما تشير الباحثة في سلك الدكتوراه في مجال القانون ومسؤولة الفريق الاستشاري في منصة “أصوات نساء يمنيات” “منية ثابت” إلى أن الالتباس في مفهوم القوامة ترتب عليه تسلط واستبداد وظلم يطال المرأة. وتقول: “هناك كثير من الأمثلة الواقعية في مجتمعنا اليمني، سلبت المرأة حريتها وقرارها، وتسببت في تنامي العنف ضد المرأة، والحيلولة دون تمكنها من المشاركة الفاعلة في المجتمع، ومن نيل حقوقها المكفولة”.

وتبين أن القوامة الزوجية هي ولاية الزوج على زوجته، ويقوم بموجب هذه الولاية على ما يصلح شأنها بالتدبير والصيانة. وتؤكد أن قوامة الزوج على زوجته هي تكليف له، وتشريف للزوجة، إذ يستوجب عليه رعايتها؛ لأنه ارتبط بها برباط شرعيّ، واستحل الاستمتاع بها بعقد وصفه سبحانه وتعالى بميثاقٍ غليظ.

ومن هنا فإن القوامة تشريفٌ للزوجة وتكريمٌ لها بأن جعلها تحت قيّمٍ يُدبر ويرعى شؤونها، ويراعي مصالحها، ويبذل الأسباب لحصولها على الطمأنينة والسعادة، وهذا عكس المفهوم الخاطئ لدى بعض النساء بأنّ القوامة تسلّط، وقهر للمرأة، وإلغاءٌ لشخصيتها، كما أنها مسؤولية على الرجل تستوجب مراعاة ضوابطها ومقوماتها لتكوين أسر مستقرة وبناء مجتمعات متماسكة.

إساءة استعمال القوامة

تشير عدد من الدراسات إلى صور من إساءة استعمال القوامة، ومنها على سبيل المثال، تعرض 20 إلى 60% من النساء في الدول النامية للضرب داخل الأسرة. وبحسب دراسة للبنك الدولي، يرتبط العنف الأسري في اليمن بخروج المرأة عن الأدوار التقليدية المرسومة لها، إذ ذكر 37% من أفراد العينة أنهم مع ضرب المرأة في حال لم تسلّم بالأوامر. كما يستخدم نافذون سياسيون العنف والتشهير والتحرش سلاحاً ضد النساء الطامحات إلى المشاركة العامة وفق منظمة سيفرورلد.

الإسلام كرم المرأة

تؤكد القاضي منى صالح محمد أن الإشكالية لا تكمن في الشريعة الإسلامية، بل في الفهم الخاطئ للنصوص. وتقول: “إذا نظرنا إلى حال المرأة الغربية فهي ما زالت تتعرض للظلم، وما زالت تطالب بالمساواة، رغم ما وصل إليه الغرب من تطور وتقدم، ونحن في المجتمع الإسلامي إذا ما أدركنا حقيقة ما ورد في ديننا الإسلامي من رفعة وتكريم للمرأة وحفظ وصون المجتمع في إطار استقرار وأمان، سندرك أن ذلك يُسهم في تكريم المرأة إذا ما فُهمت النصوص في سياقها الصحيح”.

وتضيف: “نريد توضيح جزئية مهمة، لأن القوامة والولاية مركب تقاد به الأسر، وهو مبدأ حق وعدل، مع التأكيد على أن الأصل في العوائل الستر، وليس القفز إلى الفضاء دون استنفاذ الحلول قبلها، وهناك من الرجال من يسيء استخدام القوامة بفعل ثقافات وعادات اجتماعية خاطئة تدفع البعض للتعامل مع المرأة كملكية خاصة للرجل”.

وأكدت ضرورة قيام المجتمع المدني والخطباء والمرشدين ووسائل الإعلام بدورها في التوعية بحقيقة هذه المفاهيم والواجبات المناطة بالرجل والمرأة. وأشارت إلى أن التعامل السيء مع المرأة يترتب عليه تأثيرات نفسية سلبية تؤثر على المرأة في جوانب متعددة، مثل التعنيف الذي له مؤثرات نفسية وحسية ومعنوية ويؤدي إلى علاقة سيئة بين المرأة والرجل وعيش حالة من الهدم في إطار الأسرة بجميع زواياها.

وقالت: “القوامة في الأساس تتفق مع قيادة الرجل للأسرة، وتكليفه بهذه القوامة والسياسة والرعاية والمسؤولية لحكمة عظيمة، والمرأة بطبيعتها لا تحب الرجل الضعيف الذي لا يكون صاحب قرار، ولا الرجل المتسلط الظالم”. وتضيف: “هناك من النساء للأسف يعتقدن بأن القوامة مرتبطة بالإنفاق فقط، وهو خطأ، فالقوامة في جميع الجوانب المتعلقة بالرعاية والحماية، ويجب فهم مقاصدها من جميع الجوانب سواء من الرجال أو النساء، لتعيش الأسر في إطار من السعادة والاطمئنان”.

