نسوان فويس- مروى العريقي
عملت سلوى الساري (31 عاماً) في مجال الإعلام مقدمة برامج وتوقف عملها بتوقف القنوات بعد الحرب التي تخوضها البلاد منذُ سبع سنوات، ورفضت سلوى الانخراط تحت أي طرف من أطراف الصراع في بلدها، الأمر الذي جعلها تدفع ثمن موقفها ذاك باهضاً، فلم تكن الحياة وردية بالنسبة لها إذ تقول لنسوان فويس: “مررت بظروف سيئة، أٌصبت أنا وثلاثة من أطفالي بسوء تغذيه، ومات أحد أبنائي بسبب عدم قدرتي على الدفع للمستشفى، حتى أن القبر دفع قيمته فاعل خير”..
قبل أن تعمل سلوى كمتطوعة في مجال الصحة كانت بحاجه إلى انتشال: “كنت اخرج من بيتي الساعة ٧ صباحاً واسارب في طوابير توزيع الخبز الخيري وما في معي كرت استلام، انتظر يستلموا كل المسجلين ليوزع ما تبقى على من ليس لديهم كروت ٤ ساعات انتظر واحصل على ٤ كدم واطفالي بالبيت يتصورون جوع… تصمت والدمع يملئ مقلتيها ثم تطلب التوقف: “ممكن أسكر الموضوع.. اتألم بقوه كلما تذكرت ما كنا نمر فيه..”
ناشدت سوى وزوجها جميع معارفهما عبر صفحاتهما في موقع التواصل الاجتماعي الشهير فيس بوك “تواصلت مع أحد الزملاء بهدف البحث عن عمل لي أو لزوجي، شرحت سوء اوضعنا المعيشية، فبكى مما سمعه وقال ليتني أقدر اساعد لكن هل تأذني لي بنشر رسالتك فسمحت له بعدما تعهد بعدم ذكر اسمي، ومن هنا بدأت” تحكي سلوى..
كان منشور زميلها بمثابة الملاك المنقذ لها ولأسرتها فقد استطاع المنشور تدبير قيمة “مكينة خياطه” و”دفع الايجار المتراكمة لسنه ونصف” وشراء “دراجة نارية” لزوجها.. بعد هذا الخير نذر الزوجان نفسهما لمساعدة الناس، عادت سلوى لممارسة نشاطها الإعلامي لكن عبر صفحتها الشخصية على موقع فيس بوك من خلال نشر تقارير واقع الناس المرير استطاعت بذلك مساعدة 300 أسرة..
العمل الإنساني
وعن دخولها في العمل الإنساني تقول: “بدأت قصتي في العمل الانساني بعد موت ابني انضممت في عمل تطوعي مع متطوعات صحة المجتمع لمساعدة الأسر الفقيرة ومن يعاني أطفالهن أمراض سوء التغذية، وكان هذا العمل بوابة عبور منازل الأسر الفقيرة التي كنت اشاركهم نفس مأسيهم..”
مشروع رسالة خير
ومع ظهور جائحة كـوفيد19 لم تترك سلوى المحتاجين والمتعففين فهي جزء منهم فسعت لإيجاد فرص عمل من هذه الأزمة ومساعدة المجتمع في توفير مواد الوقاية التي شحت من السوق بعد إغلاق المنافذ البرية والبحرية، كما توضح ذلك سلوى: ” جاءت فكرة مشغل ومعمل رسالة خير للأسر المنتجة عبر منشور بصفحتي على فيس بوك، بعد أن تعذر علينا شراء مواد الوقاية من فيروس كورونا، بدأت بتشغيل معامل تملكها سيدات واقفلت بسبب الجائحة، استعنت بهم لصناعة تلك الكمامات، خلال أقل من أسبوعين افتتحت معمل خاص بالإضافة إلى المعامل التي تعاقدت معهم ثم افتتحت قسم تصنيع الأقنعة..”
في ذروة الجائحة تعاقد وزارة الصحة العامة والسكان مع معمل رسالة خير لإنتاج 10 ألف قناع كدفعة أولى، ما أدى إلى تضاعف عدد العاملين، إذ وصل عددهم قرابة 200 عامل وعاملة تقول سلوي: “وجد المعمل في وقت كانت الحاجة له ملحه فقد كان لنا هدفين أساسين أولهم الوقوف مع المجتمع لمساعدته على تجاوز محنته وتوفير ما يقي من الإصابة بهذا الفيروس ودعم المرافق الصحية والمحاجر وتوفير السلع الوقائية لتكون في متناول الجميع بسعر زهيد، وإيجاد بدائل عن بعض المواد التي تستخدم لصناعة تلك المواد الصحية والهدف الثاني تحويل تلك الأزمة إلى فرصه لعشرات الأسر المعدمة والفقيرة فلا فائدة شخصية عادت لي”..
الصعوبات
لم تقهر الظروف القاسية سلوى فتمثلت الصعوبات التي واجهتها في سخرية المجتمع وتقليلهم من امكانياتها الشخصية لصناعة التغيير، فكانتا المحفز الذي قادها لخوض التحدي والإصرار على النجاح لتثبت لكل من سخر منها أن الإنسان إذا قرر النجاح سينجح وأن الاستسلام هو الضعف..
