نسوان فويس _ امل وحيش
حرب موجعة
الحرب لا تأتي إلا بمزيد من الألم ويزداد هذا الألم حين تصارع الحياة لأجل توفير لقمة عيش لك ولمن تعيلهم.
الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من 7سنوات أتت عل أحلام وطموحات الجميع بل وسرقت واقعاً كان جميلاً ولو نسبياً للكثير من اليمنيين ولا شك أن أشد من عانى ويلات الحرب هم النازحين من مختلف مناطق اليمن وتحديداً نازحي الحديدة الذين يعانون الأمرين منذ أمد، معاناة التهميش والإقصاء، ومعاناة تهجيرهم من بيوتهم بسبب الحرب.وفي ظل ما خلفته الحرب من أوجاع تظل المرأة هي المتصدرة قائمة الصمود في الأسرة وهي العمود الذي يتكئ عليه أفراد الأسرة إما بسبب فقد المعيل الوحيد في المعارك أو بسبب فقدانه لعمله بسبب الحرب الأمر الذي اضطر كثيراً من النساء اليمنيات إلى تحمل أعباء إضافية على كاهلهن. من هؤلاء النسوة النازحة نادية أبو بكر حسن دحروش المعروفة بأم علوي بعمر يقارب الخمسين عاماً، أم لولدين وأربع بنات، نزحت هي وعائلتها من محافظة الحديدة بسبب القصف والنزاعات المسلحة بين طرفي الحرب.
نادية كانت تعتمد هي وأفراد أسرتها على المعيل الوحيد لهم وهو زوجها الذي كان يعمل مع أشقائه في مطعم خاص بهم في الحديدة وكانت أوضاعهم المادية مستقرة ولكن إرادة الحرب شاءت أن يخسر رب الأسرة مصدر رزقه الوحيد الذي يعول منه زوجته وأبنائه ليصبح بلا عمل ولا مأوى بعد تراكم الديون عليه.
كفاح في زمن الحرب
عانت نادية كثيراً كغيرها من آثار الحرب التي أنهكت الجميع ، عملت في أشغال عدة لتساعد زوجها منها الأشغال اليدوية بمختلف أنواعها ،وخياطة الأرواب والتطريز وغيرها حتى استقرت أخيراً على مشروع أم علوي للحلويات والمعجنات الذي بدأته وهي ماتزال في الحديدة بداية الحرب عل اليمن قبل حوالي7سنوات وقبل أن تستسلم لفكرة النزوح منذ البداية ، فكرت أن تنشئ كشك لبيع منتجاتها التي تصنعها في المنزل تحت مسمى حلويات ومعجنات ريتاج ،لكن لم يصمد طويلاً المشروع فقد حالت الحرب والقصف المستمر على مدينة الحديدة دون استمراره. كانت معلقة كل آمالها على هذا المشروع الصغير الذي ولد من رحم الحرب عله يسهم في درء أوجاع تعانيها أسرتها وأطفالها لكن كان للقدر حديث آخر .
ساءت الأوضاع المالية ما اضطر أم علوي لبيع كل أثاث بيتها وهي في الحديدة لكي تُبقي على أفراد أسرتها على قيد الحياة، وبعد تقطع كل السبل بها وبزوجها للبقاء في المكان الذي اعتادوا عليه منذ زمن طويل ، قررت نادية وأفراد عائلتها الهروب من جحيم الحرب والحصول على ملاذ آمن في مكان آخر فكانت العاصمة صنعاء هي الوجهة للفرار.
ماذا بعد النزوح؟
بعد استقرارها في صنعاء قبل أربع سنوات من النزوح من محافظة الحديدة استأجرت نادية منزلاً لها ولعائلتها في منطقة حزيز بالعاصمة صنعاء ،تقطن نادية مع زوجها وأبنائها الستة في بيت مكون من أربع غرف ومعها والديها المسنين الذين يعانيان أمراض صحية، فوالدها أصيب بجلطة أقعدته ووالدتها عملت عملية قلب مفتوح، بالإضافة لأخيها وزوجته وابنه ليصبح عدد الأفراد الذين يسكنون في البيت 13فرداً.
استقرت نادية هي وعائلتها في بيت لا يكفي أفراد العائلة جميعهم لكنها ترى أنه أهون من أصوات الصواريخ والرصاص في الحديدة والسعة في القلوب حسب قولها.