ووفقاً للقاضية منى صالح محمد يجب أن لا تفرّط المرأة في حقوقها المكفولة في الشريعة الإسلامية، لأن اختيار الرجل لقيادة الأسرة تكليف لا تشريف، والقوامة فيها تشريف للمرأة أيضاً وحفاظ على حقوقها، وهو ما يستدعي وضع الموازين الصحيحة للمفاهيم التي تبني علاقة إيجابية بين الرجل والمرأة، بفهم صحيح لمعنى القوامة من الناحية الشرعية.

وأكدت أن على الرجل أن يعي أن الله عندما جعل له القوامة إنما ذلك لحكمة إلهية جعلته قائما أو قيما على المرأة؛ بأن يكون هو الآخذ بزمام الأمور، ويكون الموجه للأسرة في إطار تشاوري، وعلى الرجل أن يعي أن هذا التشريف يقوم عليه التكليف والمسؤولية، وليس الاستبداد والعنجهية والغطرسة وفرض السيطرة المطلقة على المرأة، ولا بد أن يكون القوام به من الحق والعدل وفقاً لما تقتضيه الشريعة الإسلامية في إطار الحقوق والواجبات للرجل والمرأة.

مفهوم القوامة عند النساء

تشير الصحفية ميمونة عبد الله منصة “نسوان فويس” إلى أن مفهوم القوامة عند كثير من النساء أن الرجل هو من يتحكم ويدير شؤون المرأة ويهتم بكيفية إدارة حياتها وكلمته هي الفصل، فتخضع له من دون مناقشة، معتقدة بذلك أنها إن جادلته لتنفيذ طلب ما أو السماح لها بالخروج للدراسة أو للزيارة فإنها تتخطى الحدود وتعصي زوجها، بينما لو تدرك المعنى الحقيقي للقوامة، فلن تقلص خيارات حياتها أو حتى ترضى بقليل من المتاحات.

وتقول: “قابلت بعض هذه النماذج من النساء، تتحدث حول هذا الموضوع وهي تشعر بشيء من الفخر أنها تعيش تحت جناح زوجها على هذا النمط، وأن استقرار الزواج مقرون بطاعة الزوج”.

السلطة المطلقة 

تضيف ميمونة عبد الله: “القوامة مفهوم حوله كثير من الجدل، واتفق المفسرون لنصوص القرآن التي تحدثت عن القوامة بأنها قائمة على أن يتكفل الزوج برعاية المرأة وحمايتها، والإنفاق عليها. هذا يعني أن السلطة ليست مطلقة، ولكن الرجل يستغل جهل المرأة، إن لم يكن هو أيضاً جاهلا بحقيقة القوامة، فيفرض قوانين وأوامر تحد من فرص المرأة في ممارسة أنشطة حياتها ويوهمها أن مخالفتها له تعني خروجها عن الشريعة”.

وهذا المفهوم يؤكده ياسر الصلوي أيضاً، ويشير إلى أن المقصود من قوامة الرجال على النساء ليس الاستبداد والإجحاف والعدوان بحق الزوجة، بل المقصود هو أن تكون القيادة واحدة ومنظمة مع أخذ مبدأ الشورى والتشاور في أمور الحياة، ويلفت إلى أنه حين يُلوى عنق معنى القوامة، فإنه بذلك يفرز تشويهاً للدين في غير موضعه.

منطلقات عصرية

يتحدث الباحث أمجد خشافة حول العقلية اليمنية السائدة في تعاطيها مع مفهوم القوامة بالقول: “الحقيقة أن العقل السائد في اليمن لا يُمارِس القوامة من منطلقات معرفية عصرية واعية بهذا المفهوم، ولكن من منطلقات (معرفة لاشعورية) إذا جاز استعماله وفقاً للمفكر محمد الجابري، أي ما تبقى من المعرفة التي اكتسبها من السلوك الاجتماعي المتراكم من تاريخ الثقافة العربية القديمة”.

ويضيف: “مثلاً كانت العرب تعيش في نظام اجتماعي يتسم بالصراعات البينية، وفي بيئة صحراوية، الأمر الذي جعل الرجل المسؤول المباشر عن حماية المرأة من الاعتداءات، فالمرأة بطبيعتها البشرية أكثر ضعفاً وأقل قدرة على حماية نفسها”.