وعن الصعوبات المادية فقد استطاعت اقتراض رأس مال المشروع من أحد الأصدقاء مبلغ مليون ومائتين ألف ريال (2000 دولار امريكي)..
تتذكر سلوى محطات من مشروعها: “حين بادرت بالإنتاج قبل وصول الوباء وانتجت منتجات بكل رأس المال الذي اقترضته بدون أن أجد أي طلبات شراء من أجل الاستمرار، توقفت عن الإنتاج وعرضت الكمية بنصف السعر وكنت على وشك التوقف النهائي لولا توقيع العقد مع وزارة الصحة الذي بدأ كبارقة أمل ومحفز للاستمرار”..
تواصل: نوع المشروع وحجمه في ذاك الوقت خمسه أضعاف حجمه الآن، ليس كبير تماماً ولكن هدفه عظيم، رأس مال الاصول فيه لا يصل لـ ٦ مليون ريال، إلا أن الاستفادة منه تعود على قرابة ١٠ أسر في تأمين الدخل، كما يعود عليا بربح يغطي مصاريف الايجار والبيت الحمد لله ولكن ألهمنا لتبني مشروع أعظم وهو منظومة إنتاج وسوق ومعرض دائم للأسر المنتجة.. وأستطيع القول إن الصعوبات الحالية التي تواجهنا هي التمويل والدعم بالإضافة إلى غزارة وجود المنتج الصيني أو الأجنبي..
مشروع الأسرة
تقيس سلوى نجاحها بعدد المستفيدين من المشروع ومدى التأثير الإيجابي الذي يتركه على الفرد والمجتمع، فالتفكير بخدمة الإنسان يظلها شغلها الشاغل، وتستعد لافتتاح مشروع إنساني جديد عبارة عن معمل لإنتاج وتسويق المخبوزات والحلويات ومعرض يهدف إلى دعم عدد 50 من الأسر المنتجة في مختلف المجالات، بمتوسط دخل 7 ألف ريال للأسرة، مقابل إنتاج ما يقارب 25 كيلو من الحبوب، ويتوقع تغذية محلات الأسرة بعضها البعض ما يحقق اكتفاء ذاتي لهم بتوفير الموازنة الشهرية لمخبز الأسرة الخيري الذي يقدم الخبز المجاني لقرابة ١٥٠ أسرة.
مشروع سوق سبأ للأسر المنتجة
ويعد أول سوق مستدام للأسر المنتجة يعرض ويفرض منتجاته كبديل للمنتج المستورد، ويدعم ما يقارب ٥٠٠ منتجه ويوفر فرص عمل ل٦٠ سيده تأمل سلوى من خلاله تحقيق معادلة الاكتفاء الذاتي للسوق: “تمت دراسة المشروع بعناية، فالفكرة كانت متواضعة ومع التطوير وإضافة عامل التعديل المستمر للمنتجات، وتطوير المنتج المحلي وتحسينه لينافس المستورد ليفرض كبديل للسلع المستوردة”.
النجاح بنظر سلوى مجموعة محطات لا تخلو من فشل ولعل السند المتين الذي تستند عليها هو سر هذا النجاح، تقول عنه: ” أكبر شخص مشجع ودعم لي وشريكي والعقل المدبر لأهدافنا ورغباتنا ومن يعد الدراسات لكل المشاريع هو زوجي فيصل الصنعاني”..
رسائل
وجهت سلوى الساري رسالة إلى الجهات المختصة عبر نسوان فويس قائلة: “اتمنى أن يكون هناك صندوق لدعم المشاريع الصغيرة ومنح قروض دون أرباح” ورسالة أخرىلكل فتاة “لا تخافِ من وقوع المشاكل في طريق تحقيق حلم أو هدف، فلكل مشكله ستجد الحل وكل صعب ستجد أنه سهلاً حين تتمسك بالحلم والطموح وتحارب من أجله” وتضيف: “مجتمعنا متلهف لأي ابداع بأيدي يمنية، الفتاه في اليمن مؤهله للنجاح أكثر من أخيها الرجل وهو من سيكون العون والسند، واستمرارنا كما نحن سيظل ظهورنا عوره واسمنا مخفيه، سيحرج الطفل حين يذكر باسم أمه أو الأخ باسم أخته ولكن إن عٌرفت بنجاح أو حققت انجاز كانت مدعاة فخر واعتزاز لكل من حولها”..
واختتمت حديثها برسالة للمجتمع: ” نحن نصفكم الذي تتلهفون أن تفخروا به اعطونا الثقة وسنكون عند حسن ظنكم ونعدكم لن تستعيروا من ذكر اسمائنا، بل سنكون مصدر فخر واعتزاز لكم وكل نجاح نحققه سيحسب لكم”..
كُرمت سلوى من عدة جهات رسمية عرفانا بعملها الإنساني كان أخرها تكريم أمانة العاصمة في ديسمبر 2021.