سلام شرقي – نسوان فويس
“اضطرتني ظروف الحرب في الحديدة إلى النزوح وترك المنزل، بعد حياة لم تكن هانئة، إذ توفي أخي وأبي قبل ذلك، لكنني لم أتوقف عن الأمل”.
تعيش (سامية) في أحد أرياف محافظة الحديدة غرب اليمن، وظلت لسنوات تقضي يومها وفق روتين أغلب العائلات هناك، المرتكز على جلب الماء والحطب، وتحضير الوجبات كونها الإبنة الوحيدة لأسرة صغيرة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء .
ولأن غالبية الأسر اليمنية وخاصة في الريف توكل المهام المنزلية إلى البنات، فقد تحملت سامية أعباءً جعلتها تعيش وضع استثنائي لها و لأسرتها، خاصة بعد وفاة والدها وأحد إخوتها، بينما الأخ الآخر يعاني من إعاقة ويحتاج لرعاية أكثر قامت بها سامية دون كلل.
انقطعت سامية عن التعليم، بسبب الظروف القاسية التي عاشتها أسرتها، والتي اضطرتها لترك التعليم رغم رغبتها في الاستمرار، وتسجيلها درجات ممتازة.
وفي منزل ريفي لاتتوفر فيه الخدمات الأساسية للحياة، ومنها الماء والكهرباء والغاز، ناهيك عن الانترنت، ومعظمها كانت متوفرة إلى أن اندلعت الحرب أصبحت سامية وفتيات المنطقة يذهبن لجلب الحطب والماء من المناطق المجاورة.
ولأن الحياة التقليدية تعتمد على الجهد العضلي تقول سامية أن الأعمال اليومية التي يجب أن تقوم بها كثيرة وتؤثر على صحتها وقد سببت لها الكثير من الآلام، لكن لابديل ولا مفر.
تقول: يعتمد عليّ أخي الذي يعاني إعاقة جعلته غير قادر على الحركة، أقف إلى جانبه في البيت، وأحمله على ظهري وأذهب معه لزيارة أهلنا الذين يسكنون قرب منزلنا، وأحرص على ذلك حتى لا يظل أخي حبيس المنزل أو يشعر بأنه عاجز.
مآسي النزوح
لسنوات كانت أسرة سامية تقوم بواجباتها، وهي تذهب لمدرستها، وتعود لمنزلها لتساعد أمها في مهام بسيطة، لكن حياتها تغيرت بعد وفاة الأخ الأكبر، تأثر الأب كثيراً وبدأت صحته تتدهور، كان حينها يساعد سامية في تلبية احتياجات أخيها الذي يعاني الإعاقة، لكن تلك الفترة لم تدم كثيراً إذ توفي الأب في 2018.
في ذلك العام بدأت العمليات العسكرية الميدانية في محافظة الحديدة، والتي أجبرت أكثر من مليون مدني معظمهم من النساء والأطفال، على مغادرة المحافظة، وفق تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في يناير2019.
تقول سامية إنها نزحت نحو 50 كم، لتستقر إلى جانب مئات الأسر في مديرية باجل، التي تبعد نسبياً عن مناطق الاشتباكات، وشهدت حركة نزوح واسعة من أولئك الذين لم يتمكنوا من مغادرة المحافظة إلى محافظات أخرى.
من رحم المعاناة
لم تكن فترة النزوح هادئة، لكن سامية استثمرت خروجها من الريف، والتحقت بدورات في الخياطة، لتحترف مهنة، وتصنع من معاناة النزوح أملاً أكبر في الحياة
عايشت فترة النزوح التي كانت مايقارب العام، مارست مهنة الخياطة، فبعد الدورات التدريبية تقول سامية إنها كانت تزور النساء المجاورات اللواتي يمتلكن مكائن خياطة للتطبيق عندهن حتى تمرست على ذلك.
بدأت سامية تستقل واستفادت من مساعدة إحدى المنظمات لتشتري مكينة وتعمل بالخياطة وبيع الملابس في باجل، وعندما عادت لمنزلها كانت قد حددت وجهتها بالتمسك بمشروعها البسيط، واستمرت فيه، ونقل معرفتها للفتيات من حولها.
تكافح فتاة الريف سامية من أجل مستقبل أفضل لها ولأسرتها، رغم أن جغرافيا الريف التهامي محرومة من أبسط الخدمات التي يمكن أن تساعد سامية ومثيلاتها من الفتيات على إكمال تعليمهن، وكسر قواعد المجتمع وتحديات الحياة.