ويتابع: “هذه البيئة هي التي شكلت أحد مرتكزات ضبطت علاقة الرجل بالمرأة، أي الحماية، لكن الإسلام جاء وأذاب الصراعات والثارات القبلية، وقدّم نظاما تشريعيا يحمي الإنسان سواء أكان ذكراً أم أنثى، إضافة إلى ضبط العلاقة بينهما، لكن مع تقادم التاريخ بدأت بعض التجمعات والقبائل العربية تبتعد عن النظام التشريعي الضابط لقوامة الرجل، وعاد يمارس القوامة بمزيج من المعرفة اللاشعورية القبلية؛ ومن بعض التشريعات الإسلامية”.

ووفقاً للباحث خشافة، لم يعد الرجل يمارس وأد المرأة ودفنها حية، كما كان قبل الإسلام، لكن واجب الحماية لديه تجاه المرأة تحول إلى سلوك مبالغ فيه، يَعتبر المرأة ضعيفة في كيانها جسماً وعقلاً، وبالتالي تكون النتيجة اختلال في نظام الأسرة.

ويقول: “بطبيعة الحال لا يمكن تعميم هذا النموذج من الرجل في المجتمع اليمني، ولكن يمكن القول إنه يمارس بشكل متفاوت هذا النوع من القوامة بـ(معرفة لا شعورية) مما تبقى من ترسبات الثقافة العربية القديمة، واليمن جزء أصيل منها”.

أسر مختلة

ويؤكد الباحث خشافة: “تكمن خطورة ممارسة القوامة بهذا السلوك التقليدي، بكونه يصنع أسرة مختلة ثقافياً، وغير متزنة في الحقوق والواجبات، الأمر الذي ينتج عنه مجتمع ليس لديه فاعلية، لأن الأسرة هي البناء الأول للمجتمع يتأثر إيجاباً أو سلباً بها”.

أما الصحفية ميمونة عبد الله فترى أن من الصعوبة تحديد المخاطر التي تترتب على الفهم الخاطئ للقوامة وتبرير التسلط، إلا أن كثيرا من الأخبار التي تُتداول على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بجرائم الشرف والعنف ضد المرأة تعطينا صورة واضحة لحجم الكارثة في ممارسة القوامة بالشكل اللاإنساني الذي يتسم بالاستبداد، وهذا ينعكس على الأسرة وسلوكها المتبع في تعامله مع المرأة، وتكوين صورة نمطية عن المرأة تعطي انطباع بعدم أهليتها في امتلاك أمرها وصنع قرارها.

وتقول: “الآثار المترتبة على تطبيق المفاهيم الخاطئة قد تمتد لأبعد من سلب المرأة حريتها وثقتها، إلى حد أن يقل ظهور المرأة في مختلف ميادين العمل، وربما تقلد المناصب السياسية، والسؤال الذي يضع نفسه هنا: كم هي نسبة النساء ذوات الكفاءة العالية والمؤهلات للحصول على مناصب مرموقة ومؤثرة في مجال السياسة أو التجارة أو الإعلام أو غير ذلك ومنعت من خوض أي تجربة في أي مجال فقط بسبب سلطة الرجل؟ وهذا بُعد آخر وعميق يحتاج إلى وقفة حقيقية وجادة للبحث حوله”.

ثقافة اجتماعية 

ينشأ مفهوم التسلط في إطار منظومة متكاملة من الثقافة التي تبدأ بالأسرة، فالمدرسة، ثم المجتمع المحيط، وصولاً إلى الممارسة السياسية. وهذا يؤكد ضرورة تعزيز دور المرأة وحمايتها من الاستبداد، والذي ينبغي أن يكون على مستوى الأسرة، ليكون لها القدرة في صنع القرار داخل الأسرة أولاً، فالمجتمع الذي لا يراعي موضوع التمييز منذ الطفولة المبكرة بين الجنسين، ينتج مجتمعاً مشوهاً.

ولذلك تبرز أهمية نشر ثقافة النوع الاجتماعي، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرأة التي يجعلها قادرة على المواجهة وتحمل الضغوطات، ويجعلها قادرة على رفض الظلم والاستبداد الذي يخرج الحياة الأسرية عن نطاق الاستقرار والسعادة.

يضاف إلى ذلك أهمية التشجيع للمرأة لتعزيز ثقتها بنفسها بقناعة ذاتية، لا بنتاج تلقين، ليدفعها ذلك لحماية حقوقها، وبناء جيل نسوي قادر على الحضور والتأثير المجتمعي.

نصوص قانونية تمييزية

فيما يخص القانون اليمني تبين القاضي منى صالح محمد أن الدستور هو القاعدة القانونية العامة التي تنظم الأسس ومنها تأتي القوانين الفرعية، وفي الدستور اليمني هناك مساواة بين المرأة والرجل فيما يخص الحقوق والواجبات والذي أشار في نص المادة الثانية إلى أن الإسلام دين الدولة، كما حدد في مادة أخرى أن الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، وهو لفظ يشمل الرجل والمرأة في جميع الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

إلى جانب المادة (30) التي تنص على أن الدولة تحمي الأمومة والطفولة وترعى النــشء والشبــاب، والمادة (31) التي تنص على أن النساء شقائق الرجـال، ولهن من الحقوق وعليـهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينـص عليـه القانـون، ولكن هذه القواعد القانونية العامة يتبعها قوانين خاصة تصدرها الدولة، وهي نصوص تقيد النصوص العامة.