ازدادت الضغوط على أم علوي خاصة وأن لديها أبناء يدرسون في المدرسة والجامعة ولا تريد أن تحرمهم حقهم في التعليم، عملت مع إحدى السيدات لتساعدها في صناعة بعض المأكولات والحلويات لمحلها ولكن الأمر لم يطول.
هموم متراكمة
تراكمت الهموم على نادية التي لم تعد تذق طعم النوم فهي محملة بعبء كبير وتكاد لا تنام وهي تفكر كيف ستؤمن لأبنائها مصاريف الجامعة والمدرسة ومن أين ستسدد إيجار رب البيت الذي إن صبر عليها شهر فلن يصبر لشهر آخر؟بل والأهم في نظرها هي وجبة الطعام التي قد تكتفي بوجبة واحدة في أوقات كثيرة هي وأفراد عائلتها لقلة حيلتها فجل تفكيرها ماهي الوجبة التي سيتم تأمينها لسد رمق يومهم؟! فزوجها يحاول جاهداً إيجاد عمل ثابت لكنه لا يجد فهو يعاني من أمراض عدة نظراً لأن سنه لم يعد يقوى على الأعمال الشاقة.
ضغوط كثيرة ووضع مالي سيء جعل نادية تفكر في الشيء الذي يمكن أن يساعدها هي وأسرتها على البقاء والاستمرار في ظل هذه الظروف المأساوية التي يعيشها شعب بأكمله. وبعد تفكير طويل ومشورة المقربين قررت أن تستغل موهبتها في صناعة الحلويات والمعجنات وتعيد تفعيل مشروعها السابق الذي بدأته قبل النزوح وعلى الرغم من قساوة الظروف التي تعيشها فهي لا تملك ثمن متطلبات البدء بالعمل لكنها قررت أن تبدأ من جديد وأن تستدين رغم مرارة الدين إلا أنها تدرك أن اليدايات تحتاج إلى مغامرة وقلب قوي كي يصل المرء لما يصبو إليه.
عودة بعد انقطاع
عادت نادية من جديد لتشعل فتيل الحلم الذي سيضيء لنفسها وأهلها الطريق،فباشرت العمل في المجال الذي تحبه وتجيده أكثر من غيره .بدأت بصناعة المعجنات والتورت لمن يطلب منها وأطلقت على مشروعها حلويات ومعجنات ريتاج الذي يحمل اسم حفيدتها، وكي يصل مشروعها كان لابد من الترويج له من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الذي ساعد في إظهار منتجاتها المنزلية كي تجد طريقها صوب المعنيين الذين يهتمون بإقامة المناسبات والفعاليات المختلفة على الصعيد الشخصي أو العام.
أنشأت نادية صفحتها على الفيسبوك باسم أم علوي للحلويات وتقوم بنشر بعض من منتجاتها والطلبيات التي تصنعها بمساعدة بناتها وأخواتها للزبائن من معجنات وحلويات وغيرها.
فرحة ناقصة تنتظر الاكتمال
رغم فرحة العودة للمجال الذي يعشقه المرء إلا أن الفرحة غالباً لا تكتمل كما هو حال نادية أم علوي
فالعجز عن تلبية طلبات الناس يكمن في قلة الإمكانيات والظروف المادية التي تعيشها نادية وأسرتها وعدم وجود داعم يساهم في جعل المشروع مستمر.
تصرف نادية من عائد هذا المشروع الغير مكتمل على والديها المسنين وأبنائها في المدرسة والجامعة. هذا المشروع الصغير يمثل لنادية وأسرتها طوق النجاة للاستقرار النفسي قبل المادي فالحياة وطلباتها منهكة والحرب تستنزف طاقات الناس وتجعلهم مكبلين لاحول لهم ولاقوه.
نادية قصة من مئات القصص التي لها حلم تسعى لبلوغه، لكن الظروف المادية السيئة هي من تقف حائلاً بين تحقيق تلك الأحلام في كثير من القصص ،ولذا فإن نادية لا تريد لهذا الحلم أن يدفن فهي تأمل أن تجد سبيلاً لتوسيع مشروعها عن طريق جهة داعمة من خلال إكمال البنية التحتية لمطبخها الذي ينقصه الكثير كي تستمر في دعم ومساندة عائلتها الكبيرة وعلى قدر صبرها كما تقول لديها ثقة بأن مشروعها سينهض وأنها ستجد من يقدر تعبها ويساندها ويجبر بخاطرها.