وتقول: “مثلاً قانون الأحوال الشخصية أشار في بعض مواده إلى ما يتضمن حماية  لحق الزوجة، رغم أن بعض النساء ترى فيه تقييدا لها، إلا أن بعض النصوص بحاجة إلى تعديل بما يخدم حقوق المرأة وفقاً للمعطيات والظروف الراهنة، بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ومن تلك النصوص، حق التعويض للمرأة من الطلاق التعسفي الذي لا مبرر شرعي له، والذي يترك أثرا نفسياً سيئاً وعميقاً، وكأن المرأة تعيش جارية، متى شاء احتفظ بها ومتى شاء طلقها من دون محاسبته وإلزامه بالتعويض، وكذا الحضانة للأم عند التخيير للفتاة بعمر الثانية عشرة والولد بعمر تسع سنوات من دون وجود مبرر شرعي لذلك”.

وتضيف: “هناك كثير من النصوص القانونية في قانون الأحوال الشخصية بحاجة إلى تعديل صياغتها منها على سبيل المثال المواد (6، 7، 15، 23، 71، 156)، وكذلك ما جاء في قانون العقوبات رقم 12 لعام 1994، مثل المادة 41 المتعلقة بدية المرأة، والمادة 232 الخاصة بقتل المرأة في حال تلبسها بالزنا، وغيرها”.

وتؤكد القاضي منى صالح محمد أنه يجب على المشرع اليمني تعديل النصوص التي بها من التعسف والظلم ما يمتهن المرأة، ويحقر من كيانها ووجودها، وهي بالأساس كيان المجتمع كله.

تؤكد ذلك أيضاً الباحثة في سلك الدكتوراه في مجال القانون “منية ثابت”، التي أشارت إلى أن قانون الأحوال الشخصية يتضمن قوانين تمييزية ضد المرأة. وقالت: “هناك كثير من النصوص القانونية تحتاج إلى تعديل، وخلال الفترة الماضية وقع تداول بعض النصوص الشرعية الخاصة بوضع المرأة عن طريق الأزهر الشريف، وحصل تغيير كبير وتفسير موسع، مثل السفر بدون محرم، والعمل، وحكم الضرب، وعُدّل ما يقارب نحو عشرة نصوص في قانون الأحوال الشخصية، ونحن في اليمن بحاجة لرؤية مماثلة للنصوص القانونية، وتسليط الضوء عليها، خصوصا أن الجانب الديني فُسّر بطريقة أدت إلى تضييق الخناق على المرأة، وانعكس ذلك على القوانين ضد المرأة”.

وأضافت: “كما أن المجتمع اليمني الذكوري وسيطرة الرجل، تقلص فرص المرأة ونيلها حقوقها، فالمجتمع لا يراعي مصلحة المرأة، ولم تشترك المرأة في صياغة القوانين، وهناك قصور كبير في التفسيرات الفقهية أو القانونية التي تجاري العصر، ليس فقط في قانون الأحوال الشخصية، بل كثير من القوانين لا تراعي حقوق المرأة، وتستوجب إعادة النظر في نصوصها بما يتواءم مع التطورات الاجتماعية والنضج الفكري والحضاري”.

تغيير ثقافي

يمثل التوافق الأسري الناتج عن انسجام الشريكين في إطار علاقة تكاملية بينهما، قائمة على التعاون والتفاهم، والتعاطف المستمر، منطلقاً لتوزيع الأدوار بموضوعية وبقراءة متوازنة للقدرات الوظيفية التي يتمتع بها كل من الرجل والمرأة، مع خلق مناخات آمنة لتكامل هذه الأدوار التي تحقق المواطنة الكاملة بمفاهيمها الواسعة.

ومن هنا تأتي أهمية إعادة تشكيل الوعي، وتحرير الفكر من الثقافات المتخلفة التي نشأت في بيئات استبدادية، رسّخت ثقافة التمييز، وعززت الفصل الجنسي للكيان الاجتماعي، وفرضت منطق التابع والمتبوع، الذي بدت فيه العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل نِدّي من خلال جعل القضية صراعاً بين الجنسين، ترتب عليها ممارسات استبدادية وتسلطية انعكست بآثارها السلبية على بنية وتركيبة المجتمعات، والعجز عن التطور والنماء والتجديد، واستيعاب متغيرات حركة الزمن.

* أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.

مقالات اخرى